ضحية حزب الخبز . محسن فكري .. بين جبابرة السلطة و دعاة الوطنية
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( *)
الثلاثاء 08 نوفمبر 2016 – 12:09:09
هي حكاية موسمية بطلها في هذا الموسم محسن فكري، تاجر سمك لقي حتفه في شاحنة للنفايات بعد أن دخل إليها مساء الجمعة لأجل استرداد بضاعته المحجوز عليها، بيد أن آلة شفط الأزبال جرى تحريكها، ممّا أدى إلى الإجهاز على الشاب ومصرعه في الحال.
إن محسن فكري ليس ثورياً ولا يسارياً ولا سلفياً ولا جهادياً لا ينتمي إلى حزب معين، إنه مواطن مغربي ينتمي إلى حزب “الخبز”، الحزب الذي يشكل شريحة مهمة من المغاربة، شريحة لا تكترث للأيديولوجيا، لا تغريها السياسة ولا تتابع الأخبار، وتقتصر علاقتها بالإعلام، على المسلسلات وحالة الطقس لمعرفة طبيعة الجو.
هم مواطنون لا يسألون ولا يطالبون بحقوقهم، حتى وإن انتهكت يرفعون أيديهم في الصلاة تاركين أمرهم لله -عز وجل- قانعين وحامدين، ينتظرون لقاء الخالق في الآخرة لتعويضهم عن الظلم الذي عانوه في الدنيا.
ومحسن يمثل هذه الفئة التي تبحث عن لقمة العيش. فبعد أن حجزت السلطات سلعته قفز إلى داخل الشاحنة لمحاولة جمع السمك المصادر، غير أن أحدهم قام بتشغيل محرك الشاحنة، فاشتغلت آلة الشفط التي ابتلعته وسحقت عظامه حتى الموت؛ لتعيدنا قضيته إلى “مي فتيحة مولات البغرير” التي صبت على نفسها البنزين، وأشعلت النيران، منهية بذلك رحلة معاناة تعيشها كل الأرامل في المغرب.
مي فتيحة كلّت عزيمتها عن مواصلة مسلسل إختار القدر أن تلعب فيه دور المستضعفة لا سيما بعدما حجزت عناصر القوات المساعدة سلعتها، ووجهوا إليها إهانات، لم تتحملها، طرقت باب القائد، عسى أن ينصفها ويعيد إليها المحجوزات، إلا أنها وجدت أمامها رجالاً يتلذذون بتعنيفها معنويا ومادياً.
فمّي فتيحة ومحسن فكري وغيرهما من الدراويش يشكلون فرصة لتفريغ مكبوتات البعض السلطوية وإطفاء نيران الشوق إلى زمن الإستبداد وإهانة الضعفاء وتجريدهم من أبسط حقوقهم.
#كلنا_محسن_فكري
#إالى_متى_طحن_شعب
هاشتاغ يلهب مواقع التواصل الإجتماعي، نشطاء أعربوا عن تضامنهم مع بائع السمك، ولكن هل يكفي التضامن في العالم الأزرق خلال كل حدث يهزنا من الداخل ويذكرنا بواقع تناسيناه، هل يكفي هاشتاغ ليطفئ نيران الإحساس بالظلم و”الحكرة” المشتعلة في قلوب عائلته ومعارفه؟ هل سننتظر محسن فكري آخر ومي فتيحة أخرى لنظهر إنسانيتنا لأيام قليلة وبعدها نعود إلى حياتنا؟
هكذا بات العالم الإفتراضي وسيلتنا الوحيدة لتحقيق “الكوجيطو” الإنساني أنا متضامن على صفحتي إذن أنا إنسان.
