مناهضة العنف ضد النساء نعم…ولكن!
جريدة طنجة – سمية أمغـار ( العنف ضدَّ النساء)
الأربعاء 27 يوليوز 2016 – 16:36:49
هذا المشروع قَضَى سَنَـوات “تحت الدرس” بعد أن اعترضَ عليه داخل مجلس للحكومة سنة 2013 لخلافات جوهرية حول تحديد مفهوم العنف بالنسبة للذين يعتبرو المرأة “جارية” على الزوج توفير ما يلزمها من الأكل والملبس وعليها الخدمة والطاعة وبين بعض من يسمون بالحداثيين الذين تجرأوا على اعتبار أن المرأة كائن بشري له ما للرجل من حقوق وعليها ما عليه من واجبات. كما أن المشروع الذي تقدمت به الوزيرة الحقاوي أغفل وضع إطار للمتدخلين في نطاق العنف ضد النساء وطريقة التكفل بضحايا العنف وحمايتهن، وإغفال الوسائل المسطرية المتعلقة بالإثبات، وتجريم حالات يمكن اعتبارها نوعا من العنف كالاغتصاب الزوجي وانتهاك حرمة جسد المرأة وزواج القاصر، وكان الحل قبل أن “تخمر” الأفكار وتلتئم المواقف أن يعاد إلى المشروع إلى لجنة وزارية برئاسة بنكيران قبل أن “ينفى” المشروع إلى دار “الأمانة” ليظل ولسنوات مطلب هيئات النساء بالمغرب التي ترى أن المساواة شرط لكل مبادرة تهدف إلى تفعيل دور المرأة في المجتمع.
القانون استجاب لبعض جوانب المطالب النسائية في ما يخص محاربة كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء على أساس النوع وتشديد العقوبات في حال الاعتداء على الزوجات أو التحرش الجنسي أو المضايقات التي قد تتعرض لها النساء سواء في الفضاء العمومي أو المهني إضافة إلى الحقوق الأخرى المدنية والأسرية , ولوحظ لأنه تم قبول بعض التعديلات التي تقدمت بها المعارضة والأغلبية بينما وقفت الحقاوي في وجه البعض الآخر، ومنها تشديد بعض العقوبات التي قالت إنها “موضوعية” في رأيها، ومنها أيضا عدم القول بـ “وجوب” منع الاتصال بالضحية وكذا ارتياد الأماكن التي توجد فيها والاحتفاظ بصيغة “يجـوز”.
التعديلات المقدمة تخطت المرأة إلى الخاطب والمخطوبة والطليق والمطلقة بينما تم رفض تعديل تقدم به الاشتراكيون بخصوص حذف الفصل المتعلق بجرائم الشرف (الزوجي).
وجاء المشروع بمجموعة من الإجراءات الزجرية من سجن وغرامات تصل إلى ربع قرن سجنا نافذا وملايين السنتيمات غرامة…
بخصوص التحرش، ينص القانون على معاقبة كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية أو بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية إى إليكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية ، بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10000 آلاف درهم. وتضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية وغيرها.
مشروع القانون الذي صادق عليه مجلس النواب، ليلة الأربعاء الماضي، بأغلبية 83 عضوا ومعارضة 22 من بين 395 نائبا يشكلون مجموع أعضاء مجلس النواب والذين لم يروا، كما يبدو، أهمية في حضور ومناقشة هذا المشروع ، الذي يجمل في طياته إيجابيات لا سبيل لإنكارها، ولكنه، بملاحظة الوضع الاجتماعي الراهن، وحالة “التسيب” في العلاقات المجتمعية، وظهور سلوكات وممارسات وأحكام جاهزة، يصعب التكهن بمدى ما يمكن أن يحققه من نتائج، وإلا كيف نفسر أن يعمد شاب إلى دس كفتي يديه في صدر فتاة آتية في الاتجاه المقابل، في واضحة النهار والشارع غاص بالبشر ممن أضحكهم المشهد، ليتابع الشاب طريقه يترنح كالبطل،…ولا أحد يغير المنكر.
وذاك الشاب الذي جمع مؤخرة فتاة بكلتا يديه، بباب مقهى كبير بشارع المكسيك بطنجة، وهي تصيح في محاولة للتخلص منه، ورواد المقهى يضحكون للمشهد، ولا من مغيث إلا الله !…
مشاهد التحرش العنيف ضد الفتيات والنساء لم يعد من معيب الأخلاق في مجتمعاتنا الفاسدة، بل إن المتحرشين بالنساء يجدون نوعا من التعاطف في الشارع، “لأنــ “ها” تستحق” !
وما تلك الحملة الرائجة الآن على بعض “مواقع الفساد الاجتماعي” التي تنشر صورا للنساء والفتيات بلباس الشاطئ إلا دليلا على الاستهتار الحاصل بحقوق المرأة التي “يجب” أن تفرض عليها “وصاية” في المأكل والملبس والمشي، حتى أن دعوات تروج حاليا بضرورة تقسيم البحر بين شواطئ للرجال وأخرى للنساء. ولربما جاء من يطالبنا غدا بمقاه للرجال وأخرى للنساء ، وأحياء للرجال وأخرى للنساء وحافلات للرجال وأخرى للنساء، وسيارات أجرة للرجال وأخرى للنساء بل ومماش للرجال وأخرى للنساء…. أليس هذا منتهى الكبت والعقد النفسية الملازمة لأنفس مريضة، قد يصعب معها تحقيق أي انتصار لحقوق المرأة !….
ويبقى السؤال تاما حين يتعلق الأمر بالعنف الزوجي بين الثبوت القانوني والنفي والتّهديد المُبـاشـر والضمني وسلطة الزوج صاحب “اليد الطويلة” مقارنة بيد الزوجة التي لا تقدر حتى على شراء تذكرة الحافلة لتقلها إلى محكمة الأسرة، فأحرى أن تواجه عالم المحاكم وما يختزنه من مفاجآت بين سير واجي، وادفع للصندوق ولــ “حامله”، وللمحامي ومساعديه…مآس كثيرة بأبواب المحاكم حتى إن سيدة مراكشية استجوبتها محطة تلفزية بشأن مواجهتها لزوجها الذي تخلى عنها، فردت .بما معناه أنها “حاولت” بوسائلها الخاصة ولكن…..الغالب الله، وغالبت دموعها….وهي تردد “الشكوى لله”.
المشكلة ليست في القانون، بل في مساطر التطبيق وصعوبة بل واستحالة إثبات العنف والضرر، وضعف الحماية الاجتماعية والتكفل “الوطني” في حال ردة فعل غاضبة من الزوج، وطول المساطر وصعوبة تنفيذ الأحكام، إلى غير ذلك مما تطلع به علينا كل صباح مختلف الجرائد الوطنية، من مآس غالبا ما تكون ضحاياها زوجات معنفات وأبناء مهملون…..ينتهي بهم الأمر إلى التشرد و…..شم السيلسيون، والإجرام في نهاية المطاف…. ونكون جميعنـا، مسؤولين عن مصائرهم .. !