عبد السلام المريني .. عندما يواجه العطاء بالجفاء .. و عندما يتنكر الزمن للمرء و يقذف به إلى مصير مجهول
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (عبد السلام المريني )
الثلاثاء 18 أكتوبر 2016 – 15:46:23
أبنائي الرائعون يتحملون مصاريف التحاليل و الأدوية و مشقة التنقل بي بين مستشفيات و مصحات طنجة و الرباط بدون دعم من أحد بعدما تنكرت لي عائلتي ..!
أشكر كل الأصدقاء الدين غمروني بمواساتهم الصادقة من خلال اتصالاتهم الهاتفية و الرسائل الخاصة أو عبر صفحتي ..
و سأظل مدينا لكل من زارني شخصيا للاطمئنان على حالتي الصحية المتدهورة التي أجتازها بدعم من أسرتي المتفانية و بفضل الله ..
دعواتكم أيها الأعزاء””
تغريدة الفنان الكاريكاتوري عبد السلام المريني على صفحته بالفيسبوك ، إنما هي خنجر في ضلوع ساكنة طنجة بأكملها ، الطنجيون الذين اعتادوا اللقاء بالأستاذ عبد السلام المريني في مختلف دروب المدينة ، في أنشطتها الثقافية و الفنية و الإجتماعية ، الإنسان الذي وهب حياته للعطاء فالعطاء ثم العطاء ، طريح الفراش الآن، ببيته الضيق مساحة و الواسع حبا و أملا ،
يواجه مصيره لوحده دون أي مساند ، دون أي دعم، فلا تأمين و لا معاش و لا أدنى حق في كرامة العيش شأنه شأن معظم الفنانين و الإعلاميين المغاربة، حيف كبير و مستقبل مجهول ينتظرهم.
“ففي مجتمعاتنا لا تستطيع أن تتخذ من وسيلة لإبداء الرأي مهنة لك”
“حين يمشي الإنسان على الأرض فهو أمر عادي، تبدأ الدهشة حينما يمشي على الحائط”. الكاريكاتير يعتمد على إثارة الدهشة، بكسر المألوف وبخلق تصور مختلف للأشياء، يمكن أن نقول أيضاً إن الكاريكاتير هو إعادة قراءة للواقع في شكل ساخر، وعلى رسام الكاريكاتير أن تكون لديه عين مغايرة لرؤية هذا الواقع.
بداية مشوار ضيفنا ، بدأت بأقل و أضعف و أبسط الوسائل ، لكن موهبته جعلته ينجز أعمالا لاقت إعجابا مذهلا لدى المتلقي، ببساطة متناهية، فسلوكه يقترن مع الأفكار التي يطرحها والتي تمثل بأمانة هموم الجماهير وآمالها من خلال ريشته، واستطاع أن يمضي بعيدا بمشاركاته، حيث شارك بأعماله في معرض دولي أقيم ببرلين، وشارك في عدة مباريات دولية حصد خلالها عدة جوائز.

في سنة 1988 فاز الأستاذ عبد السلام المريني، بالجائزة الدولية في الرسم الكاريكاتوري نظمتها جريدة الشرق الأوسط، وسنة 1991 حصل على أفضل جائزة عن الأعمال الكاريكاتورية التي كان ينشرها بجريدة المسلمون الخليجية، ونشر أعماله في العديد من الصحف والمجلات، وتعامل مع العديد من الجرائد (ما يزيد عن 13 جريدة)، وكذا ترأس تحرير ثلاثة جرائد، بالإضافة إلى إصدار ثلاثة جرائد جهوية تهتم بالكاريكاتير (الوشاية الساخرة-كاريكلام- الشمال الضاحك).
في 1995 نظم الأستاذ عبد السلام المريني، معرضا بميناء طنجة خصصت لوحاته لموضوع موحد يهتم بقضايا القطاع البحري تحت شعار(الريشة والصنارة)، وقد لقي إقبالا جماهيريا كبيرا وحظي بتغطية إعلامية واسعة، سنة 2001 عرض أعماله تحت إشراف مندوبية وزارة الثقافة برواق السيدة الحرة بشفشاون، وهناك التقى بنخبة من المبدعين والفنانين من بينهم الفنان محمد الخزوم والفنانة نزيهة البشير العلمي حيث اقترحا تنظيم مهرجان وطني للكاريكاتير للمّ شمل الزملاء، وقد وضع المريني لبنته الأولى، فكانت الإنطلاقة التي كللت بالنجاح و أخدت مسارا بعيدا بفضل إصرار الثنائي نزهة والخزوم.
