مقتطفات من كتاب “المستطرف في كل فن مستظرف” : 5 – في البخل والشح وذكر البُخـَلاء وأخبـارهم ومـا جـاءَ عنهم ..!!
جريدة طنجة – محمد وطاش ( “المستطرف في كل فن مستظرف” )
الخميس 11 غشت 2016 – 18:30:45
•الكتاب من تـاليف الشيخ شهاب الدين أبو الفتح محمد بن أحمد الأبشيهي ، نسبة إلى قرية أبشيه (ابْشَواي) من قرى الفيـوم المصرية، أقام بالمحلة ورحلَ إلى القاهرة ~درس الفقه والنحو ووَلي الخطابة ببلدته بعد وفاة والده، توفي حوالي (850هـ / 1448 م )~
وعن دواعي تأليف هذا الكتاب ومضامينه يقول الأبشيهي في ديباجته :
فَقِراءة مُمْتعة ومُفيدَة.
“…أما بعد فقد رأيت جماعة من ذوي الهِمَمِ جمعوا أشياء كثيرة من الآداب والمواعظ والحكم وبسطوا مجلدات في التواريخ والنوادر والأخبار والحكايات واللطائف ورقائق الأشعار وألفوا في ذلك كتبا كثيرة وتفرد كل منها بفرائد فوائد لم تكن في غيره من الكتب محصورة فاستخرت الله تعالى وجمعت من جموعها هذا المجموع اللطيف وجعلته مشتملا على كل فن ظريف وسميته “المستطرف في كل فن مستظرف” واستدللت فيه بآيات كثيرة من القرآن العظيم وأحاديث صحيحة من أحاديث النبي الكريم وطرزته بحكايات حسنة عن الصالحين الأخيار ونقلت فيه كثيرا مما أودعه الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار وكثيرا مما نقله ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد ورجوت أن يجد مطالعه فيه كل ما يقصد ويريد. وجمعت فيه لطائف وظرائف عديدة من منتخبات الكتب النفيسة المفيدة وأودعته من الأحاديث النبوية والأمثال الشعرية والألفاظ اللغوية والحكايات الجدية والنوادر الهزلية ومن الغرائب والدقائق والأشعار والرقائق ما تشنف بذكره الأسماع وتقر برؤيته العيون .وجعلته يشتمل على أربعة وثمانين بابا من أحسن الفنون متوجة بألفاظ كأنها الدر المكنون..
وضمنته كل لطيفة ونظمته بكل ظريفة وقرنت الأصول فيه بالفضول ورجوت أن يتيسر لي ما رمته من الوصول وجعلت أبوابه مقدمة وفصلتها في مواضعها مرتبة منظمة ليقصد الطالب إلى كل باب منها عند الاحتياج إليه ويعرف مكانه بالاستدلال عليه فيجد كل معنى في بابه إن شاء الله تعالى والله المسؤول في تيسير المطلوب وأن يلهم الناظر فيه ستر ما يراه من خلل وعيوب إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وهذه فهرست الكتاب والله سبحانه المهون للصعاب”.
و للأبشيهي أيضا كتاب “تذكرة العارفين وتبصرة المستبصرين” وكتاب”أطواق الأزهار على صدور الأنهار” كما أنه شرع في تأليف كتاب”في صنعة الترسل والكتابة” لكنه لم يتممه.ورغم أن في لغته ضعف ،كما يؤكد بعض المصنفين كالزركلي مثلا ،إلاأن قوة خطابه -وهو المتمرس بفن الخطابة- تغطي ذلك الضعف اللغوي ،وتجلي العديد من نقط بني الإنسان، وتصف للمرءالعليل مقويات روحية تقوي إيمانه وتصفي قلبه وتشد أزره.ونسأل العلي القديرأن يفرج عنا كربتنا ويهدينا سواء السبيل في هذا الشهر الفضيل.
ذريني وإتلافي لمالى فإنني ** أحب من الأخلاق ما هو أجمل
وإن أحق الناس باللوم شاعر ** يلوم على البخل الرجال ويبخل
وكان عمر بن يزيد الأسدي بخيلا جدا، أصابه القولنج في بطنه فحقنه الطبيب بدهن كثير فانحل ما في بطنه في الطست فقال لغلامه : اجمع الدهن الذي نزل من الحقنة وأسرج به .وكان المنصور شديد البخل جدا، مر به مسلم الحادي في طريقه إلى الحج فحدا له يوما بقول الشاعر:
أغر بين الحاجبين نوره ** يزينه حياؤه وخيره
ومسكه يشوبه كافوره**إذا تغذى رفعت ستوره
فطرب حتى ضرب برجله المحمل ثم قال: يا ربيع، أعطه نصف درهم. فقال مسلم: نصف درهم يا أمير المؤمنين؟ والله لقد حدوت لهشام ،فأمر لي بثلاثين ألف درهم. فقال : تأخذ من بيت مال المسلمين ثلاثين ألف درهم يا ربيع وكل به من يستخلص منه هذا المال ؟قال الربيع: فما زلت أمشي بينهما وأروضه حتى شرط مسلم على نفسه أن يحدو له في ذهابه وإيابه بغير مُـؤنـة.
