النفاق الإجتماعي ..”سمعت” بأمّ عيني .. و “رأيت” بأمّ أذني ..متديّنون و مثقفون و محجبات و سافرات و رجولة و أنوثة .. منافقون و منافقات
الإثنين 15 غشت 2016 – 17:49:49
ما سأتنـاولـه في سياق هذه المقالة هو حصيلة ما «سمعت» عيناي… بمعنى تحويل الملاحظة البصرية إلى سلوك كما لو كان بياناً يُلقى مباشرة… كما هو أيضاً حصيلة لما «رأت» أذناي… بمعنى رؤية الخطاب والكلام والتعبيرات كما لو كانت سلوكاً مباشراً يُرى بالعين تماماً…
أكثر ما يستفزني، و بــالتــأكيد يستفز الكثيرين غيري، هو النفاق الاجتماعي، الذي يتجلى في فعل وأداء جسدي وسلوكي ولغوي ليس له علاقة بالقناعات والمواقف الحقيقية المضمرة للفرد والجماعة…
ما سمعته عيناي ورأته أذناي… سمعته عيون الكثيرين كما رأته آذان الكثيرين، فقط لنتذكر ونسترجع… ونستعيد تجربتنا من واقع الحياة… ولكن هذا مشروط بامتلاك الجرأة على البوح والقول والنقد، وسنرى حينها كم ستصدمنا الحقيقة بقسوتها… وسيصدمنا أكثر كيف نتحمّل كلّ هذا النفاق بصمت ومن دون أيّ رد فعل أو خجل… هي مجرّد أمثلة وحالات… وهي مفتوحة للإضافة حتى تصل أعمق أعماقنا.
متديّنون… ولكن!
في معظم المناسبات الاجتماعية العامة، عرس، وليمة، عزاء، حفلة للتهنئة بنجاح أو بعودة من سفر أو من الحجّ… فجأة تتحوّل الجلسة بقدرة قادر إلى جلسة لإلقاء المواعظ الدينية… ومع ذلك ليس هذا هو الغريب… الغريب أنّ جميع الحاضرين يتحوّلون إلى مفتين ومرشدين ووُعّاظ… والأغرب أنّ الجميع يصبح فجأة على الصراط المستقيم… الكلّ يبسمل ويتعوّذ ويحوقل ويستدعي ويصلي على الأنبياء والصحابة… بل ويعلو النقد عن الفساد الأخلاقي والسلوكي وخاصة تجاه المرأة… والأغرب من كلّ ما تقدّم… أنني أعرف معظم الحاضرين وأعرف تفاهتهم وتفاهة سلوكهم الاجتماعي الذي ليس له علاقة بما يقولون… وقد رأيت رأي العين كيف أنّ أحدهم يتعوّذ ويشتم عندما تمرّ فتاة أنيقة تسير في حال سبيلها وفي ذات اللحظة يكاد ذات «المؤمن» أن يعرّيها ويلتهمها حية… كأكلة لحوم البشر .
تلك هي ثقافة القطيع والرياء وعدوى التديّن الشكلي أو «التديّن الملتبس» لا أكثر، ولا علاقة لها بالدين البسيط الإنساني والعميق من قريب أو من بعيد… هي فقط محاولة كسب الاهتمام… إذ أنّ وعي هذا النمط من الناس يستبطن الشعور بالنقص والهامشية، وبالتالي يكون التعويض من خلال تقمّص التديّن، ايّ الاستنجاد بالنفاق الجمعي وحينها على الجميع أن يصمت وأن يوافق حتى وهم يعرفون أنه غير ما يقول تماما… والسكوت بل والتشجيع في هذه الحالة يعني: سأسكت على ما تقول مقابل أن تسكت على ما سأقول… وهكذا… وفي هذه الحالة مَن سيحاسب مَن؟
ولكن يا هؤلاء… ما دمتم كذلك… فلماذا تكذبون… ولماذا تراوغون ولماذا ليست علاقتكم مع أبنائكم وبناتكم وجيرانكم وزوجاتكم وشقيقاتكم وفي عملكم كما تقولون… ها…؟ آه… هذا موضوع آخر…! كلا… بل هذا هو كلّ الموضوع… وغير ذلك كلام ولغو فارغ… ما علينا!
مثقفون ولكن…!
في اللقاءات الثقافية والأدبية… حيث تجتمع «نخبة» القوم كما يُقال… فجأة تغمر الثقافة الجميع… وينفلت عقال النقد والغضب من ضحالة الثقافة السائدة… وكيف تراجعت بل واختفت عادة القراءة مثلاً… وكيف… وكيف… يجري هذا مع أني أعرف العديد من هؤلاء، كما أعرف أنّ بعضهم قد يكون آخر كتاب قرأه هو الفرسان الثلاثة لأكسندر دوماس … أو طرزان ربيب القرود قبل 20 أو 30 عاماً، وربما كتاب الأبراج… أو عذاب القبر… ومع ذلك ينتقد سطحية الجيل الراهن ويبكي على تراجع مكانة الكتاب وعادة القراءة… والجميل أكثر هو عندما أحمل كتاباً كهدية لأحدهم… في مناسبة عيد ميلاد أو زواج مثلاً… فيفاجئني بهتاف واو! … انفعالاً ودهشة… وبعد دقائق يرمى الكتاب… الحق عليّ أصلاً كان المفروض أن اتعلّم… أن فناجين قهوة تلك هي الهدية… فناجين… فناجين… والفناجين تلك تعرف وظيفتها… حيث ستذهب لاحقاً هدية لطرف ثالث… أما الكتاب…يا حسرة…!