الإنسانية هي دعمك لمحسن الذي تقابله يومياً وأنت في طريقك نحو عملك، الإنسانية تكمن في وقوفك إلى جانب مي فتيحة التي تبيع في الشارع وقد تراها تعاني من الظلم ولا تتحرك مشاعرك الفيسبوكية، ولا يهمك كيف ستعول أسرتها؛ لأنك تعتبر نفسك قد تصدقت عليها في صفحتك وكتبت “هاشتاغ” لقي إعجاباً كبيراً من لدن أصدقائك، هنيئاً لك أنت الآن أصبحت إنساناً إفتراضياً.
وهنا أستحضر مقولة الباحث الاجتماعي عبد الرحيم العطري: “هل الجحود صناعة مغربية؟”؛ لأننا انتقلنا إلى زمن الكل يفكر في ذاته ومصالحه الخاصة، ولكن هذا لا يمنعه من اتباع الموضة الفيسبوكية وكتابة “كلنا محسن فكري”.
الإنسانية ليست موضة، الإنسانية إحساس بالآخر الذي ربما قد تقتسم معه نفس البيت ونفس الحي؛ لنبحث عن محسن ومي فتيحة اللذين يوجدان في حيّنا ونساندهما ضد الظلم، خاصة ونحن ندرك أن “حزب الخبز” يتكبد المعاناة في صمت.
لقد حان الوقت لاحترام الإنسان، وطيّ صفحة العقلية المخزنية السلطوية، ومحاسبة المتواطئين في تجريد الإنسان من كرامته.
تحريف الأحداث من انتفاضة غضب إلى خلق الفتنة
تعالت أصوات المنتسبين لهذا الوطن ، هؤلاء الذين لم يذوقوا قسوة الإهانة و القهر من لدن أي سلطة من السلطات المغربية و لا يعرفون للحرمان طعما ، تعالت أصواتهم اليوم و هم يتسابقون نحو الوطنية و من فيهم الأكثر وطنية معتبرين أن مسيرات الحسيمة و باقي المدن المغربية لأجل الشهيد محسن فكري هي مناورات و مخططات من جهات مختلفة للإطاحة ببلدنا ، على أساس أنهم وطنيون أكثر من غيرهم أقول لهم :
الوطنية غريزة إنسانية متأصلة في النفس البشرية،ومفهوم الإنتماء الوطني وراثي يولد مع الفرد من خلال ارتباطه بأهله،ومحبته للأرض التي يعيش عليها،وتفاعله مع البيئة المحيطة به.
فالوطن هو الرحم الذي ولدنا منه،والأرض التي نحيى عليها ونموت،وندفن فيها.وخلال مسيرة حياتنا نعمل على رفعة الوطن وبنائه وتقدمه وحمايته والدفاع عنه.وهو الأرض التي نعيش عليها،نقتات من خيراته،وننعم بطيب هواءه،وعذوبة مائه،وجمال وروعة جباله وسهوله ووديانه،وفيه جذورنا وأشجاننا وذكريات طفولتنا،ومراهقتنا،وكهولتنا.
والإنتماء للوطن عقيدة راسخة،وهو الإحساس الداخلي الصادق بحب الوطن لدرجة الذوبان الوجداني فيه وبأحداثه والعمل على رفعته ورقيه،والتناغم التام مع دستوره وقوانينه وأنظمته وكل ما فيه خير له،وهو جزء من منظومة الأخلاق المتكاملة،التي يجب أن يتشربها الطفل منذ صغره،ويجب أن يحرص عليها الآباء والمعلمون إلى جانب حرصهم على بقية المكارم والأخلاق،حتى نضمن جيلا يتوازى لديه التطبيق والسلوك العام –قولا وفعلا-مع فطرة الإحساس الداخلي بالإنتماء للوطن.
وهنا يدور في الخلد سؤالا:كيف لنا قياس انتماء الأشخاص ومعرفة مدى وطنيتهم؟؟؟
من هنا يمكن لنا أن نميز بين الوطني الحقيقي وبين مُدعي الوطنية إذا ما عرفنا أن : ( الوطني هو الذي يكون مستعدا لتقديم كل ما يملك من أجل وطنه حتى ولو وصلت تضحيته فداء وطنه،بروحه ودمه.بيمنا التابع هو الذي لا يُقدم أي شيء لوطنه،حتى الكلمة يبخل بها ولا ينطقها إلا إذا ما كانت مدفوعة الأجر ).
