رَواتب “خَياليّة”
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( الأجور الخيالية)
الثلاثاء 05 يوليوز 2016 – 15:50:38
لقد عاد الجدل حول الأجور الخيالية التي تصرفها الدولة لمن يسمون بكبار المديرين والتي تحسب بالملايين من الخزينة العامة، يعني من أموال الشعب، بدل تلك السنتيمات البئيسة التي يتقاضاها جل الموظفين العمـوميين عند نهاية كل شهر من أشهر الله التعيسة.
هذا الجدل ليس وليد اليوم، بل إنه يثار مند عشرات السنين، ولقد سبق لوزير المالية الاتحادي فتح الله ولعلو أن فند وجود أجور “خيالية” ، الخيالي في الموضوع، قال : هو إصرار البعض في الإعلام وبالبرلمان، عن اختلاق أرقام غير موجودة على الإطلاق.
وجاء من بعده الوزير الكروج ليكشف وجود رواتب عليا يتقاضاها الموظفون الكبار في المؤسسات العمومية. ولكنه فضل الحديث عن تلك الأجور بالمرموز. فأعلى أجر سنة 2008، كان يضاعهف الحد الأدنى للأجور بـ 26 مرة، ليخوض بعد ذلك في نوعية الوظائف والمهام والرواتب زليفصح عن أن الأجور في بعض القطاعات تتراوح ما بين 4 ملايين و 900 مائة ألف سنتيم. أما الرواتب المرتبطة بـ “المهام العليا”، فالأجور تتراوح ما بين 4 ملايين و 700 ألف سنتيم و 20 مليون سنتيم. كان هذا في عام 2008. وأن غالبية الأجور تتمحور حول 6 ملايين و 500 ألف سنتيم.
أما رواتب “كحل الراس”فقد انتقلت من 1600 إلى 2840 درهم سنة 2008، ليتقلص، في ما بعد، تدريجيا بفعل التضخم، وغلاء قفة السوق، وارتفاع المهول لتكاليف الحياة بسبب الزيادات المتتالية في كل شيء، وأيضا، ودائما، بفعل الفساد الذي يضرب في العمق، تدبير الشأن العام، على مختلف المستويات، والذي ووجه بشعار “عفا الله عما سلف” و “الله غالب” !….
قانون 1975 المعدل سنة 1993 حدد أجورا عالية لكبار الموظفين، الوزير الأول والوزراء والبرلمانيون، تضاعف حوالي 30 مرة أجور”الصغار” مع الإشارة إلى أن العديد منعمال المؤسسات الخصوصية يقبلون بأجور متدنية لا تحترم الحد الأدنى، تحت ضغط الفقر والحاجة.
أجور “الكبار” من وزراء وبرلمانيين ومديرين محظوظين، والإمتيازات “الخيالية” التي يستفيدون منها، والتي صارت معلومة لدى الكثيرين من المواطنين بفضل مواقع التواصل وتعاون “مستائي الداخل”، وليس بشفافية الدولة، تضاف إليها ترسانة السيارات “الرسمية” التي يتجاوز عددها الـ 200 ألف، والتي تبتلع حوالي مائة مليون درهم دون احتساب تكاليف الصيانة والتجديد، ما يدفع إلى استنتاج أن المغرب يتفوق في هذا “البذخ” الأسطوري على دول عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا واليابان.
إلا أن وزير المالية أبو السعد والسعود، يصر على نفي وجود أجور “عليا” ويؤكد أن أجور “الكبار” تحدد من طرف الدولة، بالتوافق مع المعنيين وتأخذ بعين الاعتبار هم “المنافسة” ، دون المرور بمنظومة الأجور التي لا تطبق بسلاليمها ودرجاتها المجحفة إلا على “السوبالطيرن” المجبرين على التقيد بسلة من الإجراءات الانضباطية مقابل أجور “سيريالية” لا تتحرك إلا على رأس كل مائة عام بحساب أهل الكهف.