وهنا لا بأس من مداعبة هتاف الواو قليلاً… بصراحة أنا أكره هذه الواو وسذاجتها وسطحيتها ونفاقها… لأنها تذكرني بالبرنامج التلفزيوني الأميركي الشهير «أوبرا»… تقول أوبرا للحضور وهي في ذروة الانفعال: سأهدي كلّ واحد من الحضور قلم رصاص… فيضجّ الحضور بانفعال جمعي: واو! قلم رصاص… واو…! يا قلبي … بل وبعضهم تدمع عيناه انفعالاً…
نعم قلم رصاص… قلم رصاص عادي! هذه الواو تقهرني…
ومع ذلك… ما علينا!
كم هو جميل أن نستمع إلى تعليقات البعض عندما يجري الحديث عن مشكلة بين شخصين أو عائلتين تطوّرت إلى اشتباك وعراك وربما دماء… على متر أرض أو على أولوية المرور أو بسبب التسابق على موقف سيارة أو حمار أو حتى عند شراء ربطة خبز أو بطة عرجاء… يستهزئ الكثيرون ويضحكون ويشتمون قلة عقول هؤلاء الذين يتعاركون على متر أرض أو موقف… أو … لنتفاجأ بعد أيام أنّ أحد هؤلاء قد شجّ رأس أحد آخر لأنه طلب منه أن لا يلقي القمامة في الشارع… وآخر قد كسر جميع زجاج بيت جاره – جاره منذ ثلاثين عاماً – لأنّ إبنه قد تعارك مع إبن الجار المذكور على كرة …… ما علينا!
حجاب وسفور… ولكن…!
قَنـاعـة غبيـة تُهيمن على عُقـول الذُــكور والإنــاث مَفــادها أنّ الفَتــاَة بمُجَــرّد أن تلبس الحجـــاب فهي مؤدّبة ومحتشمة ومتخلقة… ومن لا تلبس المنديل أو الحجاب فهي خفيفة ومباحة ولا أخلاق عندها… مع أني أعرف كثيراً كثيراً… والكثيرون غيري يعرفون كثيراً كثيراً من النماذج التي ليس للحجاب أو المنديل علاقة أخلاقية بسلوك الفتاة المعنية… كما أعرف الكثير الكثير من الفتيات «السافرات» أحببت أن أستخدم هذا التعبير كما هو… بما يحمله من إيحاءات وشحنات سلبية مسبقاً اللواتي يعتقد البعض أنهنّ صيد سهل… مع أنّ الواحدة منهن في الحقيقة والواقع بألف «شاب» لا يساوي درهماً في سوق الرجال وغير الرجال… فالأخلاق ليس لها علاقة باللباس وإنما تعود إلى الوعي والتربية والثوابت وأصول العلاقات ومفهوم الحرية والمسؤولية وقوة الذات…
الوجه الآخر لهذه العملة الصَدِئَـة هي أن تسود نظرة عند جماعة «المودرن» أنّ كلّ من تلبس حجاباً يعني «محجبة» نفس التعبير يحمل إيحاءات وشحنات سلبية مسبقاً فهي متخلّفة… ورجعية وغير حضارية… يا سلام…؟ هكذا هي العبقرية والحضارة..! إنّ أقل ما يُقال في هكذا نظرة أو موقف أو سلوك أنه ساذج وسطحي وغبيّ… فمن قال إنّ التنورة مؤشر ذكاء والحجاب أو الثوب الفلاحي أو البدوي مؤشر تخلّف… من قال ذلك؟ فعلى حدّ علمي المتواضع أنّ «الحجاب» أو «السفور» لا يعطي عقلاً ولا يرفع ولا يخفض شأنا… هي قناعات ومعتقدات لا أكثر فلنحترمها بذاتها ولا نسقط عليها ما ليس فيها… ولكن «يلاّ» ما علينا!
رجولة وأنــوثة… ولكن…!
يفاجئك سلوك بعض الشباب الذي يعتقد أنه بقدر ما يكون شرساً وعدوانياً، وبقدر ما ينفخ صدره كديك حبش أحمق… فإنه بهذا يثبت أنه رجل ولا كلّ الرجال… أما الأدب والأناقة والدماثة والتواضع فهي دلائل على الهشاشة والضعف والجبن…! وقد نسي هؤلاء أو أنهم لم يسمعوا يوماً بحكمة العرب كما صاغَهــا شعراً “عبــــاس بن مرداس” :
ترى الرجلَ النّحيفَ فتزدريهِ وفي أثوابِهِ أسدٌ مُزيرُ — ويعجبك الطريرُ فتبتليه فَيَخلِفُ ظنُّك الرجل الطريرُ
أما على المَقلب الآخــر من اللَّــوحة فيفاجئك سلوك بعض الفتيات اللواتي يعتقدن أنه بقدر ما تكون الفتاة مائعة و«دلوعة» واتكالية وضعيفة وهشة بقدر ما تكون أكثر أنوثة… و يُبـالغـن في هذا السلوك الأبله حتى تتحوّل الواحدة لتصبح مجرّد لعبة غبية في الواقع وفي البيت مثلا تتحوّل إلى رامبو …
والآن قولوا لي وللآخرين بصراحة… هل ما «سمعت» عيناي… وما «رأت» أذناي… هو فعلاً هكذا…؟ أم أنّ عليّ أن أتوجه إلى أقرب عيادة طبية لتغيير مواقع عيني ومواقع أذني…؟ أم أنكم أيضاً مثلي هكذا… ترون بآذانكم وتسمعون بعيونكم….