يتقن زعماء حزب العدالة و التنمية اللعب على وتر الأخلاق و تقمص دور الشخصيات الورعة و الحارسة لمعبد الثقافة المغربية المحافظة ، إلا أن حبل الكذب قصير ، و “ما كل مرة تسلم الجرّة ” كما يقول المثل ….
لمياء السلاوي
و بقدر ما يجاهد إخوان بنكيران لكسب عطف المواطنين المغلوبين على أمرهم، و تمثيل دور الثقاة الذين لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم و لا من خلفهم ، بقدر ما ينكشف أمرهم في أول امتحان على أرض الواقع اليومي ، الذي يعج بالأمثلة في مجال سقوط الإخوان في مخالب الرذيلة. و هي الرذائل التي ما يفتأ كبيرهم “يمطرق” آذان المغاربة بخطابات حول محاربتها و القضاء عليها ، بل إن برنامج حزبهم ىالإنتخابي اعتمد على شعار محاربة الفساد كي يظفر باصوات المواطنين الذي أوصلوه الى تسيير الشأن العام بالمغرب.
شكلت الفضيحة الأخلاقية، التي تورط فيها عمر بنحماد وفاطمة النجار، نائبا رئيس “حركة التوحيد والإصلاح”، الذراع الدعوي المتحكم في “حزب العدالة والتنمية” الأسبوع المنصرم، ضربة موجعة للإسلام السياسي، الذي يمثله “العدالة والتنمية” القائد للحكومة، على بعد أسابيع قليلة من اقتراع 7 أكتوبر.
وأماطت هذه الفضيحة اللثام عن ازدواجية الخطاب لدى قيادات الإسلام السياسي بمختلف أذرعه السياسية والنقابية والدعوية. ولن يشفع قرار قيادة “حركة التوحيد والإصلاح” بتعليق عضوية بنحماد والنجار على خلفية متابعتهما بالخيانة الزوجية والفساد، في إعادة الإعتبار للحركة الدعوية والحزب على الخصوص.
رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله ابن كيران، يوجد في وضع لا يُحسد عليه، بسبب تنامي حدة التناقضات على مستوى خطاب قيادات الحزب، الذي يؤكد على التخليق والطهرانية ومحاربة الفساد بكل أشكاله، وعلى مستوى مسلكيات وممارسات أعضائه والمقربين منه، إذ في الوقت الذي تتغنى هذه القيادات بالشعارات الرنانة حول التخليق، تخون سلوكيات العديد من زعامات الحزب مضامين الشعارات المرفوعة.
فضيحة “عمر وفاطمة” ليست الأولى في سجل قيادات التوحيد والإصلاح و”البيجيدي”، بل سبقتها فضائح أخلاقية تنامت بوتيرة سريعة أذهلت المتتبعين للشأن السياسي والحركات الإسلامية. الفضيحة جاءت بعد أسابيع قليلة من تفجر فضيحة لحبيب شوباني، الوزير السابق المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني ورئيس جهة درعة تافيلالت والقيادي في “حزب العدالة والتنمية”، على خلفية سعيه إلى الحصول على 200 هكتار لإقامة مشروعه الفلاحي الخاص. هذه الفضيحة وإن عجلت بإسقاط عبد الله صغيري، نائب برلماني من “البيجيدي” عن دائرة أرفود، الذي أقحم اثنين من أقربائه للاستفادة من بقعة أرضية فلاحية الى جانب شوباني، من لائحة التزكية الانتخابية، لم تخلف أثرا مباشرا على رئيس جهة درعة تافيلالت، الذي مايزال يواصل مهامه على رأس الجهة، رغم تفجر الفضيحة.
