سُويعات من الأمطار تغرق مدينة طنجة في فيضانات مهولة
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( “امطار طنجة تُغرقُ المدينة )
الثلاثاء 29 نوفمبر 2016 – 12:29:33
لقد كانت هناك بعض الفيضانات في الماضي ولكنها كانت ترتبط بالوديان التي تخترق المدينة لتصب في البحر، وهي بالنسبة للواجهة المتوسطية: واد الملالح، واد مغوغة، واد السواني، واد اليهود. والواجهة الأطلسية: واد الزيتون، واد بوخلف، واد اكزناية، واد المهرهار، حيث إنه مع امتلاء حقينة هذه الأودية، خلال فصل الشتاء، كانت “تفيض” وتجرف بعض المناطق التي تمر منها كمغوغة والسواني وبوخلف، مثلا، خاصة وأن معدل التساقطات المطرية التي كانت تشهدها منطقة طنجة سنويا أيام “الخير والبركة” كانت تقارب 1500 ميليمتر.
ماذا حدث إذن لمدينة طنجة التي تَشهد مشاريع بنيوية عملاقة ومشاريع تنموية فرعونية وُكل أمر إنجازها إلى الوالي وإدارته المحلية والإقليمية، حتى “تغرق” في يم عظيم، بعد سويعات فقط من تهاطل أمطار أخبرت بها مسبقا مصلحة الأرصاد الجوية و “حذرت” منها، حتى يأخذ ولاة الأمر الاحتياطات اللازمة لتفادي كل ما من شأنه أن يزعج السكان ويرعبهم، أو يتسبب للمدينة في خسائر على مستوى الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.
إن المشاهد التي حملتها مختلف المواقع الاعلامية، خاصة الإليكترونية التي أصبحت “قوة” حقيقية في المشهد الإعلامي الوطني، تبعث الرعب في النفوس لما حملت من صورا لارتعاب والارتياع والهلع والفزع، حيث تحولت مناطق عديدة من المدينة إلى بحيرات عميقة، سمحت باستعمال قوارب لعبورها، ما دفع العديد من رواد المواقع الفيسبوكية إلى السخرية من مسؤولي المدينة التي شبهها بعض أهالها بمدينة البندقية الإيطالية.
ولم يكن يتصور أحد من أهالي طنجة أن تغمر المياه الساحة المقابلة لمحطة السكك الحديدة القديمة حتى غمرت المياه السيارات على كامل ارتفاعها في مشهد مؤلم بالنسبة للأهالي الذين لا يذكرون كارثة بهذه الحدة والشدة، وسط المدينة .
لقد استغربَ أهل طنجة أن تغرق أحياء بكاملها بمجرد سقوط أولى زخات المطر وتتسبب في خسائر مادية كبيرة لأصحاب السيارات والتجار والمارة عبر طرق المدينة والمناطق المجاورة كحي كاساباراطا بأسواقه المنجرفة، ومنطقة حي الموظفين وبني مكادة التي تعتبر مركزا سكنيا وتجاريا من الدرجة الأولى بالمدينة، وحي ادرادب، والإدريسية القريب من جماعة العبدلاوي، وشارع الأطلس وشارع مولاي حفيظ ومحيط بناية مجلس الجهة الواقع في ما كان يسمى” بمنطقة إقامة” بأحيائها الراقية الممتدة إلى كاليفورنيا ثم الجبل الكبير، وعدد من المدارات الحديثة الإنشاء لتمتد إلى الكورنيش الذي غمرت المياه جوانب منه وحاصرت المياه بعض المنشآت السياحية الحديثة وتسببت في عرقلة سير المارة والسيارات بهذه المنطقة التي قد تتسبب المياه في ظهور الكثير من اختلالات البناء بها، وقد بدا بعضها ظاهرا على حافتي طريق الكورنيش، والمطلوب الإسراع بعملة الصيانة في هذه المنطقة التي تعول عليها المدينة في مخططات التنمية التي رصدت لها ميزانية ضخمة ضمن مشاريع المخطط الملكي” لطنجة الكبرى” والتي وكل أمر تنفيذها إلى والي الجهة.
إلاّ أن بعض تلك المشاريع “هزها الما” ومنها بعض المدارات والأنفاق خاصة نفق بني مكادة الذي غمرته المياه بالكامل، حيث إنه أصبح غير صالح للاستعمال وزاد ذلك في عرقلة السير الذي أحدث النفق لتسهيله.
