300 محل تجاري وعدد من المنازل تحترق في نصف ساعة ووعود من المنخبين ورجال السلطة
فاجعة أخرى تضرب أسواق مدينة طنجة، وهي، باستثناء السوق المركزي بساحة 9 أبريل وسوق طريق فاس، أسواق عشوائية ، نبتت كالفطر، في جهات مختلفة من مدينة طنجة، في غيبة تامة لمسؤولي البلدية التي صارت اليوم بلديات، والعمالة التي أصبحت عمالتين وولاية، وموظفين غدوا يعدون بالآلاف…..
تلك الأسواق كانت نتيجة حتمية للتدفق العشوائي على طنجة، من أهل الجبل والريف والمدن الداخلية، بعد عودة هذه المدينة إلى الاندماج الإداري بالمغرب، سنة 1958، ذلك التدفق العشوائي الذي عجزت الإدارة والمجالس المنتخبة عن التعامل معه ومعالجته، ولا زالت ملامح هذا العجز متجلية في طريقة تدبير المرافق العامة بالمدينة التي رصدت لها المليارات في نطاق مخطط “طنجة الكبرى”.
والمتجول بوسط مدينة طنجة اليوم، ما بين ساحة فرنسا وشارع المكسيك وشارع الحرية، وصولا إلى ساحة 9 أبريل وطريق إيطاليا، يدرك أن العقلية “البدوية” لا تزال تهيمن على طريقة تصور وتدبير شؤون “التجارة” بهذه المدينة التي تحولت إلى فضاء مفتوح يؤثثه “سوق عام” بخضع لمنطق
أسواق الرصيف وفوضى الرصيف و “سيبة” الرصيف، بما يمثل ذلك من إضرار بحياة ومصالح المواطنين ويعرضهم لألف خطر وخطر، حيث الازدحامات والسرقات والإعتداءات والعنف، فضلا عن حوادث السيرحين يضطر المواطنون إلى النزول إلى قارعة الطريق بسبب الإحتلال البشع للأرصفة !…
وأعود إلى سوق كاساباراطا، وهو مشروع لـ”الدور الرخيصة”الذي يقابل في عهد نبيل بن عبد الله، مصطلح “السكن الاجتماعي” ( ! ) أقامه الإسبان في منطقة كانت بعيدة شيئا ما عن وسط المدينة، وكانت تلك “الكاساس براطاس” من طبق واحد أرضي، ولكن متانة البناء وصلابته مكنت الناس من بناء طابقين علويين وأحيانا ثلاثة، ولم يحدث أن تضررت تلك المساكن ، بفعل ذلك. ولعل في ذلك درس وعبرة لمهندسينا ومعماريينا ومهنيي العقارعندنا !….
سوق كاساباراطا بدأ قرويا، يعمر يومين في الأسبوع يقصده أهل الفحص والقرى المجاورة، لعرض منتوجاتهم الزراعية وبه كان أيضا فضاء للماشية، قبل أن يتهافت عليه بعض المتنفذين فيحولونه إلى كعكة كان للكل نصيب فيها…. بل إن مجلسا بلديا سابقا هيأ جانبا من أرض فارغة بالسوق ، وشكل فيها “حوانيت” تحصل على العديد منها بعض رجال الحال، ولكن المشروع لم يكتمل… وضيعت الصيف اللبن !….
وبقدرة قادر، فتح السوق في وجه “التهريب “المعاشي” (يعني) ليتوسع، ويزدهر، وتغيب عنه لمسة “الفقر” والتعاسة وينتعش ، ويتحول إلى “سوق ممتاز” يجد فيه المتسوقون كل ما يحتاجونه من ملبس ومأكل وترفيه وكماليات تكنولوجية متطورة من تليفزيونات وهواتف محمولة وثلاجات وتجهيزات منزلية قد لا تتوفر عليها أحدث الأسواق الممتازة بالمغرب،رغم منافسة أسواق تطوان وكاسطييخوس! وبالرغم من الغنى الظاهر في مظهره، فإنه لم يتخل عن عشوائيته، ولا تفسير لذلك إلا بعجز المجالس المنتخبة والإدارة الترابية على مسايرة التطور الطبيعي الذي شهده هذا السوق، بفضل سياسة “التبادل الحر” بينه وبين مراكز “الكونطراباندو” ” في سبتة ، تلك المدينة التي لم تقو على مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها اسبانيا إلا بفضل مئات المغربيات اللائي يستعملن يوميا في حمل جبال السلع التي تنفذ إلى أسواقنا وحوانيتنا وبازاراتنا في أمن وأمان رغم تعدد “الباراجات” التي تؤثث بشكل دائم، مختلف الطرق التي تؤدي إلى أسواق التزود الاسبانية !
سوق كاساباراطا ليس الأول الذي تلتهمه النيران ، ولن يكون الآخر بكل تأكيد، كما أن الحرائق التي شهدتها أسواق طنجة، بدءا من سوق عين قطيوط الذي تمكن أصحابه بمجهود ذاتي من إعادة بنائه وتشغيله، لا يصعب اختزالها، دوما، في تماس كهربائي، ولو أن الأمر وارد اعتبارا للطريقة “المغشوشة” التي يتم بها ربط أسلاك الإنارة بالشبكة أو بالتحاول على الشبكة بتواطؤ الجوار…..
