محمد العربي العوامي الفنان والإنسان بمناسبة الذكرى الأربعينية لرحيله
جريدة طنجة – عبد العزيز الديلال المصوري ( مناسبة الذكرى الأربعينية لرحيله )
الخميس 19 ماي 2016 – 10:40:54
رحلَ الفقيد بعدما لَقيَ كل أصنــاف التهميش واللامُبــالاة، منذُ اختيـارهِ التقاعُـد النسبي من الجــوق الوطنيي في بداية الثمانينات، واستقراره الدائم بعروسة الشمال طنجة التي عشقها حتى النّخاع. منذ ذلك الحين، لم يستضفه أي برنامج إذاعي أو تلفزي، في الوقت الذي ظل معتزا بنفسه، لا يشكو سوء حاله.ذلك أن كرامته كفنان كانت الأهم عنده، وهو الفنان الذي كان دؤوبا في عمله، ظلّ يحيي حفلات غنائية لمحبيه وعشاق فنه الأصيل إلى أن انتقل إلى رحاب اللّه.
قبل رحيله المفاجئ، بساعات كان الفقيد بقصر بلدية طنجة لتقديم طلب رخصة من الجهة المسؤولة، وذلك لتهييئ وتنظيم إحدى حفلاته التي شاء القدر أن لا تتم.
هو واحد من رواد الأغنية المغربية، استطاع بمثابرته واجتهاده أن يفرض نفسه بين هؤلاء الرواد الكبار.
الفقيد رحل في صمت، وعاش في الظل، بعيداً عن الأضواء الباهتة والزائفة.
مر الفنان محمد العربي العوامي بمراحل فنية عديدة، ففي سنة 1959 انتقل إلى الرباط وعمل بالجوق “المتنوعات” برئاسة الفنان أحمد الشجعي، ثم بالجوق الوطني برئاسة أحمد البيضاوي، هرم الأغنية المغربية. كثير منا لا يعرف أنه لحن للمطرب المعروف، اسماعيل أحمد، رحمة الله عليه، قطعة “إلا عرفت فينو نمشيلو” من كلمات الشاعر والزجال المهدي زريوح، شفاه الله. ومن ألحان الملحن والمبدع عبد الرحيم السقاط، وكلمات شيخ الزجالين، أحمد الطيب العلج، غنى الفقيد قطعة “هذا ماكتاب علي” رحمة الله على الجميع.
من بين الإبداعات التي أطربتنا وظلت راسخة في أذهاننا “موي ياموي الحبيبة” الشائعة والناجحة جماهيريا، والمؤثرة التي أدمعت العيون وأحزنت القلوب، “محلى جمالك يا بلدي يا عروسة المغرب يا طنجة” من كلمات قيدوم الإعلاميين بإذاعة طنجة، مصطفى البشاري، شفاه الله.
“بابا يا ألف حجاب”، “يا مريض اللّه يشفيك” و”الربيب غريب” من كلمات الأخ والصديق عبد السلام التمسماني جاد و”طنجة يا مولات التاج” من كلمات الشاعر والزجال محمد البوعناني، أمد الله في عمره.
مما أثار تقديري وإجلالي لهذا الصديق العزيز، يوم كان يحيى حفلات بدار الهناء بمرشان، مؤسسة للأطفال اليتامى ذوي الأمراض النفسة والمستعصية، كان رحمه اللّه يدخل عليهم الفرحة في قلوبهم ويحنو إليهم، ويعانقهم، فكانوا يبادلونه نفس الإحساس والتعبير.
لم يكن الفقيد يسعى إلى شهرة واسعة، إذ كان هدفه الوحيد، وشغله الشاغل هو إسعاد الناس، وصقل المواهب والأصوات التي تتلمذت على يديه، وجعلها تقف شامخة في كثير من المناسبات والحفلات، وبالأخص في مهرجان الأغنية المغربية الأصيلة الأول بطنجة الذي نظمته الجمعية المغربية للفنون والموسيقى التي كان يترأسها الفنان محمد العربي العوامي. المهرجان أقيم يوم 5 مارس 2016 بقصر بلدية طنجة، بحضور محمد البشير العبدلاوي، عمدة طنجة.
لن أن أكون مبالغا، إذا قلت ـ بكل بصراحة ـ إن المهرجان حظي بنجاح كبير لدى الحاضرين. وأذكر من بين هذه الأصوات اللامعة التي نالت جوائز هامة ومشجعة، هاجر الأشهب، حيث أحرزت على الجائزة الأولى من خلال مشاركتها بأغنية “مابقيتي عندي فالبال ” وأيسر أزم (الجائزة الثانية) عن أغنية “اللي بغيتو وبغاني”، ولبنى البريق(الجائزة الثالثة) عن أغنية “عطشانة”. وقبل يوم من افتتاح المهرجان كانت الجمعية نظمت ندوة حول الأغنية المغربية الأصيلة بدار الشباب، فكان من بين المشاركين، الزجال عبد السلام التمسماني جاد، والأخ والصديق الزجال والشاعر رشيد الحناطب، والباحث والموسيقي محمد الأمين الأصوفي، وعبد العزيز الديلال المصوري.
كان الفقيد وفيا بشكل مدهش لأصدقائه، لم أسمعه ـ قط ـ يتحدث بكلمة سوء ضد أحد، بل كان يتحدث عنهم بتقدير وحب عميق. أذكر من بينهم محمد البوعناني، أمهر عازفي الكلمات، والمطرب الظريف، محمدالعربي الخصاصي، والفنان المقتدر سيدي محمد الإدريسي، والفنان الشامل الصديق والأخ، زكي قنديل رحمة اللّه عليهم.
كان ارتبــاط الفقيد بالأغنية المغربية ارتبـاطــًا قويـًا وتعلقـًا متينــًا، أيّـام عزّهـا وتـألُقها. رحم اللّه أخينـــا وصديقنا وأستـاذنا الكبير وعَزاء لَنــا جميعـًا في فقده، والعزاء الجميل لأرملته وأبنائه، وأخص بالذكر ابنه البّار، أسامة، الفنان المبدع، الطروب، ومن شابه أباه فما ظلم. .