هذا الطوفان دفع العديدين إلى القول بأن مشاريع “طنجة الكبرى” لا يسير إنجازها على ما يرام، يبدو ذلك من هشاشة البنيات التحتية، التي رصدت لها اعتمادات كبيرة في ميزانية المخطط الملكي والتي لم تصمد أمام أولى زخات المطر لتتحول المدينة إلى بركة ماء يغمرها البحر من كل جانب ، حتى أن بعض شباب أحياء البرانص، حولوا البركة التي “غزت” أحياءهم، إلى “مسبح ” شعبي، دفعوا إلى داخله بصندوق بلدي للنفايات، ليستعملة الشباب منصة للقفز و للغطس في المياه التي ازدادت نسبة ارتفاعها مع توالي سقوط الأمطار، حتى لتخال أن البحر تخطى سواحله ليغمر المنطقة بالكامل. مشاهد مضحكة مبكية وثقها أهل الدراية بفيديوهات وقع تداولها على نطاق واسع.
وقد ظلّت تعليقات الفيسبوكيين على هذا الوضع قوية تتخللها “قفشات” تهكمية على الإدارة والجماعة وما بينهما حتى أن بعضهم نشر صورة لمواطن يعبر بحيرة بوسط المدينة على قارب بمجداف . وآخر نشر صورة لشباب يمارسون رياضة “التيجيتسكي” في مسبح القطار القديم، طبعا بتعليقات تبرز مدى “لطف” و “خفة دم” شباب طنجة وقدرتهم العالية على “التنكيت” السياسي كلما دعت إلى ذلك مواقف مثيرة وغريبة. ولعل طوفان طنجة كان مبعث وحي وإلهام لمن به مس من هواية “التقشاب” على مواقف تغري بذلك !
وحيث أن “للجد أوقات وللهزل مثلها”، على قول الشاعر الجاهلي، فإن العديد من المعلقين ارتابوا من صمت المسؤولين ، خاصة العبدلاوي البيجيدي رئيس المجلس البلدي ــ ياحسرة ــ، ووارث سره أمحجور ، ومن يشمله جمعه البلدي “السعيد” جدا…. أيضا من صمت المنتخبين الجماعيين والبرلمانيين والمنظمات الأهلية….
ولكن منبرا من المنابر الإعلامية الوطنية أخبر بأن مقر ولاية طنجة شهد لقاءات ، الإثنين والثلاثاء، بحضور الوالي اليعقوبي والرئيس العبدلاوي، والمدير الجهوي لشركة أمانديس الفرنسية التي عجزت الدولة عن فك الارتباط بها والتي فوض لها أمر تدبير قطاعات الماء والكهرباء وما قاربهما ، قيل إنها خصصت لـ “مناقشة” آثار الفيضانات التي اكتسحت جهات ومناطق عديدة من مدينة طنجة وخلفت أضرارا وخسائر متفاوتة بالعديد من المرافق الحيوية بالمدينة.
نفس المصدر أورد وفق ما توصل إليه من معلومات أن ممثل “أمانديس” ووجه بـ “عتاب” شديد بسبب ما اعتبر “تقصيرا” في صيانة ومتابعة وضعية البنيات التحتية، و تصفية المجاري وقنوات الصرف الصحي بالشكل المطلوب ــ والمتفق عليه في دفتر التحملات، والله أعلم ــ والتأخرالحاصل في إنهاء الأشغال ببعض الأوراش الهامة، وتعطل خدمة مضخات الماء في الأنفاق التي أغرقتها بضع دقائق من الغيث الذي لم يكن مفاجئا، بطبيعة الحال.
وفي غياب أي بيان رسمي في الموضوع، فإننا نعتبر أن “العتاب” الذي يكون ممثل “أمانديس” قد تلقاه خلال ذلك اللقاء من طرف “الناطق” باسم مواطني طنجة، يشكل أعلى ما يمكن أن نواجه به شركة أمانديس التي نفتقر إلى خدماتها ما دمنا أننا لا زلنا “عاجزين” على تدبير مائنا وكهربائنا وأزبــالنا، بعد مرور أزيد من نصف قرن على استقلال بلادنا، الذي احتفلنا بذكراه الواحدة والستين ، بداية الأسبوع الحالي..