وزارة الثقافة والمسؤولية ..
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي (وزارة الثقافة .. )
الثلاثاء 04 أكتوبر 2016 – 15:48:52
تَلاشَت هذهِ المَوجــة وطــوَت فنانيها ومبدعيها في ثنايا النسيان وخلفهم خلف أضاعوا التراث وانغمسوا في خلق مسخ لا علاقة له بالفن، إنما هو مزيج من كلمات ساقطة ولحن لا ذوق فيه وإشارات واهتزازات جسدية رخيصة وأسماء لا رصيد لها ولا تكوين وعمق ثقافي من مثل ما يستضيفه البرنامج السخيف «تغريدة ».. ومن المؤسف أن يصل الحال ببعض فنانينا إلى ما وصلوا إليه من فقر وحاجة ومرض ثم يلجؤون إلى جمع الفتات من أصدقاء وزملاء إذا ما و جُدوا أو تذكروا زميلهم الفقير أو المريض الذي كان إلى أمد قريب ملأ العين والأذن.
لا نذكر الحال التي وصل إليها الراحل العربي اليعقوبي قبل أن يتداركه عطف جلالة الملك، ولا وضعية الممثل القدير عبد الجبار الوزير الذي بترت إحدى رجليه ولم يجد مؤازرا ولا معيدا إلا صديقه عبد الله فركوس.. ومحليا إليكم حالة الفنان مصطفى التسولي والبراق وغيرهما، أما الإطار النقابي للحركة الفنية فلا وجود له رغم الهيكلة المكتبية… أما ما عدا هذا فلا ثقافة ولا فن ولا من يحزنون، وهو أمر مثير للأسى والأسف، وحتى بعض المؤلفات النادرة التي تبدو هنا وهناك فإن أصحابها ومؤلفيها يتكبدون مصاريف طبعها وتوزيعها دون أن يكون للوزارة الوصية أي دخل في الموضوع، فماذا يبقى للوزارة أمام هذا الغياب الكلي عن المجال الثقافي والفني؟.. طبعا ليس لها بعد إلا أسوارا باهتة وأطلالا أصبحت مجمعا للنفايات والروائح النثنة، لهذا كله انهار الوضع الثقافي إلا من جمعيات تغالب الواقع الفارغ المرير بشذرات يتيمة وموسمية.. وفن ساقط بعد غياب الرواد باستثناء بعضهم وبعضهن ممن لازالوا ولازلن يقاومون ويقاومن موجة الرداءة والسقوط التي نبتت كالفطر محتلة الفضاء الواسع الخالي بتشجيع ماجن من شباب لا يعرف للكلمة الصادقة المعبرة ولا للحن الجميل معنى ومدلولا، إنها الطفرة الجديدة في عالمنا الملوث المعرض لرياح الشرق والغرب.
أمام هذا الواقع.. وأمام هذا النضوب والعقم، لاحاجة لنا بوزارة للثقافة مادام أنه ليست هناك ثقافة بالمرة.. ويمكن لهذه «الوزارة » أن تلحق بوزارة الاتصال كمصلحة، قد نكون مخطئين، فعلى من يهمه الأمر أن يفيدنا بما قامت به وزارة الثقافة، وبما أضافت لبركتنا الراكدة.. لا نريد جردا للاتفاقيات الدولية المبرمة مع دول ومنظمات وجمعيات، فهذا لا ينعكس فورا وإيجابا على الوضع الثقافي والفني ككل، ولا نريد بيانات حول مهرجانات خارجية شاركت فيها فرق مغربية، فالأمر يظل موسميا، ولا إحالة على مهرجان موازين السنوي الذي تنظمه جمعية والذي يشكل فرصة ذهبية لاغتراف الملايين من طرف أجانب يتقنون فن التهييج والإثارة… كل هذا الكم من العبث ترفضه الروح المتجذرة في عمق هذا الوطن.. وتأباه الإرادة الصادقة والشريفة المنبعثة من عبق هذا التراب المضمخ بأريج الماضي التليد.. والتراث الغني بالعطاء والمجد.. تراث تغنى بكل ما هو عزيز وجميل وخلد في تراث تغنى بالأرض والإنسان والشرف والمرأة/الأم التي وهبت للأجيال روح الحياة -بعد الخالق عز وجل- فبماذا يتغنى أقزام اليوم وهم يعتمدون على هز أطرافهم كالكراكيز؟ لعلها تنوب عن أصواتهم المبحوحة.. أكيد أن الرداءة أصبحت تطبع كل مظاهر حياتنا الفنية، هذا إذا اعتبرنا ما هو موجود فعلا فنا، أما الثقافة فذهبت مع المفكرين والرواد الذين طبعوا تاريخنا بكل ما هو أصيل ونافع وجدي وجميل… لا ننسى أن هناك معارض مخطوطات تنظم بين الفينة والأخرى، ومعارض لأبواب أسوار تاريخية، إلا أن السؤال المطروح هو هل دور وزاروة الثقافة يقتصر على هذا المجال؟ أذكر أنه في إحدى معارض الكتاب الذي نظمته الوزارة، فرضت رسما للدخول على التلاميذ قدره 5 دراهم، وفي المعرض عرضت كتب ليست للبيع، وهما إجراءان لا مبرر لهما إطلاقا.
في نظر الكثيرين أن وزارة الثقافة واجهة شكلية وأنها غير ذات أهمية، وهو تصور خاطئ لا يسود إلا في المجتمعات المتخلفة، فالثقافة بمفهومي يمكن أن تنهض بكيان كامل، ويمكنها أن تغير الكثير من المفاهيم السائدة لو اعتمدت برامج رائدة احترافية لا مجال للعبث أو الارتجال فيها، ولا يمكن النهوض بالثقافة إلا عن طريق الاهتمام برجالات الثقافة إبداع يضيف قيمة عالية للوسط الثقافي الجامد أصلا. فهل تقوم وزارة الثقافة المقبلة بتحمل مسؤولياتها إزاء المثقفين والثقافة في بلادنا؟!..؟