كما سبق له أن شارك في المعرض الوطني الدي نظمته منظمة العفو الدولية بمسرح محمد الخامس بالرباط في أبريل 2003، وقد تم تكريمه من طرف النقابة الوطنية للصحافة وجريدة طنجة في يونيو 2010 خلال الملتقى الوطني الثاني للكاريكاتير.
بدياية لو أردنا الولوج إلى الجانب الخاص في طفولة الفنان “عبد السلام المريني ” وأثرها على رسوماته؟
منذ طفولتي و أنا أغوص في قلب كتلة من الأحاسيس المرهفة. . و بالمصادفة وجدتني أحاول أن أسخر من بعض أفراد عائلتي و زملائي في المدرسة، فرسمت وجوههم بخطوط مبالغة. ولأنني وجدت الإعجاب لديهم و حظيت رسوماتي بالاهتمام بدأت أرسم و بالغت في ذلك، رغم أن انطلاقتي في البداية كانت تشكيلية، وذلك بعد دراسة للمبادئ الأولية للرسم٠٠
و لذلك كانت هنالك عوامل نفسية عديدة وراء محاولتي للتعبير الساخر، ثم إن الوطن العربي برمته و مجتمعنا بحد ذاته يجسد لوحة كاريكاتورية لما فيه من تناقضات شتى بدءا من السلوك الفردي، و على المستوى العائلي إلى تلك التناقضات الإجتماعية أو الإقتصادية، و تلك التي تتضمنها الشعارات السياسية ، و الأمثلة كثيرة و معروفة .
الجائزة الدولية في الرسم الكاريكاتوري التي حصلت عليها في 1988 و التي نظمتها جريدة الشرق الأوسط،حدثنا عن هذه التجربة …
وقتها كنت شغوفا بتتبع الأحداث الساخنة من خلال الصحف والمجلات العربية التي أستطيع الوصول إليها، و أكثر المطبوعات التي أثارت اهتمامي تلك التي كانت تطبع في لندن و توزع دوليا ، و من بينها جريدة “الشرق الأوسط ” التي تميزت بمقالات كتابها الكبار و رسامها العبقري محمود كحيل و زميله جورج كريان الذين تأثرت بأسلوبهما الذكي ٠٠ و كنت حينها حريصا على اقتناء كل عدد قبل نفاذ النسخ التي كانت تصلنا من لندن بعد يوم من طبعها، و ذلك قبل أن يتمكنوا من طبعها بالدارالبيضاء عبر الأقمار الصناعية و يتم توزيعها بانتظام ٠٠
استطاعت “الشرق الأوسط ” أن تنافس الجرائد الوطنية بجرأة، حيث استخدمت مراسليها لاقتناص الأحداث الوطنية و فتحت المجال للكتاب و المبدعين فوق صفحاتها، مما حفزني على مراسلتها، ليفاجئني رئيس تحريرها “عثمان العمير” برسالة ترحيبية و بنشر رسوماتي الكاريكاتورية التي كنت أبعثها باسمه عن طريق البريد المضمون ٠٠ تلك كانت بداية لمسيرة موفقة٠٠
إلى أي مدى تؤثر المأساة والمعاناة الذاتية في الأعمال الإبداعية التي ينتجها رسام الكاريكاتير؟
ـ المأساة تحرك الوجدان العام، والفنان بشكل خاص أكثر الناس امتلاكاً للشعور والذاكرة العامة، ولابد للمبدع أن يساهم في التعبير وإبداء إمكاناته الإبداعية في أوقات المحن وهذا هو دوره الوظيفي في المجتمع، وإن لم يكن كذلك فالأولى ألا يسمى فناناً أو مبدعاً، لأن الكاريكاتير هو فن التبسيط، ومن حق الفنان أن يغير الخطوط الطبيعية من أجل أن يعبر عن رأيه، حتى إذا كان هذا سيجعله يخرج عن حدود الواقع، لآن هذا الخروج هو محور فن الكاريكاتير.
