اذا كان القانون المغربي يعاقب المفطرين علنا ….. لماذا لا يعاقب “تاركو الصلاة”؟
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (تجريم الإفطار )
الأربعاء 29 يونيو 2016 – 11:37:44
•على غِـرار السنوات الماضية، عاد موضوع معاقبة “مفطري رمضان” علانية في الفضاءات العامّة إلى الواجهة، بعد توقيفِ شابين في مدينة زاكورة في أولى أيام الشهر الكريم ، قيل إنهما تناولا طعاما في نهار رمضان، والتحقيق مع شاب في الرباط دخن سيجارة، ومع شابة وشاب آخرين في مدينة مراكش ضُبطَا يقبّــلان بعضهما.
هذه الوقائع الثلاث، جعلت مطلب المدافعين عن حق الأفراد في الإفطار في رمضان بإسقاط الفصل 222 من القانون الجنائي، يعود إلى الواجهة، لكن يظهر أن الاستجابة لهذا المطلب ما زالت بعيدة المنال، بعد إعلان وزير العدل والحريات مصطفى الرميد تمسكه بتجريم الإفطار العلني في رمضان، في مشروع القانون الجنائي الذي أعدته وزارته.
وكان الرميد حاسمًا في هذا الأمر بقوله في الندوة الوطنية التي أعقبت المشاورات التي أجرتها وزارته مع مختلف الفاعلين حول مشروع القانون الجنائي، “لا يمكن أن نرفع التجريم عن الإفطار العلني في رمضان بدون عذر شرعي”، وعزا ذلك إلى أن الإفطار العلني في رمضان “يمثّل ضربا لإسلام الدولة”.
وأضافت الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن المغرب صادق أيضا على توصية لمجلس حقوق الإنسان، قبل سنتين، تؤكد على وجوب احترام الحكومات لحرية العقيدة، وتعتبر الرياضي أن معاقبة “مفطري رمضان”، يشكّل “الوجه الصارخ لانتهاك حرية المعتقد في المغرب”.
وعَزت الرياضي سبب عدم تفعيل مضامين التزامات المغرب الدولية إلى “غياب إرادة سياسية”، واصفة معاقبة مفطري رمضان بـ”الممارسة القمعية المغلّفة بغلاف ديني”. وجوابا على سؤال حول ما إذا كان المجتمع المغربي سيتقبّل السماح لمفطري رمضان بالإفطار العلني، قالت المتحدّثة إنّ المجتمع المغربي “ما كانش هاكّا هادي عشرين ولا ثلاثين عام”.
وأوضحت: “المُجتمع المغربي كان منفتحا ومتسامحا ويقبل جميع الأفكار السائدة في المجال الديني، ولم يكن المغاربة يرتكبون هذه الاعتداءات على المخالفين التي نراها اليوم”، محمّلة المسؤولية للدولة، “لأنها هي التي دفعت بالمجتمع إلى هذا المستوى من التزمّت والتطرف الديني، وهي التي شجعته بسياستها وبإطلاق المجال للفكر الوهابي الذي تغلغل وانتشر وسط المجتمع المغربي بتشجيع منها”.
في المقابل، أيّد الداعية حماد القباج تدخّل الدولة لزجر “مفطري رمضان” بدون عذر شرعي، وقال موضحا: “إنَّ العبادة في أصلها شأن بين الإنسان وربه سبحانه، ولا تُعتبر شرعا مقبولة من العبد إلا إذا فعلها مختارا حرا غير مكره ولا مجبر من سلطة معينة، سواء كانت سلطة الدولة أو غيرها.. لكن حين يريد البعض أن يتهجم على مقدس عند الأغلبية الساحقة في دولة مَا، فهنا يصير تدخل الدولة منطقيا ومطلوبا” ، و إنّ على الدولة “أن تحمي جميع العقائد، بمن في ذلك من لا عقيدة له”، وتابعت: “ليس بالقانون يمكن فرض العقيدة على الناس.
واستند القباج إلى الدستور المغربي الذي ينصّ على أن دين الدولة هو الإسلام، ليقول: “هذا اختيار المغاربة الذي هو حقهم الذي يجب احترامه، فالتهجم عليه والاستخفاف بكونه مقدسا سلوك يُعتبر عدوانا على حق الأغلبية الساحقة، وبالتالي يلزم الدولةَ التدخل لمنع هذا العدوان وحفظ حق مواطنيها الذي هي مؤتمنة عليه ومسؤولة أمام الدستور والقانون برعايته وحفظه”.
وبينما قال القباج إنّ تنصيص الدستور على أن رئيس الدولة هو أمير المؤمنين وأنه حامي الملة والدين، “يجعل تدخل الدولة واجبا قانونيا لحماية شعائر الدين مما يهددها ويعرّضها لعملية عدوان تستهدف وجودها”. “.
