وزارة الثقافة والمسؤولية -2-
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي (وزارة الثقافة .. )
الجمعة 14 أكتوبر 2016 – 11:43:11
وفي مدينة طنجة بــالخصوص، وقد شهدت منذ بداية الاستقال ازدهارا ثقـافيـًا تجلى في زيارة كبار الأدباء والعلماء والمفكرين والشعراء، حيث ألقوا محاضرات وشارَكــوا في ندواتٍ أرفقت بقــراءات شعرية .
وفي هذا الإطار، كانت زيارة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين قادما على ظهر الباخرة -عن طريق جبل طارق- حيث استقبله عدد كبير من الأساتذة، أذكر من بينهم أبو بكر اللمتوني، أحمد بوكماخ، محمد عبد الواحد بناني، أحمد مصطفى الحرشني يتقدم الجميع عامل المدينة الدكتور عبد اللطيف بن جلون… كان ذلك سنة 1957 .
في الوسط وبجانبه الأستاذ عبد اللطيف بوحساين رحم الله الجميع.
ومن طنجة التي كانت المنطلق، رحل الدكتور طه حسين إلى الرباط ثم تطوان وفاس والدار البيضاء، وألقى محاضرات بها باستثناء طنجة التي لم يلق بها محاضرة، وقلده خلالها الملك الراحل محمد الخامس بوسام الكفاءة الفكرية، وكشف المتحدثون في هذه الأمسية تأثير زيارة طه حسين للمغرب آنذاك على الحركة الفكرية والثقافية المغربية، حيث كان عميد الأدب العربي بمثابة الاب الروحي لكل الأدباء المغاربة منذ مطلع الثلاثينات وكانوا يتسابقون لقراءة كل ما كتبه منذ ذلك العصر. وفي سنة 1964 زار الشاعر السوري نزار قباني مدينة طنجة، وألقى قراءات شعرية بقصر مرشان بحضور عدد كبير من الأساتذة والمواطنين -الصورة- وفي نهاية الستينات، ألقت الدكتورة عائشة عبد الرحمن محاضرة بقاعة المعهد الإسباني.
وفي بداية السبعينات، ألقى الدكتور والمفكر والديبلوماسي المهدي بن عبود محاضرة بمسرح سرفانطيس المأسوف عليه .
وفي أوائل السبعينات أيضا ألقى الدكتور والمؤرخ والسفير عبد الهادي التازي محاضرة قيمة عن الرحالة الطنجي ابن بطوطة وذلك بمقر جمعية البحر الأبيض المتوسط مقر مكتبة عبد الله كنون حاليا.
وفي الفترة نفسها، شهدت سينما موريطانيا قراءات شعرية للشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي.
وفي التسعينيات، ألقت الدكتورة أمينة اللوه – أول امرأة مغربية أحرزت على الدكتورة بمدريد – محاضرة بالمعهد الإسباني. وقبل أن يتغمده الله برحمته الواسعة، ألقى الدكتور والعالم الجليل الشيخ عبد الله بن الصديق محاضرة قيمة، وذلك بالمعهد الإسباني.
وفي الثمانينات، ألقى المفكر والسياسي الكبير عبد الباري عطوان محاضرة بسينما موريطانيا، كما ألقى المفكر وعالم المستقبليات الدكتور المهدي المنجرة في نفس الفترة محاضرة بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة.
و يعد الراحل المهدي المنجرة الذي أسلم الروح إلى باريها في 13 يونيو 2014 أحد أبرز المفكرين الذين أنجبتهم الأمة الإسلامية في العصر الحديث نظرا لدفاعه المستميت عن القيم الإنسانية ومساندته المقهورين في كل أنحاء العالم، وتبنيه القضايا الفكرية والسياسية المناهضة للعنف والإقصاء والتجبر وتسخير البشر من أجل المصلحة الشخصية، وكانت لبعض من مواقفه آثار سلبية كثيرة على حياته حيث تعرض للتهميش إلا أنه لم يتراجع وظل صوتا متفردا يغرد خارج سرب الهتافات والتطبيل المجاني.
هكذا كانت طنجة تستقطب كبار الأدباء والكتاب والمفكرين على مدار السنة، وبإمكانيات متواضعة لا ترقى إلى ضخامة الاعتمادات المرصودة الآن لأنشطة شاحبة لا تصل إلى المستوى المطلوب.
المعارض
نأتي بعد هذا الجرد… وبعد هذه الفترة الزاهية في حياة طنجة التي بصم بها الرواد الأوائل من المفكرين والأعلام تاريخ طنجة الغني كما كان قبل أن يصبح هذا التاريخ مجرد مرويات وحسرات، وتتحول طنجة بفعل عوامل التعرية إلى واجهة للسياحة الجنسية وإلى مقصد للقبائل الهمجية الزاحفة من كل مكان.
