خطاب جلالة الملك .. إشارات قوية لمغرب جديد و إنذار بالمرموز لكل متهاون حسب أنه ضم أبناء المغرب الى سلالة عشيرته
الأربعاء 10 غشت 2016 – 11:38:32
في سياق تغيرات جديدة يفرضها المغرب داخليا وخارجيـًا، يُؤكّد العـاهـل المغربي الملك محمد السادس أنَّ الخَطَـوات المُتّبَعَة في الدَّولة في سَبيل اتْمام الإصـلاحـات المطـروحـة تسير في طريق مُتّـزن وتعبّـر عن تفكير مُسبَــق في الأهداف المـوضـوعـة. وقد ظَهرَ ذلك في عدد من القَـرارات والتَطوُرات في السياسة الدَّاخلية المغربية وخـاصـة مع الأحزاب والمُجتمَـع المَدَني والتنمية الاقتصادية وأيضــًا على المستوى الخارجي في ما يخص تَنويع التحـالُفـات الدَّولية وعدم الاقتصار فَقط على المحـور الأوروبي بما فيـهِ مصلحة الوحدة الوَطنية المغربية والسيادة على كاملِ أراضيهِ من طنجة شَمـالاً إلى الكويرة في أقصى الجنوب على المحيط الأطلسي.
آخر المؤشرات في سياق هذا التمشي السياسي والدبلوماسي الثابت ظهرت مع خطاب العاهل المغربي بمناسبة عيد العرش السبت، حيث
تناول الخطاب محاور عديدة تشكل الرؤية العامة للدولة المغربية منها ما يتعلق بالمشهد السياسي والانتخابات المنتظرة وموقف الملك من بعض التجاذبات، ومنها ما يتعلق بالخارج وموقع المغرب على المستوى الأفريقي خاصة.
المغرب فوق الجميع
كان لتصريح رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، في ما يخص علاقة المؤسسة الملكية بالبعض من الأحزاب السياسية صدى جد سيء لدى شق واسع من المغاربة نظرا لما فيه من إقحام للمؤسسة التي تحظى بإجماع المغاربة في التجاذبات والحسابات السياسية والانتخابية. وبذلك كان رد العاهل المغربي الملك محمد السادس في هذا السياق ردا واضحا قائلا “إنني لا أشارك في أيّ انتخاب، ولا أنتمي لأيّ حزب فأنا ملك لجميع المغاربة مرشحين، وناخبين، وكذلك الذين لا يصوتون ولكل الهيئات السياسية دون تمييز أو استثناء، وكما قلت في خطاب سابق فالحزب الوحيد الذي أعتز بالانتماء إليه هو المغرب”.
بنكيران الذي يرأس الحكومة وينتمي إلى حزب العدالة والتنمية المغربي (الإسلامي) كان قد صرح قبل فترة بأن “المغرب يحتوي دولتين داخل دولة، الأولى رسمية والثانية للقرارات والتعيينات”، في إشارة إلى تدخل المؤسسة الملكية في البعض من القرارات. لكن رد الملك كان بليغا وواضحا في أنه لا تدخل لصالح طرف على آخر أو تمييز بين المغاربة، قائلا “شخص الملك يحظى بمكانة خاصة في نظامنا السياسي وعلى جميع الفاعلين، مرشحين وأحزابا، تفادي استخدامه في أيّ صراعات انتخابية أو حزبية”.
وفي السياق ذاته قال رئيس المركز المغربي للسياسات العمومية رضا الهمادي، إن “أهم ما جاء في الخطاب الملكي، هو دعوة الأحزاب السياسية في الأغلبية والمعارضة إلى عدم إقحام المؤسسة الملكية في الصراعات السياسية الضيقة، والكف عن استعمال المفاهيم التي تسيء إلى سمعة الوطن، وهذا فيه رد من المؤسسة الملكية على تصريحات بنكيران الأخيرة”.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المغربية في أكتوبر المقبل، يتسم المشهد السياسي المغربي بالحركية السريعة والتصريحات النارية التي تخرج من هذا أو ذاك، مثلما كان الأمر مع بنكيران. وقد وصفت القيادية في حزب الأصالة والمعاصرة ميلودة حازب الطريقة التي يقحم بها رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران الملك في خطاباته بـ”غير السليمة”، مؤكدة أن خطاب بنكيران خطاب تشكيكي يدخل في إطار خطة تهدف إلى “ابتزاز” و”مقايضة الدولة” على البقاء في الحكومة.
