الإهـــــانـــــــة
جريدة طنجة – مصطفى البقالي الطاهري ( اللّغـة العـربية )
الخميس 27 أكتوبر 2016 – 10:31:14
بداية لا بد أن أشير إلى أن عنوان هذا المقال مقتبس من كتاب ألفه العالم الكبير الأستاذ الدكتور المهدي المنجرة يحمل عنوان : الإهانة في عهد الميغا امبريالية .
و حيث إن اسم هذا الرجل العظيم يذكر في العالم و ليس في بلدنا فقط ، فإننا لا بد أن نسجل أن هذه الشخصية الفذة هي صاحبة ” نظرية صراع الحضارات ” و قد اعترف بهذا صاحب كتاب ” صراع الحضارات ” صمويل هنتينجتون ” الذي صرح بأن المهدي المنجرة هو من له الأسبقية في طرح نظرية صراع الحضارات ..
إن المهدي هذا يعتبر أكبر المراجع العربية و الدولية في القضايا السياسية و العلاقات الدولية و الدراسات المستقبلية ، و قد اختير للتدريس في جامعات فرنسا و انجلترا و هولاندا و ايطاليا و اليابان ، و كان عضوا في أكاديمية المملكة المغربية و الأكاديمية الإفريقية ، و بسبب تفوقه نال عدة جوائز دولية من بينها وسام الشمس المشرقة التي منحها له امبراطور اليابان ، و كان يتقن عدة لغات و يؤلف بها منها ” العربية و الانجليزية و اليابانية و الفرنسية ..
و رغم ذلك لم يخرج عن خط الحركة الوطنية صاحبة المبادئ الأربعة منها التعريب و قد كان داتما يطالب بأن تكون اللغة الوطنية الجامعة لغة تدريس العلوم لأنها هي ركن من أركان التنمية ، و يجعل اليابان مثالا نموذجيا لذلك ، فاليابان اعتمدت في تقدمها على اللغة اليابانية و ليس على لغة الغير و كان يقول بأن الاستعمال المكثف للدارجة المغربية ليس بريئا بل مخططا له يسعى إلى القضاء على اللغة العربية ..
إن الذي يقول هذا عالم كبير يعتبر أبرز المفكرين الذين أنجبتهم الأمة الإسلامية في العصر الحديث ..
أمام هذا العملاق نجد أناسا ليسوا في مستواه ثقافيا و لغويا يحتقرون لغة أعظم إنسان و هو الرسول الأكرم ” ص ” و لغة المهدي بن بركة و عبد الله ابراهيم و علال الفاسي و عبد الرحيم بوعبيد و الشهيد عمر بن جلون و عبد الرحمن اليوسفي و كل الشرفاء ..
رغم هذه الأسماء الوازنة ، يطل علينا ( زعيم ) حزب جعل شرفاءه أيتاما لا حزب لهم ، و عمل على تدحرج هذا الحزب الوطني إلى أسفل الدرجات حتى أصبح يقارن بالأحزاب الهزيلة لا حول له و لا قوة ..
يقف هذا ( الزعيم ) مستهزئا بلغة أسياده و أساتذته، إذ يقول بأن اللغة العربية لا تُخَرج سوى الفقهاء أي فقهاء المقابر و ( الزرود ) مدافعا عن لغة الاستعمار و هي اللاتينية المزورة ” فرنسيتهم ” لأن بها يتخرج العلماء و العباقرة و المخترعون .. الخ. لذا علينا التمسك بها تمسك الأعمى بعصاه .
إن هذا المستهزئ بأقواله لا يشعر أنه يهين العلماء و على رأسهم المهدي المنجرة و يهين الزعماء و على رأسهم المهدي بنبركة و يهين كل الشرفاء، ناسيا أنه بهذه اللغة تخرج و بها يقتات و هو حينما يكون في الميدان لا يتكلم إلا بها .
و حسب علمنا أنه لا يتقن أية لغة أجنبية و هو مع ذلك يتعمد إهانتنا مفتخرا بلغة ليوطي التي لا يتعدى عمرها ثلاث قرون ، جزء منها مجلوب من الإغريقية و الجزء الآخر من اللاتينية و كثير من لغتنا العربية، و يكفي الاطلاع على البرنامج الذي كان يعرض في إذاعة ميدي 1 لنعرف الكم الهائل من لغتنا المضموم إلى لغة فريري جاكو .
