تنفيذا لأوامر ملكية سامية : الحكومة تبادر إلى البحث عن حل لقضية الباعة المتجولين
جريدة طنجة – عزيز كنوني (قضية الباعة المتجولين)
الثلاثاء 10 ماي 2016 – 16:16:38
•تصـوّروا أن يتفضل جلالة الملك فيُبدي انشغالهُ بمِلف “الفراشة” واهتمامه بتفاصيلها ويُعطي جلالته تعليماته، في هذهِ القضية أيضـًـا، للحكومة، حتى تتدبر حلًا لها، رغم أنها من صميم مسـؤوليـــات رجـــال السلطة والإداريين، مركزيين ومحليين، والمنتخبين، وليست “قضية دولة”
عوامل متعددة تدخل في “منظومة “أسواق الرصيف” يتحمل مسؤوليتها رجال السلطات المحلية كما تتحملها الهيئات المنتخبة، حيث تم غض الطرف، في العديد من الحالات، على وجود “تجار الشانطة” بأعداد قليلة، في بعض الأحياء، لينتشروا، شيئا فشيئا بالشوارع الكبرى ، ولينتهي بهم المطاف إلى خنق المدينة بكيفية تامة.
حقيقة إن الفقر والهجرة والقحط والطموح المشروع إلى حياة أفضل “هنا أو هناك” من عوامل انتشار الباعة المتجولين، الذين تشتغل أعداد منهم لفائدة التجار ا”لمقيمين” من أصحاب الحوانيت والدكاين، المتاجرين في كل شيء، وقد كان بإمكان من يجب أن يبادر إلى “تطويق” المشكل قبل أن “يتضخم” وتتضخم معه مشاكله ومتطلباته التي تتحول بفعل عامل الزمن إلى “حقوق مكتسبة” يصعب على الدولة الوفاء بها.
وها هو جلالة الملك يعطي تعليمات جلالته إلى الحكومة لتضع حدا لهذا المشكل بطريقة تمكن هؤلاء المواطنين من توفير قوت يومهم في ظروف كريمة ودون المساس بحقوق غيرهم أو التضييق عليهم أو الإخلال بالسير والجولان بالمدينة.
ونظرا للضجة التي أثارتها ما سمي بـ “حملات تحرير الملك العام” عبر تراب المملكة، وما أسفر عنها من أحداث مؤلمة، كان من أخطرها مأساة بائعة البغرير “امي فتيحة” التي ذهبت ضحية الحكرة السلطوية، وجد الوزير المنتدب في الداخلية الضريس الشرقي نفسه في مواجهة أسئلة البرلمانيين عن فريقي العدالة والتنمية والاتحاد الدستوري، التي رد عليها بأن أخبر نواب الأمة بوجود “تعليمات ملكية” بهدف النهوض بأوضاع الباعة المتجولين وأنه في هذا الإطار تعمل الحكومة على دراسة نوعية “التصنيف” الجديد للباعة بين باعة “أسواق الأزقة” وفق شروط وأوقات محددة، وباعة متجولين توفر لهم دراجات نارية على غرار باعي السمك، وباعة متجولين يتم إدماجهم في أسواق دورية خلال أوقات معينة وباعة يدمجون في أسواق قارة.
وشدد الوزير على ضرورة تظافر جهود الجميع من أجل توفير فضاءات لهولاء المواطنين من أجل ممارسة مهنتهم التي هي مورد رزقهم الأساسي
ولا تختلف الحالة بطنجة عن سواها من المدن الأخرى في ما يخص الباعة المتجولين، بل يمكن القول بأن حالة طنجة استثنائية بكل المقاييس، فقد شهدت المدينة تضخما عجيبا في أعداد هؤلاء الباعة حيث ضاق بهم “رأس المصلى” لينتشروا في كل الاتجاهات داخل أزقة ودروب المصلى ثم ليقتحموا شارع المكسيك وساحة فرنسا وشارع باستور وشارع محمد الخامس وشارع فاس إلى ساحة الأمم، ثم ليحتلوا بالكامل شارع الحرية وساحة 9 أبريل والصياغين، وطريق إيطاليا والأحياء المجاورة. المهم، أن المدينة الحديثة والعتيقة توجد تحت “سيطرة” “تجار الشانطة” أو تجار “رزمات البلاستيك الأخضر”.
