مناشدة في فضاء الطب و اللغة
جريدة طنجة – مصطفى البقالي الطاهري ( “النقابة والإعلام )
الثلاثاء 09 نوفمبر 2016 – 18:17:02
فالبـاحثُ في هذا البلد حينما يحاول معرفة موقع اللغة الأجنبية في الوطن و يتجرأ على إقحام لغة هذا الوطن في ميدان الطب يواجه بالاستغراب بل بالمعارضة فقط لأن العربية في المخطط الفرنكفوني لا ينبغي أن تكون مزاحمة للغة المعبود هبل باريس .. و بحكم طول المدة يترسخ هذا في الأذهان حتى تجد ضعاف النفوس مقتنعين بالطرح الانهزامي متذرعين بحيثيات لا تقبلها الشعوب الحرة التي نجعلها هنا دلائل قوية لإثبات أن الشعب الحر تكون لغته حرة و لا يقبل أن تكون حبيسة لغة مستعمر مثل ما هو حاصل عندنا .
إن اللغة الفلامانية يتكلم بها شعب لا يتجاوز عدده ستة ملايين ، و رغم ذلك فلغته حرة لا تقف في وجهها أية لغة و إن تكن الفرنسية لأن شعبها حر لا تهيمن عليه عقدة الأجنبي و لا عقدة النقص .. لذلك كانت لغته تستعمل في جميع مجالات الحياة منها مجال العلم .. فكلية العلوم و الهندسة و الطب تكون فيها لغة الفلامانيين حاضرة و بقوة ، و لا يتجرأ أحد ليقول إن الفلامانية ضعيفة لا تساير العصر .. بل الذي يتفوه بهذا هو الشعب العبد الذي يجعل لغته أسيرة عبدة للغة الغير لا حق لها في التقانة و الهندسة و العلوم و الطب ..
و إذ أذكر الشعب الفلاماني كمثال ، فإني اخترته لأن عدده قليل و كذا مساحة أرضه .. لكن من هنا حيث لا وجود لرابط لغوي أو ديني أنتقل لدولة كمثال تربطنا و إياها رابطة دينية و لغوية و هي تركيا ، فهذا البلد عاشت معه اللغة العربية محنة ، فقد عمل اتاتورك على محاربة العربية على مستوى الخط و على مستوى الكلمات الموجودة في اللغة التركية ، فعلى مستوى الخط العربي فقد نجح و غيره بالخط اللاتيني ، أما على مستوى الكلمات العربية فرغم بذله مجهودات لتغييرها ، لم يستطع إزاحتها كليا و بقيت اللغة التركية مزدانة بكثير من الكلمات العربية نذكر منها :
محكمة MAHKEM – كلمة KALIME – برهان BURHAN – انتظار INTIZAR – انفعال INFIAL – إصلاح ISLAH .. الخ.
و لكن رغم ذلك ، فالشعب التركي متشبث بلغته لأنه حر و قيادته حرة بغض النظر عن أن لغته عبارة عن خليط عربي تركي و هم يعتبرون أن عدم استعمال لغتهم في العلم إهانة و الدليل هو أنه ذات يوم سئل سليمان دميريل : ما هي اللغة التي تدرسون بها الطب ؟ .. تَفاجَـأ دميريل من هذا و استغرب حتى اعتبر أن السؤال في حد ذاته إهانة له ، فأجاب : كيف يعقل أن ندرس الطب بلغة الغير و بلدنا مستقل..
هذه الأمة الحرة الرائعة لم تقل إن لغتها قاصرة لا تستطيع المسايرة ، و لم تعمل على إتاحة الفرصة للغة استعمارية لتسيطر على الأمة و تصبح فعليا هي اللغة الرسمية مع وجود ترحيب بهذا الوضع البئيس السيء من طرف البعض الذي همه الوحيد هو الشبع المادي و لا اعتبار للاستقلال و لا للوطنية و لا للهوية .
في بلدي إذا سأل صحافي عن اللغة المهيمنة على الوطن سيقولون له إنها الفرنسية اللغة الاستعمارية المسماة باللاتينية المزورة ، هذه الأعجوبة تسيطر على العقول التي لا تعرف معنى للاستقلال و لا للوطنية و لا للهوية و تسيطر أيضا على الواقع في جل الإدارات و في الشوارع و المحيط ، أما كليات العلم و بالأخص كلية الطب فإنها كارثة إذ لا تدرس بها و لو مادة واحدة باللغة العربية لأن هناك خطوطا حمراء رسمت للغة محمد الرسول العربي ﷺ .
لنقارن سياستنا اللغوية بسياسة تركيا التي تستعمل كما هائلا من كلماتنا في لغتها ، هناك الطب يدرس بالتركية و الطبيب يحرر الوصفة الطبية بلغته و هنا الطب يدرس بالفرنسية و الطبيب يحرر الوصفة الطبية باللغة الفرنسية التي يقول عنها علم لغة الكون أنها ستموت داخل سبعين سنة ، هنا تجد بعض الأطباء في قاعة انتظارهم لا يتوفرون إلا على ما هو مكتوب بالفرنسية تأكيدا للمسخ اللغوي ، بل هناك من يكتب إعلانا بالفرنسية للزبائن و لا يوجد ضمنهم فرنسي واحد.
