أفسدوه ، ثم رموه في وجوهنا وعيّرونا بتلوثه وحذّروا من خطر السّباحة فيه !!!….
جريدة طنجة – عزيز كنوني (الشاطىء البلدي غير صالح للسباحة و الاستجمام )
الأربعاء 29 يونيو 2016 – 12:16:56
سنة بعد سنة، يحدونا الأمل في أن تتحسن الأحوال، كلما قدم حاكم ورحل حاكم، أوقام مجلس
على أنقاض مجلس، ولكن الأحوال لا تزداد إلا صعوبة وقسوة ، ومعاناتنا لا تعرف نهاية.
شاطئ طنجة البلدي الذي كان اسمه بمثابة “كارت بوسطال” للسياحة الوطنية ولمدة قرنين من الزمان، أصبح اليوم “بركة” آسنة، تتجمع بداخلها مياه “بوخرارب” ــ حاشاكم ــ ومياه الصرف العادمة، تتسرب من أودية موبوءة إلى بحر هو أغلى ما تملك طنجة وأهلها ، أو “ما كانت” تملك طنجة وأهلها ، منتزها، ومصطافا ومجلبة للسياح المكتوين بقساوة فصل شتاء مقيم طوال السنة !… حتى إن طنجة كانت توجد بها عند مطلع القرن الماضي، فنادق من الدرجة الممتازة كالمنزه و”كونتينينطال” لاستقبال سياح VIP، وليس سياح “زوج فرنك”، على قول وزيرة الماء، التقدمية الاشتراكية، المناضلة !…
في زمان غير هذا الزمان، كان الشاطئ البلدي مجمع ثقافي متكامل ، تؤمه مختلف فئات المجتمع، الأسر للترويض عن النفس والتعارف وفسحة للعب الأطفال، والشباب المثقف لتبادل الآراء والأفكار والحديث في شتى مجالات الفكر والعلم والثقافة، والسياسة، والترميذ والطلاب لمراجعة دروسهم خاصة في فترات الامتحانات ، والأطفال ملعبا مفتوحا لصقا مواهبهم في الرياضات المختلفة، خاصة كرة القدم، والعشاق كان لهم أيضا بالشاطئ فضاء للتعارف والتفاهم والحلم. كل الشروط كانت متوافرة لكي يمارس المواطن هواياته المفضلة ، فكرية كانت أم ثقافية أم رياضية ، حتى أن فرقا لهواة المسرح كانت تقيم تدريباتها ليلا في فضاء الشاطئ البلدي، لأنه كان مضاءا بصفة جيدة، ليس فحسب من طرف الإنارة العمومية، بل وأيضا من الأضواء المتبعثة من المقاهي المصطفة على طول البساط الأحمر، داخل فضاء الشاطئ.
وكان لافتتاح الموسم الصيفي بالشاطئ البلدي طقوس احتفالية رائعة، تشارك فيها كل فئات المجتمع الطنجي ، مغاربة وغير مغاربة، لأن كلمة “أجنبي” لم تكن توجد في معجم طنجة ولا في لغة أهلها !!!.
استعراضات ومسابقات رياضية وحفلات موسيقية وغنائية، بأصوات العالم، كل ذلك كان يضفي على الاحتفالات بانطلاق موسم الصيف بالشاطئ البلدي رونقا وروعة وبهاء.
الشاطئ البلدي كان تاجا على رأس طنجة، يعرف بها وتعرف به ، وخلال الفترة النظام الدولي، كان محط عناية فائقة، شيدت له منارة لمراقبة المستحمين ووضعت له عيادة مجهزة تجهيزا كاملا ومتوفرة على سيارة إسعاف بصفة دائمة لتقديم الاستعافات الأولية للمرضىفضلا عن فضاءات الترفيه التي كانت تشتغل ليلا ونهارا، بفضل الأمن المستتب بالمدينة.
