“من الأممية إلى الجهوية”
الجمعة 09 شتنبر 2016 – 12:51:04
إن أبرز العقائد التي تبناها “يساريو” المغرب في فترة “المد اليساري”، إسوة بنظرائهم اليساريين في العالم، و آمنوا بها و دافعوا عنها طوال “مسيرتهم النضالية” كانت ترتبط ارتباطا عضويا بفكرة “الأممية” و “العالمية”، تلك الفكرة التي تجد أساسها النظري فيما سبق أن كتبه ماركس و إنجلز، في بيانهما الشيوعي، و اعتبرا فيه، من بين اعتبراه، أن “العمال” لا يجب أن يكون لهم “وطن”، فوطنهم هو العالم بكل “أوطانه” القائمة.
بعد انهيار الجدار الفاصل بين “الشيوعية” و “الرأسمالية”، اضطر أغلب “اليساريين” لمراجعة بياناتهم “الشيوعية” و التخلي، بعد ذلك، عن طوباوية الأممية و أحلامها الوردية، وصار هؤلاء يتحدثون عن مفهوم و منطوق جديد اسمه “الدولة الوطنية”، و بذلك تراجعت الأحلام نحو دائرة معقولة، تمكن السيطرة عليها.
بعد تعثر اليساريين في بلوغ و تحقيق حلم الدولة، التي بدت أقرب إلى جمهورية أفلاطون منها إلى “الوطنية”، اضطر رجال اليسار الجديد إلى إعادة مراجعة الحسابات باستعمال “صابون” جديد يحمل اسم “الجهوية”، البعض يحبها موسعة، و البعض الآخر يحبذها متقدمة، كشكل من أشكال الحنين إلى”مبدأ التقدمية”، فيما فضلها آخرون جهوية بسيطة و عادية، لا تحمل في طياتها لا مخاطر الانشقاق و لا علامات الانفصال و لا أسباب “الاستقلال”.
هكذا يبدو بالتحليل “الملموس” للواقع “غير الملموس” أن يساريي المغرب، ظلوا على الدوام حُواةً مَهَرَةً في خلق و تبني أسباب جديدة و أفكار “جميلة” لتحقيق حياة أكثر جدة و حداثة، فبعد رحيل “كوابيس” الأممية و سقوط “أضغاث أحلام” الدولة الوطنية الديموقراطية، انزوى معظم الرفاق، و هم بالمناسبة “حائرون يتساءلون”، في حلقة أضيق من أجل التنظير لمشاريع “الجهوية”، فقد فشلت البروليتاريا في حكم العالم الأممي، و فشلت أيضا في تحقيق ديكتاتوريتها العظمى داخل الدولة “الوطنية”، و لم يتبق لليسار ، أو بالأحرى لأبنائه و أحفاده، إلا محاولة التنظير لجهوية قد تسعف بعضهم في تدارك الفشل “الوطني” الذي تلا فشلهم السابق “الأممي”، ليكونوا بذلك قد انتقلوا نظريا، لا علميا و عمليا كما هي عادتهم، “من الأممية إلى الجهوية”.