وزارة الثقافة والمسؤولية -3-
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( وزارة الثقافة والمسؤولية )
الخميس 20 أكتوبر 2016 – 11:46:27
ثم عرجت على المعارض التي تنظم سنويا احتفاء بالكتاب، ولكن هذا الكتابي عُرض للتملي بالعين دون البيع، فما الفائدة من تنظيمها أصلا؟!.. ثم وضعنا اليد على إحدى مكامن الداء، حيث الدليل على عدم إيلاء الثقافة أية أهمية، ويتجلى ذلك في انعدام قاعات للمحاضرات واللقاءات الفكرية وقد رأينا كيف أن كل الشخصيات الفكرية الوافدة على مدينة طنجة نظمت لقاءاتها وعروضها بقاعات المعاهد الأجنبية.
هذا مجرد تذكير مختصر بما مضى، فمدينة طنجة كانت ذلك النبراس المشع ثقافة وعلما لم تكتف بالشعر والثقافةفحسب.. ولم تحتف بالشعراء والأدباء والمؤرخين فقط بل تجاوزتها إلى فضاء أرحب شمل الفن والفنانين من هنا وهناك… وحيث أن مصر أم الدنيا كانت حينها بداية من الأربعينيات فما فوق منارة العلم والفن ومقصد روادها، فكان طبيعيا أن تنفتح بلادنا وبالأخص مدينة طنجة آنذاك على هذا الفيض وتغترف منه ثم تطلب المزيد ومن هنا… من الأغاني والأفلام والعروض انتشرت اللهجة المصرية في ربوع المغرب كما في باقي البلاد العربية انتشار النار في الهشيم، فقد كان غزو الأغنية والسينما المصرية لبلاد العالم العربي لا يقاوم، بل ويقابل بكل الترحيب والإقبال وكثيرا ما تحول اللسان الدارجي المغربي إلى لسان ينطق باللهجة المصرية تباهيا أو تقليدا كما هو حال الفنانات المغربيات المهاجرات والمستقرات بمصر..
وفي الفن وفي عرض متواضع، نذكر أنه في بداية الخمسينات، زار مدينة طنجة عميد المسرح العربي يوسف وهبي صحبة أفراد فرقته -فرقة مسرح رمسيس- أذكر من بينهم أمينة رزق، حسين رياض، عمر الحريري، حيث عرضت الفرقة على مسرح سرفانطيس مسرحية «أولاد الشوارع » التي صفق لها الجميع بحماس وأثارت إعجاب الحضور الغفير من الأساتذة وأعيان المدينة.
وفي اليوم الموالي للعرض أقام قاضي المدينة العربي التمسماني على شرف الفرقة مأدبة غذاء بمنزله الكائن بحي بني يدر.
وفي سنة 1964 التحق الفنان القدير الذي يمثل مدرسة فنية في حد ذاتها، فهو الأب الروحي للأغنية المغربية «عبد القادر الراشدي » الذي أبدع الروائع الغنائية الخالدة، أنشأ الفنان الراشدي بمدينة طنجة جوقا جهويا حيث أظهر بوضوح إمكانيات وأحيا نهضة موسيقية غنائية.