دبلوماسية قوية
قال صبري لحلو، الخبير في القانون الدولي والهجرة ونزاع الصحراء ،إن هذا الخطاب بدأه الملك بحديثه عن الإطار الثلاثي الديني والتاريخي والوطني المحدد لمسؤولياته في تكليف وتمثيل وخدمة كافة المغاربة، “واتخذ ذلك وسيلة للنأي بنفسه عن أي استعمال بمحاباته أو اتخاذه موقفا لصالح فريق سياسي أو حزبي ضد آخر، ووجه تنبيها في شكل إنذار إلى من يتخذ ذلك سبيلا وسياسة لدعم مركزه الانتخابي”.
“الملك في هذا الخطاب أعلن 2016 سنة الحزم لمواجهة سنة الحسم التي أعلنها أعداء الوحدة الترابية وتأكيده على خيار الحل التنموي، والدليل هو ربط العودة إلى الاتحاد الأفريقي بطرد “جبهة البوليساريو”، ثم التأكيد على سياسة تنويع الشراكات الدولية والانفتاح على شركاء جدد دونما التنصل من الشركاء السابقين”.
بهذا التحليل أكد رضا الهمادي أن التعامل المغربي مع ملف الصحراء أصبح ضمن القراءات الإستراتيجية لتناغم المغرب الداخلي وموقعه الإقليمي والدولي ضمن التغيرات العميقة التي تحدث في المنطقة العربية وأوروبا. وبهذه الكيفية يمكن تفسير القرارات الأخيرة التي اتخذها المغرب بالعودة إلى الاتحاد الأفريقي بعد 32 عاما من تجميد عضويته احتجاجا على قبول الصحراء المغربية دولة عضوا في الاتحاد رغم أنها لا تملك ولو مقوما واحدا من مقومات سيادة دولة أو نقطة من نقاط تعريف الدولة وفق الفلسفة السياسية الحديثة.
وقد جاء في خطاب العاهل المغربي في عيد العرش السابع عشر أنه “ومن منطلق الإيمان بعدالة قضيتنا تصدينا بكل حزم للتصريحات المغلوطة والتصرفات اللامسؤولة التي شابت تدبير ملف الصحراء المغربية واتخذنا الإجراءات الضرورية التي تقتضيها الظرفية لوضع حد لهذه الانزلاقات الخطيرة وسنواصل الدفاع عن حقوقنا وسنتخذ التدابير اللازمة لمواجهة أي انزلاقات لاحقة”.
هذا التصريح يعد تأكيدا لما ذهب إليه مراقبون من أن السياسة الخارجية المغربية بدأت فعلا مرحلة جديدة في اتجاه حماية الوحدة السياسية الكاملة للبلاد بما فيها الصحراء المغربية، خاصة وأن الموقف الأممي عــوض أن يكــون مُحـايدًا جـــاءَ مُنحـازًا بشكلِ واضـح للأطراف الانفصالية، بل إن تصريحات بان كي مون الأخيرة بخصوص الصحراء المغربية عند زيارته للرباط كانت محل امتعاض شديد من قبل الشعب المغربي الذي طالب بطرد الأمين العام من البلاد.
المفهوم الجديد للسلطة
“المفهوم الجديد للسلطة يعني المساءلة والمحاسبة التي تتم عبر الآليات، آليات الضبط والمراقبة وتطبيق القانون وبالنسبة للمتخبين فذلك أيضا يتم عبر الانتخاب وكسب ثقة المواطنين كما أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله في الانتخابات والقضاء والإدارة وغيرها من عدم المسؤولية، فالفساد ليس قدرا محتوما ولم يكن يوما من طبع المغاربة”.