سوق كاساباراطا يغري بموقعه المتميز الذي صار اليوم بوسط المدينة التي كبرت واتسعت على كل الواجهات، وبفضائه الواسع حتى أن الملاحظ المحايد يصعب عليه عدم الإعتراف بأن الوعاء العقاري لذلك السوق يمكن أن يدفع اللاهثين وراء العقار إلى تصور كل السيناريوهات من أجل “إنعاش العمران بمدينة طنجة” خدمة للمدينة وسكانها. طبعا !!!!…..
أنا لن أتحدث عما شاع من تأخر وصول رجال الوقاية المدنية ومن ضعف التجهيزات التي دفعوا بها لمواجهة ألسنة اللهيب ، لا ولا عن تأخر وصول رجال الحال إلى “مسرح النار” ولكل واحد منهم من الأعذار ما ما يعفيه من المحاسية. ذلك أن وقت نشوب الحريق تزامن ووجود رئيس الحكومة بطنجة لحضور حفل زفاف ابنة رفيق وصديق في الله والدين والوطن، والعادة أنه متى حضر رئيس الحكومة أو حتى وزير منتدب، وجب التفرغ له حتى ينصرف ، ولو أن السيد بنكيران استحلى “القعدة” بطنجة، على حساب “أجندته” العامرة بكل خير، وقرر القيام بزيارة مفاجئة لكاب سبارتيل حيث شاهد جمال الموقع و”تصور” مع عدد من الزوار المغاربة لتنشر تلك الصور على موقعه الاليكتروني، كنوع من التعبير عن رضاه على “فسحته” بطنجة، خاصة وأنه كان ربما الوحيد بين وزائه الذي فضل قضاء عطلته السنوية بمنزله بحي الليمون بالرباط. “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون” ……
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف للمسؤولين المحليين إدارة ومنتخبين، أن يغفلوا عن وضع السوق الذي لا يمكن أن يوصف إلا بالكارثي، ولم يتوقعوا حدوث مثل هذه الفواجع ويستبقوها بحلول تقنية وقائية ، ما دامت الأسواق فوضى وسيبة واضطراب !… بل وكيف يمكن الاطمئنان على براريك متهالكة من خشب وصفيح تكدس فيها أطنان من مواد قابلة ليس فقط، للاحتراق ، بل وللانفجار أيضا !!!…
نعم، نعم، أعلم أنه توجد مخططات لإعادة هيكلة بعض الأسواق “الشعبية” تتطلب إفراغ الأسواق من أصحابها مع الوعد بـ”توطينهم” عند نهاية الأشغال. إلا أن العائق الكبير في هذه العملية، يبقى عنصر الثقة . فالمواطن فقد الثقة في أقوال ووعود الإداريين والمنتخبين على عد سواء بسبب الوعود المنبوذة والعهود المنكوثة و تشبث السلطة بمنطق “العصا لمن عصى” وهو منطق مستفز ومتجاوز في مقل هذه الحالات.
وقد لاحظنا أن أصحاب المحلات والمنازل التي أتت عليها النيران طالبوا بـ “ضمانات” واضحة من السلطة والمنتخبين قبل إفراغ محلاتهم ومنازلهم التي تم الشروع في هدمها حتى قبل صدور قرار إداري بالهدم، بذريعة أنها آيلة للسقوط.
عدم الثقة في المسؤولين ناتج عن توجس أصحاب الأسواق موضوع مخططات الهيكلة، في إمكانية السطو على هذه الأسواق من طرف “عشاق الأسمنت المسلح” الذين تسيل لعابهم لمجرد التفكير في إمكانية الاستفادة من الأراضي التي يرفع عنها عطاء البراريك والحوانيت القصديرية.
وحتى تكمل “الباهية”، استغل بعض الغرباء الغموض الذي لف الوضع،ومنه ضعف الوجود الأمني بالمنقطة، من أجل سرقة، التجهيزات الإلكترونية الرفيعة والباهظة الثمن كالهواتف “الذكية ” والحواسب المحمولة حيث اقتحموا المحال التجارية للسطو على ما بداخلها من سلع نفيسة ، ليتم التصدي لهم بقوة وذكاء ، من طرف الباعة، الذين تكتلوا بشكل جيد، موزعين المهام فيما بينهم، واضعين حواجز تمنع كل غريب من الاقتراب من محلاتهم التجارية، خاصة وأن سهرة الدوزي، بمنصة باب المرصى، ضمن فعاليات مهرجان “ثويزا” استفادت من حراسة أمنية مكثفة.
ومع قبولهم بحسن نية السطات المحلية والمنخبين، في ما قدموه من وعود، إلا أن جو الاحتقان بدا واضحا وملموسا داخل تجمعات المتضررين بسبب ما ادعى بعضهم من أن مخطط “الترحيل” يكتنفه الكثير من الغموض بحيث إن السلطات المحلية لم تقدم أي توضيح بخصوص تفاصيل مخطط إعادة هيكلة السوق وحال عودة التجار إلى محلاتهم والسكان إلى منازلهم، معربين عن تخوفاتهم من إمكانية حدوث مفاجآت غير سارة في المستقبل.
الأمل كبير إذن، في أن يقف المسؤولون عند وعدهم وأن يوفوا بالتزاماتهم نحو المواطنين الذين هم في أمس الحاجة إلى العطف والمساندة، لأنهم يمرون بمحنة قاسية أصابتهم في رزقهم ورزق أولادهم وعائلاتهم ورمت بهم في دوامة من المخاوف وعدم الاستقرار.
عزيز كنوني