شوباني ضرب رقما قياسيا ضمن قيادات “البيجيدي” في سجل الفضائح، فهناك فضيحة “الكاط كاط”، التي أعقبتها فضيحة السعي إلى الحصول على أرض فلاحية لإقامة مشروع خاص. ولم يعرف المغرب حكومة حققت مستويات قياسية في حجم الفضائح التي يتورط فيها وزراء، مثل ما حققته “الحكومة الملتحية” طيلة ما يقرب من خمس سنوات من عمرها. وستُنهي الحكومة التي باشرت عملها باسم “التغيير والإصلاح”، عقب أحداث الربيع العربي، على إيقاع فضائح أبرزها فضائح الوزير شوباني وسمية بن خلدون، الوزيرة السابقة المنتدبة في التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، شريكة شوباني في فضيحة “الكوبل الحكومي”، أو “الحبيب وسمية”، وما ارتبط بها من “تعدد الزوجات” و “الخيانة الزوجية” التي منحت صورة متخلفة عن الحكومة.
ومن أبرز فضائح قيادات “البيجيدي”، أيضا، فضيحة تجهيز مكتب وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، عبد القادر عمارة، التي تفجرت في أبريل سنة 2015، بغرفة نوم، وحمام، وشُرفة، مع تجهيزات فاخرة، سواء باستعمال الرخام، أو بنوعية الأثاث الذي جرى اقتناؤه من سرير و”دوش”.
من فضائح إخوان بنكيران أيضا، و التي كان بطلها مستشار حزب العدالة والتنمية بالجماعة القروية المعاشات ونائب كاتب الحزب بالصويرية، الذي اعتُقِل للاشتباه في تورطه في عملية تهريب المخدرات، حيث كانت قد كشفت مصادر محلية أن عناصر الدرك انتقلت رفقة الموقوف الى منزله بالصويرية، يوم الاثنين 8 غشت 2016، حيث باشرت عملية البحث مرفوقة بالكلاب المدربة كما داهمت مستودعا يوجد بالقرب من مرسى الصويرة.
مستشار العدالة والتنمية، تم توقيفه من طرف عناصر الدرك الملكي بالصويرة، بعد حجز كمية مهمة من الحشيش ناهزت 2200 كلغ كانت محملة على متن سيارة “بيكوب”، والتي تم شحنها من مستودع يتواجد بمصطاف الصويرة، وكان المستشار الموقوف قد انتقل، في الساعات الأولى من صباح اليوم المعهود، على متن سيارته الخاصة الى منطقة سوق عام بجماعة سيدي اسحاق باقليم الصويرة، حيث لحقت به “البيكوب”، ليترك سيارته ثم يتوجه إلى المنطقة المذكورة، وبعدها يتوجه رفقتهم الى منطقة سيدي بطاش من أجل شحن كمية الحشيش المذكورة على متن زورق مطاطي، وقامت عناصر الدرك بمحاصرة المستشار المذكور وهو على متن سيارته بمنطقة سوق عام، فيما لاذ سائق “البيكوب” بالفرار، ليتم اعتقاله بدوار اولاد فقير بجماعة لمعاشات.
السجل التاريخي للإخوان مليء بالفضائح الأخلاقية التي يندى لها الجبين، والتي يدعي مريدو العدالة والتنمية أنهم جاءوا لمحاربتها والقضاء عليها من خلال ما أعلنوه في برامجهم السياسية والاقتصادية وخطبهم المتعددة..
وفي موضوع مرتبط بجانب آخر من جوانب الفساد الذي ينخر حزب المصباح، نذكر قضية اعتقال “محمد السبع”، العضو في حزب العدالة والتنمية وعضو في حركة التوحيد والإصلاح والمقرب من مسؤولين وبرلمانيين محليين للحزب بمدينة وجدة، بعد أن كان موضوع 22 مذكرة بحث منذ تاريخ 6 مارس 2015، بتهمة النصب وإصدار شيكات بدون رصيد، وقد جرى اعتقاله بمدينة الدار البيضاء يوم 27 فبراير 2016، قبل أن يتم اقتياده إلى ولاية أمن وجدة.