وأنا من خلال اختصاصي كرسام كاريكاتير أوظف كل طاقتي وإمكانياتي للخلق والإنتاج والتميز على إبراز خصائص أعمالي بمزيج من صور الحياة التي تدور من حولي، ومن وجدان وأوجاع الناس أستوحي رسوماتي وأجعلها نماذج ولوحات تعبر عن الحياة الإنسانية العامة.
ماذا عن المحاور التي تستأثر باهتمامك في رسوماتك وأيقونتك الأدبية التي تعدها دائماً بأعمالك؟
ـ محوري الأساسي هي الحياة اليومية ومنغصاتها التي نعيشها باستمرار إلى جانب سلبياتها الإجتماعية الحاصلة فيها، لهذا فأنا أحتاج دائماً للقدرة على السخرية من تلكم الأوضاع السلبية لأبيّن أمام المجتمع مدى الواقع المؤلم الذي يعيشه الجميع.
وكثيرة هي أعمالي التي لها علاقة بمكنوناتي وشخوصي الذاتية، وهي مستمدة من تجارب الطفولة والحياة والتعليم والبيئة والثقافة التي عشتها.
في ظل وجود الإنترنت وهيمنة زمن الصورة البصرية، ألا يؤثر هذا على مستقبل فن الكاريكاتير التقليدي؟
سيؤثر تأثيراً ايجابياً، مع قليل من التحفظ ، لأن فن الكاريكاتير فن ملئ بالتشويق ومن السهل تناوله على مواقع ومنتديات الإنترنت التي تسهل عملية انتشاره، ومع تواجد العديد من برامج الحاسوب والتأثيرات البصرية، تمكن الرسامين من إضفاء لمسة جمالية على لوحاتهم الكاريكاتورية وبطريقة تجذب المتلقي لها، لكن تبقى الريشة سيدة الموقف ، و لا استغناء عن التعبير بالشكل التقليدي الذي اعتدناه منذ الطفولة ، فلسحر الريشة وقع خاص على المبدع .
كيف هي العلاقة بين الفنان الأب عبد السلام المريني و عائلته الصغيرة ؟
بداية أنا من قام بتوليد ثلاثة من أبنائي ، لأن وقت الطلق ، تزامن و تواجدي رفقة زوجتي و بعض من أفراد العائلة ، بمنطقة بعيدة عن الخدمات الصحية وسط ظروف نوعا ما قاسية ، جعلتني في كل مرة أقوم بعملية توليد زوجتي ، إحساس يفوق كل التعابير، سبعة أبناء هم فرحة عمري و سر إصراري و أملي في غد أفضل ، محمد شكيب ، عبد اللطيف ، نازك ، هند ، رباب، ميسون و نزار ، هم قرة عيني و عندما أفتح أعيني كل صباح و أرى البسمة في وجوههم ، أتطلع إلى البارئ الشافي ، أن يمتعني بالصحة لأتم مسيرتي التربوية ، فهم رصيدي بهذه الحياة ، وعلاقتي معهم علاقة حب و احترام و عطاء و حنان.
ختاما ما هي رسالة عبد السلام المريني للمسؤولين اليوم ؟
أصبحت أرى الفن الكاريكاتوري المتحضر يحتضر اليوم بسبب غياب الاهتمام والرعاية لممتهنيه من الرسامين المحترفين والهاوين، ولعدم وجود سياسة أو رؤية واضحة من قبل الجهات المسؤولة تسهم في تمكين الرسامين من أدواتهم وتساعدهم على إبراز عطاءاتهم للنور وعبر طريق المنافسة، لهذا أصبح هذا الفن العميق بمدلولاته يعاني الكثير من الصعوبات كغيرة من الفنون المدفونة في بلدنا.
و بالنسبة لي كفنان كاريكاتوري مغربي ، يصارع المرض و قلة الحيلة ، لا يتسنى لي إلا أن أنتظر تكسير هذا التنكر لتاريخ أعطيت فيه من دمي و أعصابي و عصارة أفكاري ، لأجد نفسي اليوم دون أي عائد و لا أدنى اعتبار من اي جهة كانت ، أنا لا أرجو صدقة من أحد ، أنا أريد فقط أن أعيش بكرامة ……
عبد السلام المريني و بالرغم من مساهمته في الإشعاع الثقافي و الفكري لهذا الوطن، ينتظر منا جميعنا خطوة إيجابية، فهل من إلتفاتة؟ … ..