الاستثناء الملكي
جريدة طنجة – محمد العمراني ( الملكية صمام أمـان )
الثلاثاء 18 أكتوبر 2016 – 13:59:36
تجسد ذلك من خلال رسالتين على الأقل:
الأولى : الملك محمد السادس كان صارما في ضمان نزاهة اقتراع 07 أكتوبر، وهو ما سبق أن أعلنه في خطاب العرش الأخير، وجدد التأكيد عليه من خلال تعليماته الحازمة والواضحة لوزير الداخلية خلال التحضير للعملية الانتخابية..
الثانية : احترامه للإرادة الشعبية التي أفرزتها صناديق الاقتراع، بتعيينه لعبد الإله بنكيران، زعيم الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات، رئيسا للحكومة، يومان فقط بعد الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية..
الملك أظهر للجميع تقيده الكامل بأحكام الدستور، و باختصاصاته المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية. فهو الحكم بين المؤسسات، وأنه ملك للجميع، الذين يصوتون منهم واللذين لا يصوتون، وهو فوق الصراعات والتجاذبات التي يعرفها الحقل السياسي الوطني، وله نفس المسافة بين جميع الهيئات الحزبية…
تابعنا جميعا اللغة التشكيكية لحزب العدالة والتنمية في نزاهة العملية الانتخابية، والاتهامات المباشرة لوزارة الداخلية بسعيها للتلاعب في نتائج الاقتراع، بل وصل الأمر حد توجيه اتهامات مبطنة للدولة بكونها تسعى للانقلاب على المسار الديمقراطي..
وكان من شَأنِ هاته الاتهامات أن تكون لها تداعيات وارتدادات، لكن بقدر ما أبان حزب العدالة والتنمية عن انتصاره لمصالحه الانتخابوية الضيقة، حتى لو تطلب الأمر الإساءة للمصالح العليا للوطن، ووضع مؤسسات الدولة موضع تشكيك لدى الرأي العام الوطني والدولي، مع ما يترتب عن ذلك من إضعاف لموقع المغرب. بقدر ما أبانت الملك محمد السادس عن إيمانه الراسخ بدولة المؤسسات، وباحترام الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع…
ينبغي التذكير بأن الملك له كامل الصلاحية، وفق منطوق الفصل 47 من دستور 2011، في تكليف أي شخصية من الحزب الفائز، غير بنكيران، بتشكيل الحكومة، لأنه ليس هناك ما يلزم الملك بتعيين رئيس الحزب.
لكن الملك أصر على أن يبقى وفيا لتقليد ديمقراطي سنه منذ 2007 بتعيينه لعباس الفاسي وزيرا أولا، ثم لبنكيران في مناسبتين (2011/2016)..
الملك بهذا الحِرص الواعـي على صيـانـة الاختيــار الديمقراطي إنما يوجه رسالة إلى الشعب المغربي، مفادها أن المواطن أصبح هم المسؤول الأول والأخير عن اختيار الحزب الذي يراه مناسبا لقيادة الحكومة، وعليه تحمل نتائج اختياراته..
لم يعد مقبولا بعد اليوم من المواطنين التنصل من تداعيات اختيارهم، مثلما ليس من المسؤولية السياسية أن يتهرب الحزب الفائز من المحاسبة عن حصيلة تدبيره للشأن العام..
فالمغرب دخل، ومن غير رجعة، بعد 07 أكتوبر 2016 مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة، فالشعب يمنح تفويضا ديمقراطيا للحزب الذي يراه يستحق ذاك التفويض، وهذا الأخير عليه أن يقدم الحساب على استعماله لهذا التفويض…
هل بعد هذا الدرس الملكي البـالــغ الدّلالات سيعود بنكيران وحزبه إلى الاختباء وراء العفاريت والتماسيح، والتحكم للتملص من تقديم الحساب؟!..
الرسالة الثانية التي وجهها الملك، وهاته المرة للمنتظم الدولي، مفادها أن الرأسمال الحقيقي للمغرب هو أن الديمقراطية، واحترام الإرادة الشعبية صارتا خيارا استراتيجيا للدولة المغربية، بضمانة ملكية لم تعد موضع أي تشكيك..
فالعالم يشهد اليوم أن المؤسسة الملكية صارت هي مفتاح الاستقرار الذي يعيشه المغرب، وهي صمام أمان حسن سير مؤسسات الدولة..
من يقرأ جيّدًا القَــرار الذي اتخذته “بوينغ” بالاستثمار في المغرب، وما أدراك ما “بوينغ” سيعي أن الاستثناء المغربي لم يكن ليتحقق بدون الاستثناء الملكي…