المدرسة العمومية: صناعة الفشل
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( التعليم )
الثلاثاء 27 شتنبر 2016 – 16:25:1
• الدخول المدرسي : اكتظاظ ـ خصاص ـ هدر ـ ضياع
* وهم الإصلاح : رؤى استراتيجية وأهداف طوبــاوية ..
حقيقة إن هناك شعورا بخطورة الوضع وبضرورة إصلاح المنظومة التربوية يعكس هذا الشعور إشارات في خطب ملكية عديدة ومشاريع مخططات اتضحت معالمها منذ “الميثاق الوطني” للتربية والتكوين” ، مرورا بـ “البرنامج الاستعجالي” الذي لا تزال “فضائحه” تشغل الرأي العام، ووصولا إلى رؤيتي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والوزير بلمختار الذي انتهى به الأمر إلى رفع الراية البيضاء أمام ما ادعى من “شح” الموارد المالية لمواجهة الوضع. وقد يكون على صواب، ما دام أن التعليم مسألة حكومة ودولة وشعب، وسيادة، ومستقبل، وأمل، وليس ملفا وزاريا يخضع لتدبير إداري شأنه في ذلك شأن الأشغال العمومية أو السياحة !
الكل آمن بأن بداية الموسم الدراسي الحالي، طلعت متعثرة، تطبعها فوضى مزعجة، على مستويات مختلفة، أهمها الاكتظاظ وسوء توزيع الموارد البشرية واضطراب في توزيع الموارد البشرية من حيث وجود نقص حاد في الحجرات الدراسية وأقسام بدون مدرسين وإدارات بدون مديرين وأكاديميات بدون …..وضع كارثي في قطاع يأتي في ذيل المراتب وفق تصنيف دولي أخير…ولا فخر !…
الدخول المدرسي الجديد عمق معاناة نساء ورجال التعليم قبل أولياء أمور التلاميذ لما اعتراه من إكراهات عمقت الجرح ودعمت الشكوك في إمكانية تصحيح وضع كارثي يبدو أنه لن يصمد طويلا في وجه الإكراهات التي يواجهها في غياب أرضية صلبة للإصلاح وإرادة سياسية قوية لمعالجته كأولوية الأولويات، فلا حاضر ولا مستقبل لهذا البلد بدون تعليم يواكب العصر ومتطلباته.
ويبقى الاكتظاظ والخصاص والهدر المدرسي من أكبر معوقات التعليم في المغرب ، الاكتظاظ نتيجة تراكمات على مستوى مواكبة النمو الديمغرافي وارتفاع أعداد الملتحقين بالتعليم كل عام، ينما تشهد المؤسسات التعليمية تراجعا في عدد الأقسام الدراسية لأسباب متعددة، ما يدفع إلى حلول ترقيعية، منها حشر من خمسين إلى سبعين تلميذا في حجرة لا تتسع إلى لأربعين تلميذا أو أقل، ووضع المعلمات والمعلمين في مواجهة أقسام مشتركة منها بأكثر من مستويين ومنها بمستويات غير متجانسة نتيجة تدبير للشأن التعليمي بالمنطق الإداري وليس بالمنطق البيداغوجي وإبعاد “أهل العلم” والخبرة والدراية عن كل محاولة للبحث عن مسالك جديدة لإصلاح المنظومة التربوية !… حتى أن بعض المختصين وصف الدخول المدرسي الجديد بكونه “الأسوأ” قي تاريخ منظومة التربية والتكوين بالمغرب، إذ لم يسبق لجهاز التدبير بوزارة التربية الوطنية في كل مستوياته أن كان على هذا المستوى من الانحطاط ، ولم يسبق لمشاريع الإصلاح أن شهدت مثل هذا الفشل الذريع !…
وحين نعلم أن عدد المتمدرسين هذه السنة فاق الستة مليون وثمانمائة ألف ، في الأسلاك الثلاثة، نشعر بخطورة الوضع في ظل النقص الحاد في التجهيزات الأساسية والمباني التعليمية، والاكتظاظ الذي حققنا فيه، نحن في المغرب، أرقاما قياسية، والخصاص في الموارد البشرية، وغياب الجودة في المناهج الدراسية، ولجوء المسؤولين إلى الحلول الترقيعية لتدبير المرحلة “بما وجد” من الإمكانات المتوافرة، نزداد يقينا بأن قاطرة التعليم تسير إلى الهاوية، إذا لم تتداركها ألطاف ربانية !!!….
إلا أن هذا الوضع المرعب لم يفاجئ العديد من المختصين الذين يروا أن التراجع الملاحظ اليوم في أداء المدرسة العمومية كان متوقعا لآنه نتج عن سياسات تعليمية فاشلة لم تأخذ في اعتبارها مناهج تربوية رشيدة ومستجيبة لمتطلبات العملية التربوية في كل أبعادها وأولوياتها.
هذا ويصر مسؤولو وزارة بلمختار على التأكيد بأن الدخول المدرسي الجديد كان عاديا، ببعض الاستثناءات الغير مؤثرة، كما أنهم يعتبرون أن 56 تلميذا في القسم الواحد لا يعتبر “اكتظاظا”، بل أمرا عاديا (في بلد غير عاد) ، وكان الله في عون المعلمات والمعلمين !!!….
فما هي إذن، حظوظ “المدرسة الجديدة من أجل مواطن الغد” وفق رؤية المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الهادفة “لى منح كل مغربي تعليما ذا جودة ، يرتكز على المبادئ والقيم العليا للوطن ويهدف إلى تأهيل الإنسان المغربي للمستقبل من أجل إسهامه في بناء الرأسمال البشري ” وما هي التدابير المتخذة إلى الآن، من أجل “تنزيل” توصيات المجلس، الداعية إلى تغيير النظام البيداغوجي والتمكن من اللغات والتكنولوجيات وعلوم التربية و الرياضيات ، بهدف إعداد التلميذ المغربي الإعداد الجيد للحياة المهنية .
يبدو أن الوصول إلى هذه الغايات لا يتحقق برؤى تخيلية، وتوصيات “إنشائية”، من أي مصدر كانت، بل بخطط علمية عملية تعبأ لها الإمكانات الضرورية وتضبط ضمن أولوية أولويات الدولة .
الملفت للانتباه أن بعض المسؤولين الحكوميين يلمحون بين الفينة والأخرى، إلى إمكانية رفع مجانية التعليم، كما رفعوا الدعم عن السكر والزيت والدقيق والمحروقات ، وقريبا البوتاغاز، في إطار مشروع إصلاح صندوق المقاصة الذي يعتبره بنكيران مفخرة إنجازاته العظيمة على رأس الحكومة. وهذا ما حرك رواد العالم الأزرق للتنبيه إلى خطورة هذا المسعى المريب، لأن التعليم ليس مادة من مواد الاستهلاك، بل حقا أساسيا من حقوق الانسان ، من واجبات الدولة التكفل به وصيانته من التحضيري إلى الجامعي ، حماية لوجود الدولة واستمرارها وتطورها. فلا مستقبل بدون تعليم ، ولا استقرار بدون تعليم. وكل تطاول على قطاع التعليم قد يؤدي البلد ثمنه غاليا !…