دار النيابة ـ المندوبية ـ كاب سبارطل ـ مقهى الحافة ـ المفوضية الأمريكية وساحة الثيران
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( مآثر طنجة التاريخية)
الثلاثاء 24 ماي 2016 – 12:35:56
وقد نشرت لائحة هذه البنايات في الجريدة الرسمية، عدد 6453 بتاريخ 14 أبريل 2016، وهي تشمل بنايات ذات رمزية تاريخية عالية، أبرزها دار النيابة التي كانت بمثابة “الكي دورسي” الفرنسية أو “الفورينغ أوفيس” البريطانية، وبناية المندوبية مقر ممثل السلطان بمنطقة الإدارة الدولية، ومنارة اسبارطيل وبناية المفوضية الأمريكية التي كانت هدية السلطان مولاي سليمان إلى دولة “شطادوس ميريكانوس” الناشئة بعد أن كان المغرب أولا دولة اعترفت باستقلالها وتبادل السلطان محمد الثالث رسائل الاعتراف مع الرئيس الأمريكي جورج واشنطون سنة 1777.
كما تضم اللائحة مدارس وكنائس وقاعة سينمائية (موريطانيا)، ومقهى الحافة، وبطبيعة الحال ساحة الثيران الوحيدة بالمغرب وبالقارة الإفريقية والتي شيدها الأسبان بداية خمسينات القرن الماضي، خلال الفترة الدولية حيث كان يسكن طنجة فوق 25 ألف إسباني وأعداد كبيرة من الأجانب ، خاصة من الدول الموقعة على اتفاقية باريس لسنة 1925 (فاتح يونيه)، وهي اسبانيا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي وهولندا وإيطاليا في ما بعد.
وبصدور قرار وزارة الثقافة، أصبحت ساحة الثيران محمية بصفة رسمية ضد محاولات الهدم التي كانت تتهددها على يد المضاربين العقاريين وهواة الأسمنت المسلح، وخردات الحديد الذين سالت لعابهم لهذه البناية لولا مقاومة الغيورين على طنجة من أبنائها الذين كان بعضهم يوجد في مناصب المسؤولية الانتخابية أو الادارية، كالمرحوم محمد المهد الزيدي والمرحوم المختار أبرودي، والمرحوم سيدي ابراهيم السنوسي وعامل طنجة السابق مولاي عبد السلام الوزاني والشريف محمد السوسي الأدريسي أطال الله بقاءه، وغيرهم كثير ممن كانوا يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه تحقيق منافع ومكاسب شخصية على حساب طنجة وأهلها.
ولو أن أولى مباريات مصارعة الثيران لم تنتظر تشييد الساحة، حيث أقيمت بملعب مرشان الذي شيد بداية الثلاثينات وهدم ستا وثمانين سنة بعد ذلك، حيث اعتبر أن لا فائدة له بعد تشييد الملعب الكبير، وهذه وجهة نظر، إلا أن ساحة مصارعة الثيران شهدت أزهى سنوات نشاطها ما بين 1950 و 1957 حيث توالى على المصارعة فيها نخبة من كبار”الماطادوريس” الأسبان والطنجاويين وكانت تشكل مركز تنشيط وترفيه دولي بهذه المدينة.
وقد تَمَّ افتتاح الساحة تـاريـخ 27 غشت 1950 بعد أربعة عشر شهرًا من الأشغال و ذلك في جو احتفالي كبير وبحضور متميز لشخصيات بــــارزة مغربية ودولية وإسبانية، وعدد كبير من رجــــال الإعلام من الجمعية الدولية لصحافة طنجة وممثلين للصحافة الأيبيرية. و تميَّزَ المشهد بحضور فوق 12 ألف متفرج ومشاركة فرق فلكلورية اسبانية ومغربية. للتذكير فقد كان باشا العرائش مولاي أحمد الريسوني أحد مساهمين اثنين إلى جانب لويسيطو بنيعيش، في تمويل المشروع الذي تولت إنجازه شركة اسبانية Ingeniería y Construcciones .
وقد تَـوَالـــى نشــاط مصُاـــرعة الثيران بطنجة ‘لى حدود سنة 1957، ليتوقف بعذ استقلال المغرب، إلا أنه تمت، سنة 1970، محاولة إحياء نشاط الساحة بدعوة “أسطورة” مصارعة الثيران الأسباني Cordobes El الذي “صارع” إلى جانب ماطادوريس مشهورين بإسبانيا. وكانت آخر مصارعة بطنجة، لتتعرض البناية لإهمال كبير خلال العقود الستة الماضية، حيث أسيء استغلالها من طرف أصحاب الحال الذين لم يكن لهم إلمام برمزيتها حيث استغلت كمأوى لضحايا بعض الكوارث الطبيعية كالفيضانات، أو لأيواء سكان مدن القصدير كلما طلعوا ب “مخطط” للقضاء على السكن العشوائي، أو كمعتقل للمهاجرين السريين . وقد كانت النية قد اتجهت إلى تحويل هذه البناية إلى فضاء ثقافي ترفيهي، ولكن المبادرة، كغيرها من المشاريع الثقافية، لم تحظ آنذاك بالاهتمام اللازم، وعادت الساحة إلى وضع “طيرا نولوس” ليعشعش بها الفيئرات والجردان……
وها هي اليوم تحظى بالحمــاية القانونية، حيث لن يَجـرُؤ أحد على السطو عليها أو تحويلها إلى “أقفاز” لعيش البشر، مقابل 25 مليون سنتيم، فقط لا غير، فهل لا وقع التفكير في استغلالها الاستغلال المناسب، وبالمدينة ولاية ، وجماعة حضرية، وجهة “قد الدنيا” متعددة اللغات واللهجات، تستطيع الحصول على ملايين الدولارات “من بغداد إلى الصين”
وفي طنجة عشرات المنظَّمـات الأهلية تتوفر على طاقــات بشرية وعلمية ونضالية هائلة وقُدرة خــارقـــة على صناعة الأفكار واتّخـــاذ المبادرات. وفي انتظار ذلك، لنردد مع عبد الوهاب الدكالي لازمية أغنية “سوق البشرية”:
على أونو…على دوي،،،على اتري ، مين يفتح المزاد…مين يشري ؟ !…..