الطريف أن الوزير، وفي نوع من “المشادة” مع برلماني صحافي، من حزب الاستقلال، قدم بيانات عن أجور “المديرين” كان يعتبرها أمرا طبيعيا، بينما كانت تسيل لها لعاب مئات الآلاف من “الصغار ” و “متوسطي الحال”، الذين سمعوا الوزير يتحدث عن أجور بملايين السنتيمات، توجد رواتبهم “مربوطة” على درجات “العشرات” والمئات” …إلى حين !….
ولكن الوزير، كزميلة الوزير الشهير بـ “الشكلاطة”، فضل هو أيضا الحديث بالنسب لا بالأرقام، من باب إضفاء نوع من الغموض على القضية، قال بعضهم، أو من باب “التخفيف” من هول الموضوع، قال آخرون، ومع ذلك فإن الموضوع يحتاج إلى معالجة جدية، وإصلاح شامل، حتى تقترب أجور الكبار من واقع المغرب ، ومن حال سكان هذا البلد الفقير الذي يحاول مسيروه منافسة كبار العالم، في “البوخ” و “البريستيج”، والواقع أن “أحوالنا تدل علينا” وأوضاع الهشاشة والفقر والبطالة، خاصة في ما يتعلق ببطالة الشباب ، وسوء الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة، تصرخ في وجه الجميع أن البلد بحاجة إلى عقلية تدبير من نوع جديد، وأسلوب جديد وتعاط مختلف مع المشكلات الحقيقية للبلد.
أبو السعد والسعود قال لمن أراد أن يسمعه تحت قبة البرلمان ، إن أقل من 4 بالمائة من مديري المؤسسات العمومية يتقاضون أكثر من 13 مليون سنتيم في الشهر، و4 بالمائة يتقاضون ما بين 10 و 13 مليون، و5 بالمائة، ما بين 8 و 10 ملايين و 6 بالمائة ما بين 8 ملايين ونصف المليون و 8 ملايين سنتيم و 30 بالمائة، ما بين 4 ملايين و ونصف و6 ملايين ونصف المليون،وأنه حتى في خانة “الكبار” توجد “طبقة” دنيا، تتراوح مرتباتهم ما بين مليونين ونصف وأربعة ملايين ونصف سنتيم شهريا بالتمام والكمال.
مبرر الوزير لهذا “المسخ”، أن “التنافسية” تحتم أن يكون للمدير أجرا يقترب من أجور القطاع الخاص
وإذا أقررنا بهذه النظرية، فإن المنطق يفرض أن لا تكون المنافسة “مقصورة” على الأجور فقط، بل وأن تسري أيضا على المردودية ، والحال أن جل مؤسساتنا العمومية توجد في حالات تقترب من الإفلاس بشهادة المجلس الأعلى للحسابات الذي لاحظ أن “كتلة الأجور في تلك المؤسسات مرتفعة”.
وهكذا يكون فصل جديد من “قومة” الشعب ضد الأجور المرتفعة لفئة من الموظفين “تكرمهم الدولة” للاحتفاظ بهم دروعا في مواجهة المنافسة،
المؤسف أن مواجهة تلك المنافسة عندنا لا تقوم إلا مقابل المال وعلى أساس المال “الوفير، ولا مكان فيها للوطنية وللتضحية وللتطوع، وللإيمان بأن الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها، فالأوطان شجرة طيبة لاتنمو إلا في تربة التضحيات ، وتسقى بالعرق والدم (وينسون تشيرسل).
ومن لم تكنْ أوطانهُ مفخراُ لهُ . . . .فليس له في موطنِ المجدِ مفخرُ
ومن كانَ في أوطانهِ حامياً لها . . . فذكراهُ مسكٌ في الأنامِ وعنبرُ
ومن لم يكنْ من دونِ أوطانهِ حمى . . . . فذاك جبانٌ بل أَخَسُّ وأحقرُ
(الكاظمي). … !!!”!!!…..
وشَهد شَاهد من أهل الدّار !..
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com