“إعادة استدعاء بوكماخ ؟”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( *)
الجمعة 25 نوفمبر 2016 – 11:33:03
لقد اعتاد الناس في هذا الخصوص انتقاد الأداء التعليمي الحالي، المتميز بالإنحدار غير المسبوق، بسبب ضعف و تدني المستوى المعرفي لدى أغلبية التلاميذ في مُخْتلِف أسْلاك التعليم العمومي، و في الوقت ذاته، يُجْمع هؤلاء على القول بأن ماضي التمدرس بالبلد، من جهة كفاءة هيئة التدريس و نجاعة المقررات دراسية، كان مُشرقا، و هو واقع مفقود في الوضع الحالي، و لتأكيد هذه الرؤية و إثبات هذا البون الشاسع بين مرحلتي الماضي و الحاضر يؤكد هؤلاء أن شهادة “البروفي”، في النظام القديم، أعلى “قيمة” من شهادة الباكالوريا “المعاصرة”.
قد لا يتجادل عاقلان في الأزمة البنيوية العميقة التي يقبع فيها النظام التعليمي المغربي بسبب السياسات العامة المتعاقبة و انعدام توجه عقلاني يؤسس لإصلاح حقيقي باعتماد أدوات منهجية و معرفية فعالة و ذات مردودية، بحيث تصاعدت النفقات و قَــلَّ العطاء، لكن نقد الواقع التعليمي لا يجب حتما أن يُؤسّسَ على “تمْجيد الماضي” و الثناء عليه، اعتبارا لاختلافات عديدة تُفرِّقُ بين الماضي و الحاضر، فالماضي لم يكن أبدا بتلك الصورة الجميلة التي ترتسم في مخيلتنا لأسباب تبدو نفسيةً أكثر منها علمية .
يشعر الكثير من أبناء جيل السبعينات و الثمانينات بحنين جارف إلى “عصر التلاوة” و “مينا جولي مينا” و يعتبرونها لحظات ذهبية في مسيرة التعليم، لكنهم يغفلون، بقصد أو تحت تأثير سحر النوستالجيا، الحديثَ عن حصص “التعذيب” التي كان يمارسها معلمو المدارس على التلاميذ في الأقسام، بل إن بعضهم لا يتوانى، في الإشادة بـ”نجاعتها” و “فعاليتها” لاسيما حين يتعلق الأمر بتحفيظ سورة الرحمن لتلاميذ المتوسط الثاني.
قد يبدو لمرتادي المدارس الابتدائية في مرحلة السبعينات و الثمانينات، وأنا أنتمي إليهم، أن عصرهم كان ذهبيا اعتبارا لتردي واقع التعليم في الزمن الراهن، لكنه في واقع الأمر كان مُزريا بالنظر إلى تأسيسه لمنظومة تعليمية مهترئة كانت غايتها الأولى مكافحة الأمية و لم تكن تسعى، من خلال مناهجها الدراسية المُعتمدة حينذاك، لبناء تعليم تحضر فيه المناهج العلمية و تؤطره ثقافة التحريض على استعمال العقل، و بدل ذلك، أسست هذه المنظومة لثقافة التلقين و التحفيظ، ما ساهم بشكل واضح في تعطّل المَلَكات الإبداعية، و في ثَنْيِ العقول الناشئة عن خوض مغامرة السؤال و التجريب.
هل تملك السلطات العامة القدرة على إبداع سياسة تعليمية عمومية بإمكانها النهوض بالواقع البئيس للتعليم، سياسة تواكب التطور المتسارع للعلوم و التقنية في زمن يبدو فيه العالم مُسرعاً نحو عوْلمة قاتلة، عولمة يستأسد فيها العالِم و يُقْــهرُ فيها الجاهل؟ أم أن الأمر يتطلب ببساطة إعادة استدعاء أحمد بوكماخ؟.