كان الجوق يضم خيرة أبناء هذه المدينة، عازفين مهرة وأصوات لامعة، أذكر من بينهم المطرب والملحن مصطفى التسولي شفاه الله الذي لم يحظ لحد الآن بالرعاية والعناية والإنصاف، ولم يوف حقه في الشهرة والانتشار، فمن منا لا يتذكر أغنيته الذائعة الصيت «يا السامع صوتي » وغيرها، وكلها من ألحانه وأدائه.. وفي شهر غشت من سنة 1968 ، زارت فرقة المعمورة مدينة طنجة، وقدمت مسرحية «هاملت »، لوليام شكسبير، وتم العرض بحي القصبة في الهواء الطلق بباب البحر من طرف فنانين كبار من رواد المسرح المغربي، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، أذكر من بينهم محمد سعيد عفيفي في دور هاملت، وفاطمة الركراكي وأحمد العلوي ومحمد الحبشي، والفنان المبدع الراحل العربي اليعقوبي الذي ي عُتبر من الوجوه الفنية البارزة التي حظيت بها عروس الشمال طنجة العالية، وقد غطت شهرته الآفاق شرقا وغربا، حيث قام بتصميم الملابس لعدة فرق مسرحية وبالأخص فرقة المعمورة، وأفلام عالمية كالرسالة وعمر المختار ولورانس العرب، وأفللم مغربية كباديس، وللاحبي، والبحث عن زوج امرأتي، وشاطئ الأطفال الضائعين… والقائمة تطول… وفي السنة الموالية 1969 زارت نفس الفرقة… وفي نفس المكان – القصبة حيث قدمت مسرحية -عطيل- لشكسبير، وقد عرفت مدينة طنجة في هذه الفترة الذهبية طفرة فنية وثقافية لم تتكرر إلى يومنا هذا .
وقبل ذلك أي في سنة 1967 زارت المطربة صباح مدينة طنجة صحبة الممثل الكوميدي الشهير عبد السلام النابلسي، حيث أتحفت الجمهور بأروع إبداعاتها الغنائية، واختتمتها بأغنية -ما أنا إلا بشر- من كلمات أحمد الطيب العلج وألحان عبد الوهاب الدكالي، فأدهشت الجميع بأدائها وانسجامها وهي تؤدي أغنية باللهجة المغربية بمسرح سينما موريطانيا.
و بالعودة إلى مجـالنـــا الوطني والمحلي وإسوة بما ذكرناه عن الفنان مصطفى التسولي نجد وجها آخر فقدته الساحة الفنية، وكان رحمه الله من أمهر العازفين على آلة الكمان.. إنه المبدع محمد البوعناني الذي عمل سابقا في الجوق السمفوني بالرباط والذي كان يترأسه الفنان «عبد السلام خشان » الذي أغنى التراث الوطني بروائعه الفنية، وأبدع ما يزيد عن 1800 أغنية توزعت ما بين أغنية وطنية ودينية، وكان رحمه الله موزعا موسيقيا.
وللتذكير، فإن الفنان البوعناني من مواليد مدينة طنجة سنة 1920 ، هناك وجه آخر لا ننسى نبوغه وإبداعه وإتقانه للعزف على آلة الكمان، إنه المبدع «محمد البراق »، ومن منا لا يتذكر الفنانة المتألقة «شمس الضحى الهيشو » رحمها الله، بنت مرشان ذات الصوت الشجي الرخيم التي أتحفتنا بالروائع الخالدة ونذكر منها موشح «يا ليل طول أو لا تطول، لابد لي أن أسهر » وهو من ألحان عبد القادر الراشدي.
ولا يمكن استحضار هذا الجوق الذي أنشأه الراشدي بطنجة دون ذكر غيثارة الغناء التطواني الفنان عبد الواحد التطواني حيث مازالت أغنياته الخالدة يرددها صدى الأيام، نذكر منها «ظلمتني » و «ماشي عادتك » و «اللي فات ما يعود » و «طنجة يااللي يامك » كل هذه الإبداعات من ألحان عبد القادر الراشدي. وللتذكير، فجميع هذه الأغاني كانت تسجل باستوديو إذاعة طنجة.
هكذا جمعت طنجة المجد من أطرافه… مجد الثقافة من مشرق ومغرب ومجد الفن من كل جهة ولون… ذهبوا جلهم إلى حيث سنذهب جميعا، مخلفين ذكرى لا تمحى… وتاريخا يتداوله جيل عن جيل ورغم بعض النكران والجحود الذي يطبع سلوكنا فإن التاريخ لا يداهن ولا يتجاهل… مازال في جعبة طنجة ما يقال وما يكتب وما يذكر، ولعلنا بجهد من الله وقدرته نستطيع أن نضيف إلى ما كُتب أشياء لازالت لم تذكر.