لكن هناك استثناء ، هناك أطباء مناضلون ، تجدهم ملتصقين بلغتهم و يبدون اهتمامهم بها كلما أتيحت لهم الفرصة و هناك من لهم الجرأة لكتابة الوصفة باللغة العربية منهم : الدكتور فؤاد قابيل ، مدير مستشفى محمد الخامس بطنجة .
و الدكتورة حسناء الشريف الكتاني ، الموجودة عيادتها بالرباط ، هذه الطبيبة المناضلة تكتب الوصفات الطبية باللغة العربية ، و هي بذلك تواجه معارضة شنيعة تعكس الجهل و التخلف و انعدام الوعي الوطني .
هؤلاء المعارضون يجب أن نصطحبهم معنا لزيارة الشعوب الحرة ليتعلموا هناك كيف يكتب الأطباء وصفات مرضاهم و نعتقد أنه بعد ذلك سنصل إلى إقناعهم أن الدكتور فؤاد قابيل و الدكتورة حسناء الشريف الكتاني هما على صواب ..
إننا بالمناسبة و باسم الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية فرع طنجة نناشد و نوجه نداءنا إلى كل الأطباء الشرفاء المناضلين الوطنيين ليتحدوا الاستعمار الثقافي اللغوي ، و يعملون على استعمال اللغة العربية في عياداتهم و كتابة وصفاتهم الطبية بلغة القرآن الشافي لعل الله يتقبل منا و يهدينا سبل الرشاد ، ذلك أن التعجيم لم نحصد منه سوى التخلف و إذا كان الاستعمار يقول سابقا إذا عربت خربت ، فإننا نقول اليوم : إذا فرنست فلست ، لأن الأمور تنتقل من تدهور لآخر بسبب رئيسي و هو تخلينا عن الخط المحمدي التقدمي و عن لغة ديننا و عوض أن نعتمد على الله و على أنفسنا و على لغة الذي يقول فيه القرآن الكريم : ” و إنك لعلى خلق عظيم ” تشبثنا بالأوهام الفرنكفونية التي لا تسمن و لا تغني من جوع و التي أدت بنا إلى أن نصبح مقاطعة لغوية فرنسية متخلفة مضطربة في تعليمها و في سياستها العامة ..
إن التشبث بهذا الرسول و لغته طريق سيؤدي حتما إلى الانتصار ، لأنه قدوتنا و لأنه أعظم عظماء التاريخ .
يقول صاحب موسوعة قصة الحضارة ” ويل ديوران ” : ( إن محمدا هو أعظم عظماء التاريخ ) .
و يقول ” كوستاف لوبون ” المؤرخ الفرنسي : ( إن محمدا هو أعظم رجال التاريخ ) .
و يقول الفيلسوف ” لامارتين ” : ( هل هناك الذي من هو أعظم من النبي محمد ﷺ ) .
و يقول ” مايكل هارث ” صاحب كتاب المائة : ( إنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين الديني و الدنيوي ) .
و يقول ” طوماس كارليل ” الانجليزي : ( إني لأحب محمدا لبراءة طبعه من الرياء و التصنع ، إنه يخاطب بقوله الحر المبين قياصرة الروم و أكاسرة العجم يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة الدنيا و الحياة الآخرة ) .
و يقول ” بيرنارتشو ” الإيرلندي : ( هذا النبي لو تولى أمر هذا العالم لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام و السعادة التي يرنو البشر إليها ) .
و يقول الكاتب الروسي الكبير ” تولوستوي “: ( إن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل و الحكمة).
و يقول الباحث الانجليزي ” ليتنير ” : ( المسيحي الحقيقي الصادق هو المسيحي الذي يعترف برسالة محمد ) .
هذه الأقوال الرائعة تخص شخص الرسول الأكرم محمد ( ص ) ، أما فيما يتعلق بلغة هذا الرسول ، فإن هناك أقوالا أخرى تمجد لغته و هي اللغة العربية .
يقول الألماني ” فيرتاج ” : ( اللغة العربية أغنى لغات العالم ) .
فالعربية رصيدها المعجمي يتجاوز 12 مليون و 300 ألف كلمة و يمكن اشتقاق أكثر من 95 مليون فعل يستخدم منها فقط 0.04 % ، بينما الفرنسية لا يتجاوز عدد كلماتها 150 ألف .
يقول الفرنسي ” ارنيست رينان ” : ( اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال و هذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر ، فليس لها طفولة و لا شيخوخة .
و يقول ” وليام وورك ” : ( إن للعربية لينا و مرونة يمكنانها من التكيف وفقا لمقتضيات العصر ) .
وتقول ” سيكريد هونكا ” صاحبة كتاب ” شمس العرب تسطع على الغرب : ( كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة و منطقها السليم و سحرها الفريد ) .
هذا غيض من فيض ، قيل عن لغة الرسول ( ﷺ ) ، فماذا بقي للذين يحاربون لغة أعظم عظماء التاريخ دون معرفتهم أنهم بذلك يحاربون هذا الأعظم و يحاربون دينه الذي سيسود العالم رغم أنف الجاحدين المزايدين .
إننا مرة أخرى نناشد الإخوة و بالخصوص الأطباء الأخذ في الاعتبار ما قيل و يبدأون بإدخال تغييرات تدل على الحس الوطني و تدل على الوعي و على إدرك معنى استقلال الأمة و معنى الوطنية و معنى الهوية..