المدينة والقصيدة.. !!
جريدة طنجة – محمد سدحي ( “أقلام” )
الخميس 18 غشت 2016 – 02:14:18
• في البدء كانت المدينة، ثم جاءت القصيدة على محمل الذاكرة الفولاذية، تشق طريقها الملغم بين الكتل البشرية والحجرية، وتضرب بما لها من الخفة والعفة في زحمة الأوغاد الذين أغلقوا الأبواب ورموا بالمفاتيح في المجهول..
قصيدتي، إلى المدينة تؤول.. وتبوح لها بالمكنون..
كلاهما أنين وضرب في التيه وخبط في المعنى.. واللا معنى..
بين المدينة والقصيدة تجري مياه كثيرة.. إلى حتفها.. إلى مأواها الأخير.. إلى قاع البحر..
لو لم تكن مدينتي محاطة الجوانب بثلاثة بحور، المقتضب والبسيط والمديد، لما ركبت قصيدتي (المؤجلة، دوماً) بحرها الطويل (اللسان): فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن… والوتد، لتذكير قدماء التلاميذ، أطول من السبب..
ولسبب ما، شهدت نور مدينتي وأنا في ظلمة بطن أمي لا أزال.. قبل العطسة الأولى، على مشارف المدينة، في يوم صحو، لّوحت فيه نخلة حينا القديم، بمنديل الوطن، لقبّرة شاردة في المقبرة، تتوزع بين الأشهاد المطلة، في شموخ أبدي، على ما يجري ويدور في المدينة المصابة بأنيميا الشعر..
الطفولة الشقية تكبر فينا.. ونحن نسعى، أوبة وذهاباً، بين منبع الأحلام والعشش الدافئة المفعم بأريج المحبة والحنان ونفَس جدتي العبق..
سامحك الله يا جدتي يا جبارة قيد حياتك.. أنت التي أذكيت فيّ كل هذه الوقاحة وأوقدت في رأسي هذه الحرارة التي تجلب لي كثيراً من الأعداء وقليلاً من القصائد.. وأنا على عهدك سائر وخائض حروبي الخاسرة ضد أولاد القاف أينما وحيثما وكيفما… حتى يقضي الله أمراً..
حظي من الشعر قليل قليل.. وحظي من المدينة أقل أقل.. ولأنه، في البدء كانت المدينة، ثم جاءت القصيدة، فإن قصيدتي شحيحة وضئيلة.. وكلما ترحرحت المدينة وزادت في طغيانها انكمشت القصيدة وانكمشت حولها في العش الدافئ الآهل بذكرى جدتي قدس الله روحها..
قال الأوغاد الذين يوزنون بميزان البصل: لم يعرف كيف يأكل الكتف فأضرم نار القصيد في حقول الشعر والشعير، مخلفاً الأضرار في السائل والحائل والزرع والضرع.. فكانت قصيدته التي مطلعها “غلبت الروم في أقصى الأرض” نذير شؤم ومدخلاً لرذاذ الموج الهادر الذي أصاب العبيد قبل الأسياد في المقل..
ولهم ولغيرهم نقول: يشهد الله أننا لم نشته يوماً أكلة الأكتاف.. ولو كان الأمر غير ذلك لما كنا نجيد رقصة هز الكتف أمام من يملكون مفاتيح المدينة.. وما كنا للوسطى شاهرين في وجه المنصة المبنية على النصب، نكاية في سيبويه..
أنا لست مستاءً لأن المدينة أعطتني بالصد، ولكني حزين لأن قصيدتي تأخرت عن الموعد، وبحور الخليل هائجة ومائجة في الرأس وفي القلب.. والله يعمل شي تاويل خير.. آمين.
****
خارج النص :
في هذا الصبــاح، تصادَفــت مـــع (ن.أ) في باب مكتبه. فاجأني بغضّ البصر، على غير عادته معي.. قلت مع نفسي: أنا لم ألعن له قديساً ولا قتلت له عزيزاً، لذلك كان ردي على تحيته الباردة بأجمد وأصقع منها.. وأضفت متمتماً لبعضي، مستحضراً قول جدتي: من البحر إلى هنالك.. ومن كان يعطيني شيئاً فليجعله في عهدة “تيكميد”.. وبه وجب الإعلام.. وفقط.
– نلتقي ! !