أيتام في مأدبة اللّئام..!!

شعاراتهم كلمات جامدة من قواميس لتعلّم السياسة في خمسة أيام بدون معلم.. كيف لا والمعلمون قد رحلوا.. مآدبهم عامرة فهم يؤمنون بالشعب الذي يفكر ببطنه.. كيف لا وقد أرادوا التبرع عليه بأكباش العيد قبل حلول العيد، فالنفس البشرية تميل لمن يعطف عليها.. وستشهد البادية قدوم «رحماء » و «كرماء » وعطوفين » يشنفون آذان الفقراء بألوان من الترانيم والمزامير مع مالذ وطاب من مشوي ومحمر… أيتام في مأدبة اللئام.. تلك حال الساكنة الفقيرة مع زحف المطايا والمراكب الفاخرة والزغاريد البلهاء، فضلا عن تناثر الأوراق من كل لون في الفضاء المقفر، ومع ذلك يريدوننا أن نضطلع بدور المهرج والمصفق والمزكي لحفل يتكرر موسميا بذات الوجوه أو بورثتها.

واقع لا ندري معه شيئا.. فلا هو بالواقع الشرعي ولا القانوني ولا الموضوعي ولا المنطقي، بالرغم من سجلات ووثائق وبنود الداخلية… والكل يعرف كيف تحدث الأشياء وكيف تمر الأمور.. وكيف تتصرف الأحزاب في التزكيات وفي الاختيارات وفي الدعم المادي.. ثم كيف وصل من وصل..؟ ونام على أكف الراحة فوق كرسي البرلمان الوثير إذا حضر مهزلة اجتماعات الغرفتين فقد عودونا على الغياب، وعجز الرئيسان في الغرفتين عن اتخاذ قرارات زجرية في حقهم تعيد للهيئة البرلمانية هيبتها. ففاقد الشيء لا يعطيه، وهما معا جزء من التركيبة إياها فكيف يتخذان قرارات ضد زملائهم في طبخة اللعبة؟!.. وعدوا وأخلفوا وكانوا كالبلهاء وكالمهوسين و كالأطفال ينغمسون في لعبة وضعوها بين أيديهم وكذلك هم يفعلون، بالصدفة أو بدونها وجدوا أمامهم أرقاما منتفخة، وميزانيات ضخمة ولعب آتية من الغرب، فاللعب المحلية والوطنية قليلة عليهم ولا تليق بمقامهم، وهكذا كانت السيارات الفاخرة بديلا عن الطرق والقناطر والماء والكهرباء لمن لازال يعيش عهودا سحيقة من العوز والحاجة والضرورة… وكانت السفريات بمناسبة وبدون مناسبة، وحتى الجماعات الأكثر فقرا دخلت حلبة المنافسة، فالدافع واحد والهدف واحد والغاية تبرر الوسيلة، نحن أمام منطق معكوس، والمؤسف أنه منطق عام شمولي.. أصبح قاعدة في كل زمان ومكان، منطق تساوى فيه الجميع..

بدليل أن الجميع يرفع نفس الشعارات، فلا يبقى هناك لا يمين ولا وسط ولا يسار، فالكل يسعى لمصلحة الوطن وما حيازة السيارات الفارهة الزائدة عن الحاجة، واقتناء العقارات إلا مثال بسيط على ذلك، والكل يضحي بالغالي والنفيس لأجل إسعاد المواطنين، ولكم في الأسعار الصاعدة المتسلقة عنان السماء، وصندوق المعاشات، والإعفاء من متابعة الفاسدين )عفى الله عما سلف(، إلا وجه من أوجه إسعاد المواطنين المصنفين في خانة الانتظار. والكل يسعى لترسيخ قواعد وطن عالي الهمة ديمقراطي المشرب والاتجاه، مالكي أشعري متسامح معتدل منفتح، وظهر بارزا وجليا وواضحا وأكيدا أن الملك وحده يسعى لذلك وأقره وكر سّه على أرض الواقع، بينما الأحزاب تتنابز بالألقاب وتترامى بالقشور وغليظ الكلام وتتسابق على المكاسب والامتيازات وت قُسم بأغلظ الإيمان أن تظل حاجرة على الشعب… مسؤولة عنه… جاثمة على أنفاسه أحب من أحب وكره من كره وتلك آفة الآفات…

لا أبالغ أو أغالط إذا أكدت أن المواطنين لا ينتظرون مما سيأتي بعد الكرنفال إلا كما انتظروا من قبل ثم لم يحصل شيئا ولم تسفر التجارب إلا عن خيبات أمل اكتوى بنارها من كان ينتظر التغيير ثم اضطرمت النار في الجميع فأصبح من ينتظر التغيير ومن لا ينتظره في الهم سواء. الفئة الناجية فقط هي التي لا يهمها الأمر ولا يهمها أن تتغير بعض الظروف أولا تتغير ما دامت مصالحها محفوظة، وحقوقها مصونة،
ومكاسبها مضمونة، والويل لمن اقترب منها.. المقالع مثلا.. وأصحاب الكريمات العديدة مثلا.. والضيعات والأوراش المعفاة من الضرائب والتي تلقى كل التفهم والتفاهم والتسامح… ومهربي الأموال وهي باهظة… وقد بدأت الحكومة المنتهية ولايتها بالتلويح بعصا المتابعة وتعقب الفاسدين والمفسدين أينما كانوا… ومهربي الأموال والغاشين في إنجاز الطرق السيارة والطرق العادية والقناطر… ألم يكشف أحد المواطنين غش فرشة إحدى الطرق فعوقب بدل أن ي كُافأ؟!.. ألم أقل أننا نعيش بمنطق معكوس ز عليه سلوك شاذ غريب وبعدها نتهجى بمفردات لغوية من قاموس سياسي بذيء ومتجاوز لم يعد يصلح إلا للبهائم والهوام… معذرة، نحن على أبواب تجربة أخرى في معترك تجاربنا العديدة… الملتحون ي قُسمون على العودة… والباقي من الكبار يؤكدون أنهم واصلون ومقتحمون قلعة البرلمان والصغار يكتفون بالأمل وحتَّى ممّــا فضلَ من خير وبركة ويرفضون وصف «الأحزاب الصغيرة » فهم أحزاب وكفى، يعملون لنفس الغرض ونفس الهدف ونفس الغاية.. آية غاية يا ترى؟! لنترك كل شيء إلى إبانه حتى لا يقولون إننا نسبق الأحداث .. ..