وفيما لا تزال الهوّة شاسعة بين معارضي منع “مفطري رمضان” من “ممارسة حريتهم الشخصية”، وبين مؤيّدي تدخّل الدولة لزجرهم، انضمّ، في رمضان الحالي، واحد من رموز “التيار المحافظ” في المغرب إلى دعاة رفْع الدولة يدها عن كل ما يتعلّق بالمعتقد، ويتعلق الأمر بفقيه علم المقاصد نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني.
الفقيه المقاصدي قال في محاضرة قبل أيام في قطر، إنه مع المطالبين بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، الذي يجرّم الإفطار العلني في رمضان، “ولو أن نيّتهم غير نيتي، وقصْدهم غير قصدي”.
وأضاف الريسوني: “القانون الجنائي لا يتدخل في الصوم، فحتى الذي يفطر وهو في الشارع أفترض أنه مريض أو أنه مسافر، فلماذا أتدخل فيه وأبحث فيه وآخذه إلى مخفر الشرطة، وأحقق معه وأرسله إلى النيابة العامة.. لماذا كل هذا العناء غير المجدي”، معتبرا أن “الأشخاص يحالون على بواطنهم، وحوافزهم الداخلية ثم بعد ذلك يأتي المجتمع”، واسترسل: “الذي يمنع بعض الناس من الإفطار العلني هو المجتمع وليس القانون”.
وفي ظلّ إغلاق الباب أمام أي احتمال لإسقاط الفصل 222 من القانون الجنائي، في مسوّدة مشروعه الحالية، ثمّة من يتساءل لماذا لا يتدخّل القانون المغربي لمعاقبة غير المصلين، اسوة بـ”مفطري رمضان”، خاصة وأن الصلاة تأتي على رأس أركان الإسلام، حيث لا يجد الناس حرجا في الجلوس في المقاهي يوم الجمعة، تزامنا مع صلاة الجمعة، دون أن يحتجّ أحد على ذلك، كما يحصل إذا أقدم شخص ما على الإفطار في رمضان؟
وردّا على هذا السؤال، يقول الداعية حماد القباج إن الدولة لا تتدخل لفرض الصيام بصفته سلوكا بين العبد وربه، بل تتدخل للمحافظة على الأمن الروحي لمواطنيها وأداء مستلزمات التعاقد بينها وبينهم، والذي يمثله الدستور، معتبرا أنّ تدخّل الدولة لضبط هذا المجال “هو تدخل ضد سلوك عدواني يستهدف حق الأغلبية من طرف أقلية كان يجب عليها أن تحترم اختيار الأغلبية”.
ويضيف المتحدث، أن ما يوضح هذا الطرح هو “أنّ من يريد الإفطار في رمضان فليفعل ذلك بينه وبين ربه، وهنا لا يحق للدولة أن تتدخل، أما حين ينقل ذلك إلى الفضاء العام ويروِّج له ويحاول أن يقنع به ضعيفي الثقافة الدينية، فهنا يكون قد سيّس الموضوع وخرج به من نطاق العلاقة بين العبد وربه إلى نطاق الشأن العام الذي يحكمه دستور وتنظمه القوانين المنبثقة عن ذلك الدستور”.
واعتبر القباج أنّ احترام مقوّمات الأمن الروحي للمجتمع واحترام اختيار الأغلبية “سلوك ديمقراطي حضاري نشاهده من كثير من المثقفين الغربيين الذين نراهم يحترمون صيام المسلمين فيمتنعون عن الأكل والشرب أمامهم في بلدهم الإسلامي، ونرى هذا أيضا من جيراننا اليهود”، وخلص إلى أنّ “الذين يسيّسون سلوك إفطارهم وقعوا في خطأين فادحين: الأول بينهم وبين ربهم، والثاني أنهم خالفوا السلوك الحضاري والأعراف الديمقراطية التي يدّعون الإيمان بها”.
