فؤاد العماري “خطـاب التحكم والعقدة البامية”
جريدة طنجة – فؤاد العماري ( .التحكم. )
الثلاثاء 04 أكتوبر 2016 – 14:12:32
لا نريد أن نستعرض الآن تصريحات مسؤولي هذا الحزب، وهم يلوكون ويجترُّون هذا المصطلح، “التحكم”، الذي صار عنوانا لفشل تدبيرهم، ولا أن نشير إلى مساعيهم الدائمة لتغذية التشكيك بمؤسسات الدولة، والإيحاء بوجود دولة عميقة، غير تلك التي تصرف لهم رواتبهم وإتاواتهم، لأن الواقع المعيشي المرير الذي قادوا إليه المواطنين يكشف ذلك بوضوح، كما أن أداء الحكومة التي يقودها هذا الحزب كان دون المستوى، ولم يكن يوما مهيأ لتدبير شؤون دولة، لهذا كان ضروريا أن يلجأ حزب تجار الدين إلى الاستعانة بكل المتوافر في بيئتهم الثقافية، التي تستند على خطاب المسكنة و المظلومية، و تسويغها سياسيا وإعلاميا، حـدَّ النفاق، ومنها مصطلح “التحكم” الذي اتكأ عليه مؤخرا، النائب الأول لعمدة طنجة، نائب الكاتب الاقليمي للبيجيدي، في تدوينة على صفحته الشخصية بوسيط الاتصال “الفايسبوك”، ونقلها هذا الموقع، بعد أن صار هذا المصطلح ملهاة تتقاذفها ألسنة تجار الدين، الذين وجدوا أنفسهم بين منظومتين وواجهتين للفشل والإخفاق، سواء تعلق الأمر بتدبير الشأن العام الوطني أو بالشأن العام المحلي، الذي يتحمل مسؤوليته في طنجة صاحب التدوينة نفسه، دون عمل منه جدير بالذكر على مستوى إدارة مصالح الناس، والتي تعني أيضا سيطرة على المواقف، وحسن تدبيرٍ للشأن المحلي وانخراطا مسؤول، وبرامج تنموية واقعية وفعلية، يمكن تلمسها أو الشعور بها، لكن شيئا من هذا لم يحدث في طنجة.
ولعل المثال المهيأ أكثر من غيره لتوضيح “العقدة البامية” التي لازمت حزب رئيس الحكومة، هو هذا الترابط الميكانيزمي بين الفشل ونصب شماعة التحكم، عبر هذا الحزب وأدائه، الذي أصبح أداء وميزانا في نفس الوقت للإخفاق، يُؤَشَّرُ به محليا ووطنيا، كما أنه لم يكن متوقعا من البيجيدي استيعاب عجزه أو الاعتراف به، ونحن على مشارف السابع من أكتوبر، حيث بدا كمن يستيقظ فجأة ليكتشف أن أحلامه ومغامراته، التي لا تخرج عن سياق “فـن نصائح الملوك” ولم تنتج تغييرا للواقع ولم تكرس تنمية تذكر، ولم تعد تنفع معه ذخائره الوعظية في شيء، لقد تَكَشَّفَتِ الحقائق، وكثرت نكسات البيجيدي داخله وفي محيطه، وستفضي لا محالة إلى تفككه وربما إلى تلاشيه، لأنه حزب فاقد لوعي مطابق للواقع الذي يعيشه المواطن، لهذا يلجأ في خطابه إلى الاستعانة بعبارات ضبابية وغامضة ليشرع مجالات للتأويلات، بقدر استعانته بالقاموس الديني، دون حرج ولا احترام لحرمة المقدس، وهو ما يستشف من تدوينة قيادي البيجيدي عندما كتب: “أن عجل التحكم لم يعد له خوار، وحتى السامري حائر يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسك البام على وهن أم يدسه في التراب”.
هذا الكلام يجعلنــا أمام طاقـم حـزبـي من تجـار الدّيـــن، أصبح يشكل كيـانــًا لا تتعدى موهبتهم وإمكاناتهم حدود ما اكتسبوه من الدين من أجلِ سعيهم للسلطة، ولا يهم إن تطاولوا، بالاقتباس من أجل ذلك، على حرمة المصحف الكريم وسوره وآياته، فكل شيء يهون من أجلها، “السلطة“، كما لو أننا في حروب دينية وفي أظلم العصور، ووصولا إلى هذا النموذج الكئيب الذي تمثله تجربة حزب البيجيدي في الحكم.
من يهدد إذن تجربة الاختيار الديمقراطي التي أشار إليها هذا القيادي، في مقتل. أليس هو هذا الحزب، البيجيدي، الذي استقر اعتقاده على أن يكون هو البدء والمنتهى في مشهدنا السياسي الوطني. أليس هو هذا الحزب الذي يحاول عبثا أن يُعبِّئ ساحتنا السياسية “بأشباح” مناهضة ومعارضة لا تتراءى إلا له، من تحكم وتماسيح وعفاريت، كسبيل فريد لتحطيم ثقة المواطنين في بلدهم ومؤسساته، ولشحذ مخالب خطاب المظلومية، الذي هو التعبير المستمر على درب التمكين.
لقد قال يوما وزير الداخلية الراحل ادريس البصري، وهو يمنح شهادة ميلاد البيجيدي: إن الدولة لا تريد أن تتعامل مع الأشباح.
ويبدو أن “الأشباح” استوطنت فعلا مرجعية هذا الحزب حتى وهو في سدة الحكم يطلقها لتتقمص خطابه الاعلامي والسياسي متى شاء، كما يُسَلِّطُها على خصومه ومعارضيه والمواطنين، فالطبع يغلب التطبع في النهاية..