لاينكر أحد على هؤلاء المواطنين حقهم في العمل وفي الحياة، بل إن على الدولة واجب توفير الظروف الملائمة لهم ليمارسوا نشاطهم بكرامة، ولكن عليهم أيضا أن يساهموا في حفظ النظام العام الذي يمكن السكان من التعايش داخل فضاء منظم، يشعر كل واحد منهم بالطمأنينة والأمن والأمان، حتى لا أقول وبـ “السعادة” أيضا ! …
يبدو أن شؤم “كعابر” مجلس البيجيدي بدأ يظهر في ردود الفعل الغاضبة للمواطنين، جراء قرارات يعتبرها العديدون إما متسرعة أو غير صائبة. وأسابيع بعد “تنصيبه” أعلن المجلس عن مخطط ضخم لنزع الملكية، ترك على الطريق ضحايا كثر والحال أن المجلس لا يتوفر إلى الآن على المال الضروري لتعويض من رمى بهم “البلان” إلى الشارع لتمر طريق أو تنشأ حديقة أو “نقطة مستديرة” من أجل التشوير الطرقي ! هذا في الوقت الذي تم فيه الحجز بقرار قضائي على الملايين من ميزانية البلدية جبرا للضرر الذي لحق بمواطنين انتزعت ملكية عقاراتهم دون أن تتخذ البلديةالاحتياطات اللازمة لتعويض “المتتركين”…
بعد هذا “البلان” الخايب” ها هو المجلس “يخلق الحدث” بإعلان مثير عن توزيع محلات بسوق بني مكادة، توزيعا اعتبر غير عادل من طرف المعنيين وتسبب في مواجهات كادت تتطور إلى ما لا تحمد عقباه. فقد عاشت بني مكادة، يوم الثلاثاء الماضي على صفيح ساخن بسبب قيام عدد كبير من الباعة المتجولين بحركة مواجهة واحتجاجات بسبب عدم استفادتهم من محلات تجارية بما يسمى “سوق القرب” التي يدعي أغلبهم أن التوزيع كان غير منصف وأنه تم في ذلك إقصاء للمستحقين وإرضاء لبعض من لا تعرف له تجارة في المنطقة أو استقر بها حديثا.
بعض الغاضبين حاولوا صب البنزين على ذواتهم وإحراق أنفسهم على الطريقة البوعزيزية بل إن منهم من كان يحمل أبناءه على ظهره ويهدد بإضرام النار في أجسادهم وأجساد أطفالهم في حال إقدام القوات العمومية على إخلاء الشوارع التي يحتلونها.
مظاهر الاحتجاج استمرت إلى ساعة متأخرة من الليل دون أن تقدم القوات العمومية على أي فعل من شأنه أن يتسبب في “محرقة” جماعية خطيرة.
ولو أنه تجهل بالتدقيق أسباب هذا التوتر باستثناء ما راج من وجود “حيف” و محاباة ومجاملة وإرضاءات في ما يخص توزيع المحلات التجارية التي يدعي الكثيرون أنه تم إقصاء المستحقين وإرضاء بعض “المحضوضين” فإن الرأي العام يميل إلى هذه الأطروحات في غياب بيانات من الجماعة والسلطات المحلية المعنية، بحيث أن كل ما تحصل لدينا هو مشهد القوات العمومية تطوق المكان وتحاول إخلاء الشوارع ومشهد الكر والفر من جانب الفراشة والباعة المتجولين المصرين على الاستفادة من “فرصة العمر”.
نتمنى أن ينتصر العقل والحكمة والتبصر في هذه المواجهات التي لا تخدم مصلحة المدينة وسكانها وأن يراعي المسؤولون من منتخبين وسلطة محلية التحول الذي طرأ على سلوك السكان في تعاملهم مع أصحاب الحال بسبب العنف الذي تعرضوا له أو تعرض له غيرهم ولو في مدن أخرى، الأمر الذي أحيى شعورا بالتضامن والتآزر بين كل من تعرضوا لنوع من أنواع الظلم أو الحكرة.
المهم أن تعمل السلطات المحلية على زرع الشعور بالثقة بين المسؤولين إدارة وجماعات والمواطنين، فبالثقة نستطيع أن نبني جسورا من الود المتبادل والتعاون المستمر..