العزوف عن الزواج و “العنوسة” ….. إجبار أم تمرد على قوانين القبيلة
الأربعاء 07 شتنبر 2016 – 17:58:45
“المجتمع التلقيدي ينظر لمن لم تتزوج في العشرينيات على أنها فاشلة” بهذا تلخص الأستاذة كريمة وضعية “العانس” في المغرب، كريمة شابة مغربية تبلغ من العمر 32 سنة موظفة بإحدى الإدارات الحكومية، شابة جميلة ومتعلمة لم تتزوج بعد. حتى الآن يبدو كل شيء عادي، بيد أن “تأخرها عن الزواج” يثير فضول الآخرين وأحيانا تعليقاتهم و مضايقاتهم، لدرجة صارت تتفادى فيها عن الكشف عن سنها الحقيقي.
إن معظم الرجال الذين تعرفوا عليها أو تقدموا لها يكون أهم سؤال لديهم هو السبب في “تأخرها عن الزواج حتى الآن”، وباستياء تعبر كريمة عن رفضها أولا لهذا التدخل في حياتها ثم لحصر بعض فئات المجتمع دور المرأة في الزواج و الإنجاب.
سن المرأة حاسم
تعتقد كريمة أن السبب في نظرة المجتمع للمرأة العانس على هذا النحو تعود لذكورية المجتمع أولا، ثم للعادات و التقاليد المتوارثة، حيث دأب الرجل المغربي على اعتماد عنصر السن في اختياره لشريكة حياته، الأخيرة حسب كريمة، يجب أن تكون جميلة وشابة وكلما كانت صغيرة السن كلما ازدادت قيمتها و تم “تدليلها أكثر”، فهو يصول و يجول و يجري وراء النساء من مختلف الأعمار و عندما يصل الى مرحلة الزواج ، فهو يفضل الصغيرة سنا ، ربما لهذا السبب تعج محاكم البلاد بحالات الطلاق ، فتيات صغيرات بعمر الورد ، يتأبطن خيبة الأمل، فقط لأنهن كن ضحية رجال اعتقدوا أن الصغيرة لعبة بين أيديهم.
ويشكل موضوع الفرق في السن بين الرجل و المرأة عنصرا مهما بالنسبة للكثير من الرجال في المجتمع المغربي، ويتخذ الأمر أحيانا بعدا ساخرا حين تلوك ألسن الرجال نكتا تصف قيمة المرأة و مدى تهافت الرجال عليها مع توالي سنوات عمرها.
يوسف، شاب مغربي في العشرينيات من عمره يعتقد أن مسألة سن المرأة أصبحت أمرا متجاوزا خصوصا بالنسبة للجيل الحالي، حيث أصبح الشباب يركزون على الجانب العاطفي و مدى التفاهم بين الطرفين المقبلين على الزواج، ويضيف أن قيمة المرأة لا يحددها سنها بل شخصيتها و قلبها و مدى استعدادها لتأسيس أسرة.

لكن منير يعتبر السن معيارا أساسيا في اختيار شريكة الحياة. فالزواج من امرأة تكبره يبدو مستبعدا لأن أسرته قد ترفض هذا الفارق كما أن الزواج من امرأة أكبر سنا حسب منير أمر “غريب شيئا ما عن مجتمعاتنا”. ويضيف أن ذلك قد تكون له نتائج سلبية أخرى”حيث أن المرأة و بحكم الإنجاب تبدو مع الوقت أكبر من الرجل” وهذا سيؤثر لا محالة على نفسية الطرفين في نهاية المطاف.
تنامي ظاهرة العنوسة
رغم غياب إحصائيات رسمية عن عدد النساء اللائي “تجاوزن سن الزواج” حسب الأعراف المغربية ، إلا أن دراسة عربية أشارت إلى أن نحو مليون ونصف مغربية لم يتزوجن بعد رغم تجازوهن سن الخامسة و الثلاثين وهو متوسط سن الزواج الذي حددته الدراسة.وأشارت إلى أن أغلبهن يتواجدن في المدن الكبيرة بينما تنخفض الظاهرة نسبيا في القرى.
ويعزو خبراء الأسباب الكامنة وراء انتشار ظاهرة العنوسة و العزوف عن الزواجن إلى الأعباء الإقتصادية و انتشار البطالة، بالإضافة إلى تغير نظرة الشباب و الفتيات إلى مؤسسة الزواج.
وتقول في هذا الصدد صباح الشرايبي أستاذة علم الإجتماع أن هناك إكراهات تفرض ظاهرة العزوف عن الزواج خاصة في صفوف النساء. حيث تشير الناشطة الجمعوية خلال حديتها إلى أن نسبة العزوف عند النساء بلغت 47 في المائة مرتفعة بمعدل 20 بالمائة في ظرف عشر سنوات.
وعن الأسباب تقول الشرايبي، إن الحياة الزوجية لم تعد “مريحة” بالنسبة للمرأة المغربية التي بدأت تخرج هي أيضا للعمل إلى جانب الرجل، و بالتالي فإن تحملها ضغط العمل إلى جانب أعباء البيت و الأبناء يجعلها تبتعد عن فكرة الزواج. بالإضافة إلى ظاهرة العنف، حيث تشير الخبيرة الإجتماعية إلى أن 80 في المائة من حالات العنف في المغرب تحدث في بيت الزوجية “لذا فالزواج بالنسبة للمغربية لم يعد بالضرورة ذلك الطريق المشترك المفروش بالحب و الحنان”.