وإليــــــك يــــــا مُدعـــــــي الوطنيــــــــة … مُـــذكــــــرين ومُتـسائليـــــــــن :
*أين وطنيتك عندما تحنث بالقَسَم واليمين وتخون الأمانة وتصد محتاجا عن بابك ؟؟؟
*أين وطنيتك عندما تُقّرب من لا يستحق وتمنحه المناصب والإمتيازات وتُبعد وتحرم الأجدر والأحق ؟؟؟
*أين وطنيتك عندما تُقصي الكفاءات والخبرات الوطنية وتقضي على الإبداع والتميز ؟؟؟
*أين وطنيتك عندما تُهدر المال العام،تُسرف وتُبذر بدون حسيب أو رقيب؟؟؟
*أين وطنيتك عندما تنقلب على الوطن ومؤسساته وتُقصي أبناءه الأكفاء ؟؟؟
*أين وطنيتك عندما لا تقيم وزنا لإنسان،ممارسا عليه كل أنواع الظلم والطغيان ؟؟؟
*وأين هي وطنيتك عندما تتطاول وتسيء إلى كل المبادىء والقيم والثوابت الوطنية؟؟؟
فالوطنية نراها ونشاهدها تتجلى في الكثير من المناسبات،يقوم بها أشخاص منفردين أو مجتمعين وتتخذ العديد من الأشكال للتعبير عنها بصفة شخصية أو مؤسسية :
-يضع الشعارات والصور والملصقات الوطنية على مركبته ويخالف أبسط قواعد المرور
-يجلس في مكتبه والصور الوطنية فوق رأسه ويعيث فسادا وإفسادا في المؤسسة
-يكتب الشعارات الوطنية في بياناته ويتنكر للوطن
-يَسوق الوطنية ويُجاهر فيها ويُحاجج بها وعند وصوله لمبتغاه ينسى أن هناك وطن
-يطرح الشعارات الوطنية التي تدعوا للعدالة والمساواة وعندما يجلس على الكرسي يصبح إقصائيا،ممارسا للشللية والواسطة والمحسوبية والجهوية
-يدعوا إلى الإنتماء للوطن وينساه مجيزا شحنة مشبوهة أو ممررا عطاء مخالفا
-يُدافع عن قضايا الوطن وينحاز الى جانب أصحاب الفكر والعقيدة من خارج حدود الوطن
-ينادي بتكافؤ الفرص ويسقط عند أول إختبار بتعيين قريب أو نسيب متجاهلا حقوق الغير
-يقطع على نفسه أغلظ الأيمان بأن يكون للوطن وإلى جانب المواطن ويتخلى عنهما من أجل مصالحه الضيقة
وبعد كل هذا ألا نكون محقين عندما نقول بأن هناك :
( تُخمة في الوطنية … ونُدرة في التطبيق ؟؟؟ )
من حق كل شعوب العالم أن تنتفض غضبا و قهرا ، من حق كل شعوب العالم أن تطالب بحقوقها الإنسانية الأساسية ، من حق كل شعوب العالم أن تفرض احترام وطنيتها ، و أنتم من تدعون الوطنية الزائفة و تعتبرون أن المطالبة بالحقوق هي فتن و فوضى أٌقول لكم ، أولى بكم أن تتركوا هذا البلد الأمين ، و أن تمارسوا نفاقكم السياسي و الإجتماعي بعيدا عنا ، فنحن أبناء هذا الوطن الحقيقيون ، و كل ما نرجوه هو ما يرجوه إبن من أمه ، أن تحن عليه و تحبه كما يحبها ……. .