محطات الفساد داخل العدالة والتنمية لم تطل اعضاءه فقط بل امتدت لتنخر سلوكات أفراد أسرهم كذلك ، حيث انفجرت فضيحة خلال شهر شتنبر 2015 بجماعة الشاطئ الأبيض بكلميم، عندما اختفت زوجة المستشار الجماعي عن حزب “العدالة والتنمية” بذات الجماعة، “أحمد الشناوي”، ونشر هذا الأخير آنذاك على صفحته الفايسبوكية خبر إختفاء زوجته في ظروف غامضة، ووضع شكاية لدى المصالح الأمنية في محاولة لإصباغ الحادث طابعا سياسيا، إلا أن الشرطة، وبعد تكثيف تحرياتها عثرت على المختفية بأحد البيوت المعدة للدعارة بمدينة كلميم..
وتبين حينها بأن زوجة مستشار العدالة والتنمية اختفت بمحض إرادتها رفقة خليلها ولم تكن مختطفة أو أي شيء من هذا القبيل، بل كانت تقتنص معه لحظات من المتعة مستغلة انشغال زوجها بالإنتخابات وما يرتبط بها من اشاعات، ولم تكن تعتقد بأن الشرطة ستصل إلى البيت الذي تقضي بداخله لحظات “الخلوة مع عشيقها”.
ولعل القراء يتذكرون كذلك، حادث إلقاء المصالح الأمنية القبض، يوم 8 ماي 2014، على المسمى محمد أمين زايد، ابن سمير زايد، صيدلي وعضو في حزب العدالة والتنمية بوجدة، بعد أن وجدت بحوزته 500 حبة مهلوسة من نوع “إكستا”.
وبعد تفتيش منزل والديه، تم حجز 450 حبة مهلوسة أخرى من نفس النوع، ومبلغ مالي قدره 39.240 درهم،الذي اتضح أنه من عائدات الإتجار في المخدرات، إضافة إلى 4 غرامات من المخدرات الصلبة “الكوكايين”.
وتساءل المتتبعون حينها حول علاقة العقاقير الطبية الخاصة بالمجانين، التي يبيعها المدعو سمير زايد في صيدليته، بالمحجوز الذي ضبط لدى إبنه؟
وللتذكير فقط، فإن مظاهر الفساد التي طالت بعض رموز العدالة والتنمية بالمغرب لم تسفر على استقالات في صفوف الحزب بل إن بعض رموزها تم تمتيعهم بشواهد حسن السيرة كأمثال سمير عبد المولى الذي استقطبه الحزب بالرغم من المتابعات القضائية التي طالته في قضايا فساد متعددة.
كما أن الحزب يأوي في صفوفه بعض البارونات الذين يتعاطون لتجارة المخدرات ويحاولون التستر تحت الدين الإسلامي وباسم يافطة الحزب للتهرب من الملاحقات، وباستثناء بعض الاعتقالات كتلك التي طالت بارونا بنواحي بلقصيري فإن الحزب يحرص اشد الحرص على حماية أتباعه وذلك بإصدار بلاغات أو بيانات تشكك في الأخبار المتداولة حول هؤلاء ويتهم كل من أشار بأصبعه على ذمة الحزب بالسوء بكونه “تمساحا” و”عفريتا” إلى غير ذلك من المصطلحات التي تنتمي إلى قاموس كتب “الحيوان” و”كليلة ودمنة”.
هذه بعض الأمور التي طالت ممارسات حزب العدالة والتنمية، وهو “غيض من فيض” . هو الفساد الذي ينخر جسده، دون التطرق إلى ما آلت إليه سياسته في مجال ضرب القوة الشرائية للمواطنين والإجهاز على مكتسبات العمال والموظفين وتعطيل الحوار الاجتماعي مع المركزيات وتغييب المجتمع المدني وعدم إشراكه في رسم معالم القوانين التي ستؤطر الحياة بالمغرب، القوانين التنظيمية المتعلقة بالعنف ضد المرأة واشتغال القاصرات بالمنازل والمشاريع التنظيمية المرتبطة بالأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية..إلخ… بالاضافة إلى السياسات التقشفية الموازية لعملية الإستدانة المكثفة من المؤسسات المالية الدولية، والتي ترهن مستقبل الأجيال المقبلة، وهي أمور يعلمها القاصي والداني وستكون لها تبعات خلال الإستحقاقات التشريعية المقبلة..