و يعتقد نجيب، شاب في عقده الثالث أن الزواج لم يعد ضروريا لتأطير علاقة حب بين رجل و امرأة، معتبرا خلال حديثه أن الزواج مسألة فرضتها العادات و التقاليد فقط، وليست ناجحة دائما، بدليل ارتفاع حالات الطلاق بين المغاربة. بالإضافة إلى أن “ليس كل المتزوجين سعداء، بل منهم من يصر على عدم الطلاق فقط من أجل الأبناء أو لتفادي نظرة المجتمع خصوصا للمرأة المطلقة”.
مصطلح العنوسة بحد ذاته جارح قاس ٍ، ويفتقر إلى الذوق والإنسانية ويقوم على تصنيف البشر بطريقة مهينة ،وكأن المرأة خلقت في الكون لهدف واحد فقط، هو لتكون ماكنة تفريخ. يعتمد هذا التصنيف على تقدير نسبي وشخصي يعتمد على المحتوى الثقافي للأفراد لما يمكن أن يعتبر السن المناسب للزواج. وكأن المرأة أو الرجل مادة غذائية تنتهي صلاحيتها بتاريخ زمن معين، تبدأ بعدها بالفوران من الحموضة، أو تسبب التسمم لمتعاطيها. بمعنى أن يصبح الإنسان غير قابل للاستهلاك العاطفي.
لذلك تَفَقـّد تاريخ انتهاء صلاحيتك يومياً قبل أن تجد نفسك على رَفّ العَـوانـس .
نستطيع أن نَجـزم بمجـرد مشـاهدة المقطع الأول من أي دراما حول شخصية ( العانس) أن نعرفها فوراً من بين كل الشخصيات، بما رسخ لدينا عنها من منظر صارم، وانعدام لمظاهر الأنوثة فيها، ومن ياقة الثوب العالية، والشعر المشدود بما يشبه ورماً في أعلى الرأس، ونظارة سميكة. أما على النطاق النفسي فهي كبيرة في السن، متبتـّلة، تنزع إلى التطوع بالعناية بأحد الوالدين المريضين، أو العمل في مدرسة أطفال لتعويض أمومتها، أو في بعثة تبشيرية تقوم على خدمة ضحايا الحرب والمرض والجهل.
ويخشى الذين يعيشون حياة سعيدة من أقاربها ومعارفها أن تصيبهم بالعين لأنهم غاطسين في النعمة على عكس حالتها التي تكسر الخاطر. لذلك يسمح لها الأهل بممنوعات ومحظورات كانت مفروضة على أخواتها اللواتي تمتعن بحظ أوفر واستطعن اصطياد عريس مراعاة لمشاعرها.
لكن هذه الصورة مغايرة للواقع تماما، لقد تغير المجتمع وكثير من النساء والرجال اختاروا وبمحض إرادتهم حياة العزوبية على الإلتزام بالزواج، أوالقبول بشراكة غير متكافئة لا تحقق المرجو منها من سكينة ورأفة ورحمة وإشباع على المستويين العاطفي والاجتماعي.
هناك نساء تخطين العمر الذي رسم علامته المجتمع دون زواج، ومع ذلك هن نساء مفعمات بالأنوثة، جميلات، مثقفات، حساسات، مميزات كقياديات بالمفهوم الإيجابي تماماً، لأن كلمة قيادية تخيف البعض وتحشر المرأة في خانة المسترجلات.
وبكامل إرادتهن رفضن الزواج، ليس لأنهن شاذات نفسياً لكن لأنهن اخترن هذا الوضع على أن يكن شريكات في زواج محكوم بالفشل منذ البداية، قد يكون من عواقبه الوخيمة أطفال مشتتون، مهزوزو الشخصية نتيجة خلافات لا أول لها ولا آخر.أرجو أن لا يفهم البعض كلامي هذا على أنني أشجع عدم الزواج ( لا أريد استخدام مصطلح العنوسة لأنه يعلق في حلقي مثل شوكة ).
هل يعني ارتفاع نسبة العنوسة ارتفاع في نسبة من أصبحوا يمتلكون القدرة على تقرير مصيرهم، أم أن ارتفاع نسبة العزوف عن الزواج كما يخبروننا عنها هي نتيجة لامتناع الرجال عن خطبة النساء نتيجة للظروف الإقتصادية السيئة، مثل ارتفاع أسعار الجوالات، وسيارات الدفع الرباعي، وجلسات التدليك، وأشياء كثيرة أخرى تمثل قائمة طويلة من ضمنها نظرية المؤامرة.
نعم .. الغرب لا يريد لنا أن نتزوج، بل تفرغوا لمنعنا من الهناء والتمتع، ولا ينامون الليل لأنهم يخشون على أنفسهم من انقسامنا وتكاثرنا.اعتدنا على التعامي عن الحقائق، لا يريد أي منا أن يعترف أن تركيبة المجتمع وتوجهاته اختلفت، وأن الإنسان العربي بدأ بالتمرد على قوانين القبيلة. وأنه يسعى لامتلاك حرية تقرير المصير. وبما أنه لم يستطع أن يفعل ذلك على مستوى السياسة، أو التخطيط، قرَّرَ أن يكون له كلمة على الأقل في شأنِ متى يَرتبط وبمن يرتبط.. إذا قرّرَ الإرتباط. لماذا نتهرب من الإعتراف بأن كثيراً منا يفضل الغزل والنسيج على شريك لا يملك أسهماً تؤهله لشراكة ضفدعة..



