وحين نتحدث عن المعارض، وأهمها المعرض الدولي للكتاب، الذي تشرف عليه وزارة الثقافة، والذي يقام سنويا بالدار البيضاء في شهر نوفمبر من كل سنة كباقي الدول العربية (مصر، لبنان، السعودية)، يلاحظ أن توقيت تنظيم المعرض غير مناسب، فشهر نوفمبر يصادف موسم الخريف، حيث الطقس بارد وممطر في أغلب الأيام، فلماذا لا ي قُام هذا المعرض السنوي في شهر ماي أو يونيو أو يوليوز أيام العطل المدرسية ليتمكن التلميذ والطالب والعالم والموظف من زيارة هذا المعرض الثقافي؟!..
هناك إشكالية أخرى، فالدخول إلى قاعة عرض الكتب يتم بالمقابل المادي، والأمر يشمل التلاميذ والطلبة الذين عليهم أن يؤدوا 5 دراهم، بينما يؤدي عموم المواطنين 10 دراهم، وهو أمر مخجل وغير معقول ولا يشجع أبدا على القراءة.
وتضاف إلى هذه الإشكالية مهزلة أخرى، حيث أن 90 ٪ من الكتب المعروضة مغربية، ولكنها ليست للبيع، وبخلاف كل المعارض، فالكتب للعرض لا للبيع، وفي باقي الدول كمصر ولبنان وسوريا – قبل النكبة – (غير ش رْي وخذُْ لعلك ترضى)..
ملاحظة أخرى، لماذا يقتصر تنظيم هذا المعرض -المعرض الدولي للكتاب- في مدينة الدار البيضاء، لماذا لا يشمل التنظيم مدنا مغربية أخرى كالرباط وفاس وطنجة ومراكش؟ لماذا الاقتصار فقط على الدار البيضاء .. ؟!
في مندوبية وزارة الثقافة بطنجة، نجد نفس المشكل، فالكتب المغربية للعرض لا البيع.
ونشير في هذه العجالة إلى أن جميع الكتبيين بدون استثناء يشتكون من المقابل المادي الباهظ الذي تلزمهم مندوبية وزارة الثقافة بأدائه مسبقا لأجل عرض كتبهم في بناية دار الثقافة أو بقصر مولاي عبد الحفيظ ومنذ سنتين، نظمت مندوبية وزارة الثقافة معرضا محليا للكتب بفضاء ساحة -عين قطيوط- قبالة مدرسة أم البنين، ولكنه كان فضاءا فاشلا غير صالح لعرض الكتب، فلا حراسة ولا مراحيض وقد تعرضت كتب وكتبيين للنهب والشغب.
مشكل آخر لعله لا يقل عن باقي المشاكل المعقدة التي تعاني منها طنجة في مجال الثقافة، ونحن هنا نشكر وننوه بهذا التعاون، وهذه المبادرات الإنسانية والحضارية والثقافية التي تقوم بها المعاهد التابعة للبعثات الأجنبية كالمعهد الإسباني، وقاعة بيكيت خلف مدرسة الليسي التي ألقى بها الأستاذ الأديب عبد الكريم غلاب، أطال الله بقاءه، محاضرة في بداية السبعينيات، هذا في الوقت الذي تفتقر فيه مدينة طنجة إلى قاعات للمحاضرات واللقاءات الفكرية والثقافية، فلولا هذه المعاهد الأجنبية لعجزت المدينة عن استيعاب أي نشاط ثقافي أو علمي… ولا أدري كيف لا يخجل مسؤولو المدينة الذين توارثوا مشاكلها ولا وزارة الثقافة ولا الجمعيات الموازية، ولا المؤسسات والجهات المهتمة بالشأن الثقافي والشأن العام، من هذا الوضع الذي يجعل من المدينة واجهة سياحية وانحلالية بامتياز، وقد كانت منذ فجر الاستقلال، كما أوردت سابقا، مقصدا للمفكرين من كل جهة، ومنارة للإشعاع الثقافي في الوطن ككل، ناهيك عما شهدته من فرق مسرحية يطول المجال لسردها ورصدها ولذلك مجال آخر بحول الله.
يبقى أن نشير ونحن على أبواب مرحلة جديدة في تاريخنا السياسي إلى أن إشكالية وزارة الثقافة بما لها وما عليها يجب أن تعالج بشكل جدي وجذري لإخراجها من الصورة النمطية التي ح شُرت فيها. يجب أن تخرج عن نطاقها الضيق الحالي لأفق أرحب، مع إيلاء أهل الفن والثقافة ما يستحقونه من رعاية وعناية واهتمام، فهم دعامات الثقافة الوطنية المتشبعة بالقيم والأخلاق والمثل العليا..
يتبع