وكان أبو العتاهية ومروان بن أبي حفصة بخيلين يضرب ببخلهما المثل؛ قال مروان: ما فرحت بشيء أشد مما فرحت بمائة ألف درهم وهبها لي المهدى فوزنتها فرجحت درهما فاشتريت به لحما؛ واشترى يوما لحما بدرهم، فلما وضعه في القدر دعاه صديقه فرد اللحم على القصاب وقال له: ينقصان دانقين، فجعل القصاب ينادى إلى اللحم ويقول:
هذا لحم مروان. واجتاز يوما بأعرابية فأضافته فقال: إن وهب لي أمير المؤمنين مائة ألف درهم وهبت لك درهما، فوهبه سبعين ألف درهم فوهبها أربعة دوانق.
ومن الموصوفين بالبخل أهل مرو، يقال إن عادتهم إذا ترافقوا في سفر أن يشتري كل واحد منهم قطعة لحم ويشكها في خيط ويجمعون اللحم كله في قدر ويمسك كل واحد منهم طرف خيطه، فإذا استوى جر كل منهم خيطه وأكل لحمه وتقاسما المرق. وقيل لبخيل: من أشجع من الناس؟ قال: من سمع وقع أضراس الناس على طعامه ولم تنشق مرارته. وقيل لبعضهم: أما يكسوك محمد بن يحيى؟ فقال: والله لو كان له بيت مملوء إبرا، وجاء يعقوب ومعه الأنبياء شفعاء والملائكة ضمناء يستعير منه إبرة ليخيط بها قميص يوسف الذي قد من دبر ما أعاره إياها، فكيف يكسوني وقد نظم ذلك من قال:
لو أن دارك أنبتت لك واحتشت ** إبرا يضيق بها فناء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة ** ليخيط قد قميصه لم تفعل
وكان المتنبي بخيلا جدا،مدحه إنسان بقصيدة فقال له :كم أملت منا على مدحك؟ قال: عشرة دنانير. قال له: والله لو ندفت قطن الأرض بقوس السماء على جباه الملائكة ما دفعت لك دانقا. وقال دعبل:كنا عند سهل بن هرون فلم نبرح حتى كاد يموت من الجوع، فقال: ويلك يا غلام، آتنا غذاءنا. فأتى بقصعة فيها ديك مطبوخ تحته تريد قليل، فتأمل الديك فرآه بغير رأس فقال لغلامه: وأين الراس؟ فقال: رميته. فقال: والله إني لأكره من يرمي برجله فكيف برأسه، ويحك، أما علمت أن الرأس رئيس الأعضاء ومنه يصيح الديك ،ولولا صوته ما أريد ،وفيه عرفه الذي يتبرك به وعينه التي يضرب بها المثل فيقال: شراب كعين الديك .ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم نر عظما أهش تحت الأسنان من عظم رأسه. وهبك ظننت أني لا آكله، أما قلت: عنده من يأكله. أنظر في أي مكان رميته فأتني به .فقال: والله لا أدري أين رميته.
فقال: ولكني أنا اعرف أين رميته، رميته في بطنك ،الله حسبك.
وقيل من النـّـاس من يبخَل بـالطعـام ويَجــود بـالمـال و بـــالعكس.
قال بعضهم في أبي دلف:
أبو دلف يضيع ألف ألف … ويضرب بالحسام على الرغيف
واشتكى رجل مروزي صدره من سعال فوصفوا له “سويق اللوز” فاستثقل النفقة ورأى الصبر على الوجع أخف عليه من الدواء، فبينما هو يماطل الأيام ويدافع الآلام إذ أتاه بعض أصدقائه فوصف له ماء النخالة وقال :إنه يجلو الصدر. فأمر بالنخالة فطبخت له وشرب من مائها فجلا صدره ووجده يعصم. فلما حضر غذاؤه أمر به فرفع إلى العشاء وقال لامرأته: اطبخي لأهل بيتنا النخالة، فإني وجدت ماءها يعصم ويجلو الصدور. فقالت: لقد جمع لك الله بهذه النخالة بين دواء وغذاء، فالحمد لله على هذه النعمة.
وعن خاقان بن صبح قال: دخلت على رجل من أهل خراسان ليلا فأتانا بمسرجة فيها فتيلة في غاية الرقة وقد علق فيها عودا بخيط فقلت له: ما بال هذاالعود مربوطا؟ قال: قد شرب الدهن، وإذا ضاع ولم نحفظه احتجنا إلى غيره فلا نجد إلا عودا عطشانا ونخشى أن يشرب الدهن. قال: فبينما أنا أتعجب وأسأل الله العافية إذ دخل علينا شيخ من أهل مرو فنظر إلى العود فقال الرجل: يا فلان، لقد فررت من شيء ووقعت فيما هو شر منه، أما علمت أن الريح والشمس يأخذان من سائر الأشياء وينشفان هذا العود، لم لا اتخذت مكان هذا العود إبرة من حديد، فإن الحديد أملس وهو مع ذلك غير نشاف، والعود أيضا ربما يتعلق به شعرة من قطن الفتيلة فينقصها. فقال له الرجل الخراساني: أرشدك الله ونفع بك. فلقد كنت في ذلك من المسرفين.
يتبع