الإدارة… التغيير والعقلية المنفتحة..
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( الإدارة المغربية )
الاربعاء 16 نوفمبر 2016 – 11:19:06
صحيح أن الفقرَ والحاجة يدفعان إلى إهدار الكَرامة البَشرية، وإلى دَفع المواطن إلى سوق النخاسة… ولكن على الباغي تدور الدوائر -كما يقول المثل-، فلا المواطن أراد العبودية ولا نفسه أرادت الاستعباد، ولكن الطواحين تدور، وآلهة الزمن الرديء السائب، أباطرة الكون أرادوا ذلك، فهم لم يسمعوا بعد بقولة الفاروق رضي الله عنه«متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ..» من ينظر إلى السماء وهو يخطو فوق الأرض لم ولن يسمع أو يستوعب، فهو كمن يخرق الأرض ويبلغ الجبال طولا، مع أنه يتهيأ وروحه الطاووسية تنفخ فيه فلن يفعل ولن يستطيع أن يفعل ولو أراد، وقديما قال شاعرنا الكبير ذي الثلاثة سجون في حياته «خفّف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد»… لذا فرجوع الإدارة إلى خط الجادة لا يكفي لتصحيح المسار ولو أنه الأساس، فلابدمن وجود إرادة جماعية لهذا المسار… إرادة لا تتبناها الإدارة وحدها… فهناك الجماعات والبرلمان بغرفتيه وما ينبثق عنهما، وهناك المجالس والمؤسسات والمصالح ذات الصلة بالمواطن. وحين نذكر الإدارة فلا نعني بها الإدارة الترابية فقط، فيما يواجه المواطن في الإدارة العدلية والصحية أدهى وأمر .ّ.. وحتى إذا تركنا الدوائر الرسمية، فهناك المؤسسات الخاصة، وما يعانيه المواطن اللاجئ إلى المصحات الخصوصية من ارتفاع أسعار الكشف والتحاليل والمواعيد الطويلة المتباينة ما يدخل ضمن الخلل السائد في الإدارة مهما كانت هذه الإدارة. لقد أصبحت بعض المصحات الخصوصية نائبة عن المستشفيات العمومية في الفحص بالسكانير وغيرها، ذلك لأن هذه الأجهزة معطلة وعلى الدوام داخل المستشفيات العمومية، ولكل نصيبه وسهمه، وكثيرًَا ما لوحظ إحداث مصحة خصوصية مقابل أو جوار مستشفى عمومي كما لوحظ تردد عاملين في المؤسسين بينهما… وهذا ما ي فُسر الأعطاب التي تعاني منها أجهزة المستشفى العمومي والتي لا ت صُلَح أبدا، لأن الأمر يتطلب مبالغ ضخمة -في نظرهم- أرأيتم كم من الصعب أن نحاول إصلاح ما أفسدته ممارسات سنين طوال ..!
قد يحاولون إصلاح الخطاب! وإلى تحسين أسلوب الاستقبال خصوصا وأن الظلم ارتقى إلى درجات أصبح معها الاحتجاج الاجتماعي يتم بصور بشعة وردود أفعال عنيفة قاسية في مستوى الظلم أو أكبر… والظلم يولد إحساسا بالمهانة )الحكرة( والله حرم الظلم على نفسه وجعله بيننا حراما، والمعروف الأكيد أن من أساسيات العيش الشريف حين يشعر المواطن بكامل كرامته، مما تتطلب توفير وتوافر رباعي لا غنى عنه: العمل، السكن، الصحة، والتعليم، فلاعيش ولاحياة بدون عمل قار وسكن ثابت، ولا استمرار بدون صحة وتكاثر أمراض وأوبئة واستحالة علاج لفقر أو غلاء أو عدم وجود أطر وكفاءات تخالف ذلك ولا أخلاق أو تربية أو تهذيب أو إبداع أو إدارة بدون تعليم… لا نقصد هنا التعليم المتذبذب الذي نعانيه… ولا تعليم التأرجح بين لغات شتى دون أن نتقن أية لغة ولا هذا اللسان الأعجمي الأعوج وهو ينطق حتى تحية الصباح بلغة دخيلة تنم عن فقره اللغوي، وعن خوائه الأخلاقي، وفراغه التربوي، وتبعيته الذيلية…
وهكذا ترك الوجود الفرنسي مستعمراته الإفريقية غارقة في الجهل والتبعية تم استقطبها كلها تحت عنوان كبير (الدول الفرنكفونية) فضاعت ثوابت الشعوب وحضاراتها القديمة أو كادت، لذلك فالإدارة عقلية وتربية قبل أن تكون سلوكا وممارسة… لا يهمنا كيف يستقبلنا الموظف في جميع مراتب المسؤولية… لا يهمنا أن يبتسم أو يعبس، فذاك وجهه يفعل به ما يريد ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا «التمسوا الخير في الوجوه المنطلقة ».. ما يهمنا أن يكون الموظف مقتنعا بما يفعل لا مجبرا أو مضظرا كما هو الحال الآن… هي العقلية التي يجب أن تتغير لا السلوك.. إذا تغيرت العقلية تغير كل شيء، ومضينا نحو هدفنا بثبات لا يلين.
كثيرا ما أحس المواطن لدينا بأنه غريب في وطنه، وكثيرا ما انتقل مع جَحافل وحشودا إلى خارج الوطن بحثــًا عن الكرامة التي افتقدها في مَنبت رأسه فَعاد إلينا مُهَشّمــًا… جسدا مكلولاً التهمته الأيّـــام… أو في نعش مغُلق مختــــوم… وإذا لم يكن هذا ولا ذاك عاد مَسخا يجر هُوية غير هُويته مُتقلدا بسلَاسل غــِـلاظ من معدن نفيس، ونفس جريحة بدون قِيـــم ولا رُوح..
لقد هربَ من واقع مستبد أليم إلى مصير غامض مجهول… وقد لا تدري نفس بأي أرض تموت… ولا يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلَُح أولها… وثقتنا في المستقبل الآخر.. المستقبل الجميل نستشفه من كلمات خطاب افتتاح الدورة العاشرة للدورة التشريعية الحالية… ونستقرِؤُه من الصدق والصراحة والعزيمة التي حفلت به كلمات الخطاب، ولا ننسى أن كثيرا من رُؤوس الأموال الأجنبية غادرت المغرب وفيها من لم يضع اللبنة الأولى لمشروعه لما اصطدم ببــــروقراطية لئيمة اعتادَت على خطاب «مشي واجي » والاستثمار لا يفهم هذا الخطاب ولا هذه اللغة العرجاء… فــالإدارة، إذن، ليست هي المواطن الإنسان فحسب، بل هي التغيير.. والعقلية المنفتحة.. وكل شيء في الإمكان….