ولست أدري إن كان المسؤولون الإداريون والمنتخبون المحليون، ومعظمهم “فوراسطيروس” يعلمون أنه خلال الستينات من القرن الماضي، كانت طائرات عملاقة تنقل ملايين الأطنان من رمال الشاطئ البلدي ، إلى شواطئ الريفييرا الفرنسية، من أجل تجديد رمالها، خاصة شاطئ مدينة نيس الذي وضع مسؤولو بلديتها داخل فضاء الشاطئ ما يفيد بأن تلك الرمال جاءت من مدينة طنجة، سعيا منهم للاستفادة من شهرة المدينة المغربية في ما يخص رمالها الذهبية الناعمة ، التي جعلت منها ومن شاطئها، ثاني أجمل شواطئ العالم بعد فيلديلفيا الأمريكية. …
المفارقة العجيبة ، أن يصرح والي الجهة، بأن ربع تمويل مشاريع طنجة الكبرى الذي يفوق 7.8 ملايير درهم، مخصص لمجال البيئة، قبل المجال الاجتماعي والاقتصادي. والحال أن المرء في مدينة طنجة لا يحتاج إلى تقرير وزاري ــ على قلة تصديقنا لتقارير الوزراء” أو رأي استشاري لمختبر دولي مخنص، ليقتنع بأن شواطئنا ملوثة ، بفعل فاعل، لا محالة، فالوافد على كورنيش طنجة الجميل فعلا، بمبانيه الحجيثة وطرقه المريحة وفضاءات الترفيه فيه، سرعان ما يشعر بالاختناق، بسبب الروائح الكريهة التي تفرض على الزوار والسياح وضع منديل على أنوفهم، اتقاء تلك الروائح التي تبعث على الغثيان. وما يسري على بيئة الشاطئ يسري كذلك على بيئة الطبيعة، حيث ابتلع “الإسمنت المسلح” مئات الهكتارات من الغطاء الغابوي للمدينة.
الشاطء البلدي يوجد اليوم على رأس الشواطئ الملوثة بالمغرب، الأمر الذي يؤكده بلاغ الوزارة المعنية الأخير في الموضوع. وقد تناقلت وسائل الإعلام ذلك التقرير وأبرزت مكانة طنجة فيه ونبهت قراءها إلى خطورة الاستحمام بالشاطئ البلدي وشاطئ مرقالة الذي دان وإلى عهد قريب من أجمل شواطئ المغرب.
“لا تستحمو في شاطئ طنجة”
“السباحة في شاطئ طنجة خطر على الـمصطافين.”.
بعض من نصائح وسائل الإعلام للمواطنين بالعربية والفرنسية بعد نشر التقرير الوزاري الأخير حول جودة الشواطئ المغربية التي لا يتوفر 72 بالمائة منها على النوع الجيد من مياه الاستحمام.
والغريب أ مخططي برنامج طنجة الكبرى ، وهم واعون بأهمية هذا البرنامج اإنمائي ليس فقط بالنسبة لطنجة، بل للمغرب قاطبة، عجزوا عن تطويق “منابع” هذا التلوث الخطير، المنبعث من واد مغوغة، بسبب “نفايات” المنطقة الصناعية، وواد السواني وواد اليهود، كما عجزوا عن منع وصول مياه الصرف الصحي “البوخراربي” إلى الشاطئ البلدي، وشاطئ مرقالة التي تصب فيه “كوليكتورات” المياء العادمة لمدينة بأكملها .
مسؤولو المدينة لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء تنبيه المواطنين والسياح إلى خطورة الاستحمام في شواطئ طنجة الملوثة، الأمر الذي يحملهم مسؤولية المشاركة في تعريض الناس لخطر محقق.
ويحظرني، في هذا الصدد، مشهد والي طنجةالسابق، الذي نزل إلى الشاطئ البلدي رفقة الرئيس البلدي وشخص ثالث، وهم متوجهون بلباس الاستحمام ، وفي غاية من الانشراح، وضحكة واسعة ترتسم على وجوه ثلاثتهم ، نحو مياه الشاطئ، ليبرهنوا للمواطنين وللزوار، على أن لا خطر من مساه شاطئ طنجة !!!….
سارعت إلى أوراقي وكتبت للتاريخ عنوانا لمقالة لم يكتب لها أن تنشر : على من يضحك هؤلاء !!!!…