بهذا الجزء، أسس العاهل المغربي الملك محمد السادس لمنهج جديد في رؤية سير العمل في المغرب بطريقة تكون فيها الديمقراطية والتعددية في البلاد سائرتين بشكل متواز مع ضرورات الحفاظ على الإدارة وسلامة الخدمة العامة وخاصة مكافحة الفساد وكل الظواهر المرتبطة به، لأن محور الفساد يعد أهم الركائز الأساسية في حماية وحدة المغرب داخليا ودعم الثقة في الدولة ومؤسساتها وهيبتها.
وقد ربط العاهل المغربي في خطابه مسألة التطور السياسي بما في ذلك الديمقراطية والتعددية واحترام الحقوق والحريات بمسألة التنمية والتطور الاقتصادي وهذا ما شكل تكاملا يرى مراقبون أنه نابع من نظرة شاملة للمسائل التي تحرك حياة المواطن المغربي في نواحي الانتماء إلى تيار سياسي يعبر عن رغباته في دولة تدعم مستوى عيش المواطن على المستوى الاقتصادي والتنموي والمالي وغيرها.
ويقول العاهل المغربي في هذا السياق قائلا “إننا نؤمن بأن التقدم السياسي مهما بلغ من تطور سيظل ناقص الجدوى ما لم تتم مواكبته بالنهوض بالتنمية”.
و رجوعا الى الرسائل القوية لحزب الأغلبية ، و بما أننا لسنا بحاجة اليوم لتوضيح ما يهدف إليه السيد رئيس الحكومة في نهاية عمره الحكومي، غير أن ما يجب توضيحه هو الوضعية الكارثية التي وصل إليها البلد، و ما صاحبها من آليات إفراغ النموذج التنموي الحقوقي والاجتماعي المغربي من محتواه السياسي التقدمي، ومن روحه الحداثية، والعمل على قلب أسس الانتقال الديمقراطي رأسا على عقب، حينما جمع السيد بنكيران بين الدين و السياسة ضمن تصور شمولي يستند أصوله من تجريم العقل ونبذ الحوار و تعظيم “الجماعة الصالحة”.

إن رئيس الحكومة على وعي تام بأن ولايته الخماسية لا يوجد لها وقع اقتصادي ولا اجتماعي ولا أكاديمي ولا ثقافي، على رغم ادعائه لطابعها الإصلاحي، وتوجد لدى كل فئات الشعب المغربي ما يكفي من الأدلة الدامغة التي تكشف التسيير الحكومي بمنطق “اتحاد العشائر” وبمنطق “التمكين من أجل التسلط” و بمنطق “التشكيك في الدولة” وزعزعة إيمان المغاربة و محاولة ضرب الموروث الثقافي المغربي الذي يستمد مشروعيته من التعدد في الدنيا في إطار وحدة الوطن والدين.
اليوم دقت ساعة الحقيقة، و لم يعد أحدا يثق في خيارات رئيس الحكومة، الذي وجب عليه اليوم أن يحدد موقفه من المؤسسة الملكية بوضوح، بدل المحاولات اليائسة في زرع الفتن والتشكيك في المؤسسات وترويج المغالطات باسم السلطة، والتشجيع على الفساد والرشوة واستغلال المال العام في تثبيت المناصب بدل دعم الاستثمار. إن الاعتراف بالفشل فضيلة، والقول بأن رئيس الحكومة وعشيرته قد بلغا أهدافهما ليس سوى مديح ريب.
فالحراك السياسي اليوم يتصدره عنوان الإصلاحات الجذرية والتراجع الفوري عن كل الفصول النكوصية التي اكتوى بنيرانها العالم القروي والمعطلون الشباب وذوي الكفاءات العالية، والنساء، و الطبقات الفقيرة والصغيرة والمتوسطة، والطلبة والعمال والفلاحين وأصحاب المقاولات المتوسطة والصغيرة والصغيرة جدا، الخ.
وعليه، فإن مستقبل بلادنا اليوم بيد كل القوى المؤمنة بالحريات العامة و بحقوق الإنسان و بالمواطنة و الحياة الديمقراطية، بعيدا عن كل أشكال الارتزاق الحزبي و الابتزاز السياسي، الذي يضرب في العمق السلم و الاستقرار ويشكك المغاربة في قوتهم و ذكائهم و طاقتهم البشرية القادرة على مجاراة واقعنا و عصرنا.