إنه بفعلته تلك كان ضدا على اتجاه أسياده في حزب القوات الشعبية الذي تحطم بفعل تذبذب القائمين عليه حتى أصبح موضوع تهكم ..
لنذهب إلى أي بلد شئنا سنجد أن الشعوب كلها تحتفل بلغتها ، و لا أذكر إسرائيل الغاصبة فيكفي زيارة فنلندا ذات البرنامج التعليمي النموذجي ، هناك نجد أن اللغة الفنلندية هي المهيمنة و هي المستعملة في كل مجالات الحياة ، و نكتشف وقتذاك أننا نكون الاستثناء نتيجة وجود حزب سري فرنكفوني تابع خاضع مسلوب الإرادة لا يرى إلا بعين المعبود هبل باريس .. و قد وصل الأمر إلى وجود وزراء لا يعرفون لغتهم و هم يتحكمون في شيء يعتبر جوهر التقدم و هو التعليم .. و هم حينما يتكلمون عن إصلاحه لا يقصدون سوى فرنسته و هذا يضحك العالم المتحرر الواعي بمصالح شعبه ..
من هؤلاء الوزراء ، وزيرة تكلمت كلاما لا تقوله إنسانة واعية و وطنية و هو أنها لما تتكلم بالعربية تصاب بالحمى (السخانة) ، هذه الوزيرة لو كانت وزيرة في فرنسا و قالت إنها حينما تتكلم بالفرنسية تصاب بالحمى (السخانة ) لطالبوها بالاستقالة و لتعرضت لمحاكمة بتهمة إهانة الأمة الفرنسية و لكانت عبرة للحمقى و الجهلاء والمغرورين و لكن ما دام أن هذا البلد مصاب بالتسيب اللغوي حيث يفتخر الناس باحتقار لغة دينهم و وطنهم فإن الأمر سهل و مباح ، الشيء الذي كان السر في بقائنا توابع متخلفين علما أن هناك دولا استقلت قبلنا بقليل استطاعت
بالاعتماد على لغتها أن تتقدم و تصبح في المقدمة منها : كوريا الجنوبية صاحبة سامسونج و كيا و هونداي و .. و..و.. الخ.
إن الأمة التي تهمل لغتها أمة تحتقر نفسها و تفرض على نفسها التبعية الثقافية ، و إذا كانت اللغة مذلولة كانت الأمة مذلولة .. و هذا ما خططت له فرنسا إذ جعلت للغتنا خطوطا حمراء لا نتعداها ، فهي محكوم عليها أن لا تكون لغة علم ، فهي لا حق لها في كلية العلوم و الهندسة و الطب.. الخ. أما العبرية و الرومانية و التركية و الفلامانية و الهولندية .. الخ . لهم الحق في الوصول إلى هذه الكليات إلا لغة واحدة و هي لغة القرآن محكوم عليها بالسجن المؤبد في انتظار إعدامها .. أمة تتقبل هذا الوضع لا تستحق العيش بينما هي تمتلك لغة يفتخر بها كثير من علماء الغرب .
يقول الفرنسي ارنست رينان ” اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال و هذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر فليس لها طفولة و لا شيخوخة ” ..
و يقول الألماني فريتاج ” اللغة العربية أغنى لغات العالم ، نعم هي الأغنى فإذا كان عدد كلمات اللغة الفرنسية المتبجح بها لا يتعدى 150.000 كلمة ، فالعربية رصيدها المعجمي يتجاوز 120 مليون و 300 ألف كلمة و يمكن اشتقاق أكثر من 95 مليون فعل فيها يستخدم منها فقط ( 0.04 % ) .
تقول ” زيجريد هونكه ” صاحبة كتاب شمس العرب تسطع على الغرب :
كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة و منطقها السليم و سحرها الفريد .
و يقول ” وليام ورك ” :
إن للعربية لينا و مرونة يمكنانها من التكيف وفقا لمقتضيات العصر .
هذا غيض من فيض يتعلق بهذه اللغة العظيمة التي حتما ستخلد و لكن الذي سيموت حسب علم اللغة الكوني هي اللغة الفرنسية داخل سبعين سنة لأنها تحمل موتها في طياتها.
كل هذا يجب أن يكون في حسبان المحتقرين للغة الخلود التي لن تموت إلا بموت جميع المسلمين ..