في الحاجة إلى تخليص طنجة من شبكات تبييض الأموال
جريدة طنجة – محمد العمراني ( شبكات تبييض الأموال )
الثلاثاء 19 يوليوز 2016 – 09:25:18
ينبغي التذكير أنّـهُ لأسبـاب تـاريخية وسياسية ظَلَّ اقتصـاد المدينة، منذُ مـا بعدَ الاستقلال، رهينة في أيادي الشَبَكـات المافيـوزية، النـاشطة في مجالِ التّهريب الدَّولي للمخدرات، وتبييض الأموال، والهجرة السرية، ومافيا الاستيراد…
والنتيجة اقتصاد غير سليم، بنيته قـائمة على اقتصاد الريع، والاحتكار، وإنتـاج شبكة مُعقّدَة من المصالح و تبـادُل المَنـافـع، تجمع الشبكات المافيوزية بمسوؤلين في مختلفِ الإدارات والمنتخبين..
لا ينكر جاحد أن تحكم شَبكَـات تبييض الأموال في قطاعات استثمارية أساسية بالمدينة، كانت له عواقب وخيمة على الوضع الاقتصادي، ولعلَّ وضعية قطاع العقار بطنجة تبقى أهم شاهد على المخاطر الناجمة عن عمليات تبييض ملايير الدراهم، في قطاع يفترض أن يكون مُحَرِكـًا أساسيا للدورة الاقتصادية…
الجميع يعرف أن كِبار مُهربي المُخدرات أصبَحـوا مــُلاك مساحات شاسعة من الرصيد العقاري بالمدينة والضواحي، إذ يكفي القيام بجولة في اتّجاه كزنـــاية أو عمالة الفحص أنجرة، لتتفـاجـَـأ بطبيعة ملاك الأراضي هناك..
الرَّغبة الملحة في تبييض الأموال المُتحصلة من التهريب الدَّولي للمخدرات أشعلت أسِعـــار الأراضي، حتى صار المستثمـــرون الحقيقيون في مجال العقار عـاجـزيــن عن مُجــــاراة هذا الارتفاع الصاروخي في قيمة المتر المربع، ليختل بذلك ميزان المنافسة لصـالـــح شبكات تبييض الأموال، التي أصبح همها الأساس رهين في أيدي هاته الشبكات، تضخم مهول في سهر المتر المربع، اختلال ميزان المنافسة بين المستثمرين الحقيقيين في هذا القطاع وبين شبكات تبييض الأموال، الذي يبقى همها الأساس غسل الأموال القذرة وحقنها في الدورة الاقتصادية، بغض النظر عن القيمة الحقيقية لهاته الاستثمارات…
غير أن الوضع سيزداد خطورة، بعد أن صارت شبكات تبييض الأموال تزحف نحو قطاعات جديدة، لم تكن تحضى بالاهتمام، حيث أصبح كبار المهربين يقبلون على الاستثمار في قطاعات الإنعاش السياحي، والصيد البحري، بل أصبح الحديث يجري عن تمويل مستثمرين في قطاع استراتيجي وحيوي لأي دولة تتـوفــر على حُدُود بحـريـــة…
وهذا الزحف على مَجَــالات اقتصــادية، لم تكن شبكات تبييض الأموال تَجرُؤ على الاقتـراب منهــا، من شأنهِ أن يدق نـاقـوس الخطر، لما له من عـواقب وخيمة، سَتُهَدّد ولا شَك المصالح الاستراتيجية للدولة..
طبعا لا يمكن لهاته الشبكات المافيوزية أن تضع يدها على اقتصاد المدينة من دون دعم الإدارة والمنتخبين، وهذا يقودنا إلى كشف السياسية الباهظة لعمليات تبييض الأموال…
لقد نجحت هاته الشبكات في اختراق المؤسسات المنتخبة، عن طريق تمويل منتخبين لتمكينهم من الوصول إلى مركز القرار، خدمة مصالحهم الاقتصادية، كما نجحت هاته المافيات في اختراق الإدارة المغربية بجميع مستوياتها، الأمنية، الجمركية والقضائية والترابية، والجمارك..
يكفي القيام بجرد لمحاضر أشهر محاكمات مهربي المخدرات للوقوف على حجم الاختراقات التي نجحوا في نسجها بمختلف الإدارات، ومن مختلف المسؤوليات…
اليوم ومع التحديات الامنية التي تواجهها المملكة، لم يعد مسموحا للدولة أن تتساهل مع اختراق هاته المافيات للإدارة خاصة الحساسة منها،والذي بلغ مستويات جد مقلقة، إذ لم يَعُد خـافيــًا أنه في العديد من الدول عقدت الشبكات المافيوزية تحالفات موضوعية مع المنظمات الإرهابية..
الخلاصة..
بالنظر للتحولات المتسارعة التي تعيش على وقعها مدينة طنجة، لم يعد مسموحا لهاته الشبكات المافيوزية أن تحكم قبضتها على اقتصاد المدينة…
غير أن هذا الخيار الحتمي لا يبرر بأي حال من الأحوال تكرار عمليات التطهير، تعيد شبح ما عاشته المدينة أواسط التسعينيات من القرن المنصرم، والتي يجمع الكل أن تداعياتها على العباد والبلاد كانت وخيمة، وتكلفتها الاقتصادية كانت باهظة..
مغرب اليوم يفرض نهج أساليب التفكيك الناعم لهاته الشبكات المافيوزية، تجفيف علاقاتها المتشابكة بهدوء وعقلانية..
المصلحة العليا للدولة، التي تُراهن على دور استراتيجي لمدينة طنجة، تقتضي إعادة هندسة اقتصاد المدينة على أسس شفافة وقواعد لعب واضحة، ومسافة موحدة بين جميع المستثمرين..
ولذلك من غير المقبول بتاتا إقناع صناديق استثمارية عملاقة، ومؤسسات مالية دولية بالاستثمار في مدينة اقتصادها محتجز لدى شبكات تبييض الأموال…
ولذلك باتَ قرار تفكيك هاته البنية المافــيوزية أمرا حتميــًا، ومن دونه يستحيل الحديث عن طنجة الكبرى، قاطرة المغرب الجديد….