القرآن لم يحدد أي عقاب دنيوي لغير الصائم، يجري عليه من طرف المجتمع أو السلطة، ليس هناك في القرآن ولا حتى في السنة ما يفيد معاقبة المفطر بالسجن أو بغيره، القرآن يتحدث عن كفارةٍ (الصوم أو إطعام المساكين أو عتق رقبة وقت كان ذلك متاحا) يقررها المسلم مع نفسه في علاقته بربه، ومن لا يرغب في أداء الكفارة نفسها، فهو مسؤول عن ذلك أمام خالقه، لماذا إذن نقرر أن نأخذ مكان الله ونعاقب غير الصامين؟ أليس كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فهو لله وهو يجزي به؟
كيف يعقل أن الملايين لا ينزعجون ممن لا يطبق الركن الثاني في الإسلام (الصلاة) وقد يكونون ضمنهم، لكنهم ينتفضون ضد من لا يؤدي الركن الرابع؟ لماذا لا ينزعج أحد حين يخبره زميله أو قريبه أو صديقه بأنه لا يصلي؟ في أحسن الأحوال سيرد المصلي: “الله يهديك” وسيدعوه للشروع في أداء الصلاة، لماذا، حين ينطلق الآذان، لا ينرعج المصلون من آلاف الناس في مكاتبهم أو في الشارع أو على المقاهي؟ لا يعقل أن يكون لكل هؤلاء عذر شرعي، لماذا مثلا لا ننزعج بنفس الحدة ممن لا يؤدي الزكاة؟ أليس حريا بكل هذا أن يدعونا للسؤال والتساؤل حول الأسباب الحقيقية لانزعاجنا من مفطري رمضان؟ هل هو فعلا انزعاج مرتبط بالمشاعر الدينية وبضرورة احترام أركان الإسلام، أم أنه بالأساس تعبير عن رفض حق الآخر في أن يكون مختلفا خارجا عن الإجماع، في طقس ديني دون غيره؟
كل هؤلاء الذين يتحدثون عن احترام مشاعر الصائمين بعدم الأكل، لنسألهم بهدوء: لماذا يستفزنا المغربي الذي نفترض ضمنيا أنه مسلم حين يأكل علنا خلال رمضان، ولا يستفز مشاعرنا الأجنبي؟ لأننا نعرف أنه ليس مسلما؟ المسألة لا تتعلق إذن بمشاعر الصائم، مادامت انتقائية؟ هناك أيضا العديد من الأشخاص الذين يصومون خارج رمضان، من أجل الثواب والأجر أو لسداد دين إفطار خلال رمضان، لماذا لا ينزعج هؤلاء من مشاهد المفطرين يشربون ويتناولون وجباتهم خارج رمضان؟ ألا تهتز مشاعرهم وهم صائمون، إلا حين يصومون في رمضان؟ لعل الأمر بالتالي مجتمعي أكثر منه ديني: حين أعرف أنك مغربي، وبالتالي مسلم سني أشعري، لا أقبل عدم صيامك في رمضان، أما الأجنبي فلا يستفز مشاعري حين يأكل لأني أعرف أنه لا يخالف دينا مشتركا بيننا ، لكني أعرف أنك مغربي وبالتالي لا أقبل خروجك عن ممارسة مجتمعية عامة، كذلك خارج رمضان، أنا أعرف أنك لست مجبرا على الصيام، لذلك لا تهتز مشاعري وأنت تمارس حياتك العادية بحضوري. في مثال ثالث، فأنا حين أكون مسلما في بلد ذي أغلبية مسلمة، تهتز مشاعري كصائم أمام مفطر من جنسيتي، لكني حين أكون مسلما في بلد مسلموها أقلية، لا أنزعج ممن يأكلون بحضوري (اللهم حين أعرف أنهم مسلمون، وهنا أنزعج). أليست كل هذه الأمثلة بدورها تدعونا للتفكير بعمق في الأسباب الحقيقية لانزعاجنا؟
بالنسبة لسُؤال الفَضاء العام، فلا يُعقَـل أن يَستمرَ الكَثيرُون في اعتبار أنَّ المُفطرَ عليه أن يكتفي بحقه في تناول وجباته في بيته، على أي أساس يتم احتكار الفضاء العام من طرف الصائمين فقط؟ لماذا لا يكون للمفطر أيضا حق استعمال فضائه العام بحرية، ما دام لا يجبر الآخرين على عدم الصيام؟ أليس الفضاء العام يقتسم على أسس المواطنة لا غير؟
من ناحية أخرى وأخيرة، لماذا لا ننزعج كثيرا ضد “المترمضنين”؟ مظاهر العنف الشديد التي نعيشها في شوارعنا خلال رمضان تحت اسم “الترمضينة”، قد نتأفف منها، لكننا بالتأكيد ننزعج ونشتكي منها بقدر أقل بكثير من انزعاجنا من مفطري رمضان.
باختصار… هي ليست دعوة للإفطار العلني ولا تحريضا عليه، هي دعوة للتساؤل والتفكير بعمق وهدوء في علاقتنا بهذا الموضوع بالتحديد: في القرآن آية تقول: “لا تزر وازرة وزر أخرى” (سورة الزمر، 7). مفطر رمضان له علاقة بربه يحاسبه عليها، ليس للقانون الجنائي ومنفذيه ولا للمواطنين أن يأخدوا هنا مكان الله، حين تكون ممارساتنا الدينية “على سبة”، يستفزها مفطر، فالمشكلة في قناعاتنا وليس في المفطر، حين يستفزنا المفطر ولا يستفزنا “المرمضن”، فلدينا علاقة غير سوية بالمواطنة والحياة المشتركة، وختاما، أتذكر عبارة رائعة قرأتها سابقا: “نحن مجتمع يبحث عن المفطر في رمضان ليعاقبه ولا يبحث عن الجائع طوال السنه ليطعمه…