امتحانات الباكالوريا : وهاجس الغشّ والتسريبات
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( امتحانات الباكالوريا والعقوبات الزجرية )
الخميس 26 ماي 2016 – 17:01:57
هذه السنة، طلع بلمختــار بمقـرر من 114 مادة، تشمل «دفتر تنظيم مختلف مراحل الامتحانات » بما فيها إعداد مواضيع الامتحانات وتدبير شؤون تسليمها لمديري الأكاديميات، في إطار تدابير «أمنية خاصة » إلى عمليات التصحيح والإعلان عن النتائج..
المقرر يتسم بالصرامة لتفادي «مهزلة » تسريب مادة امتحان الرياضيات، ساعة توزيعها على الممتحنين، العام الماضي ، من حيث اعتماد عدد 20 مترشحا في كل قاعة، وتزويد الأكاديميات بمواد الامتحان يوما بيوم، وتكليف لجنة خاصة بعمليات الطبع، وتزيد مقرات الامتحان بأنظمة تمنع تشغيل الهواتف. الإعلان عن هذا الإجراء الأخير، مسبقا، لا بد وأن يكون كافيا ليدفع «النجباء » من المترشحين إلى اكتشاف «تطبيقات » مضادة، تبطل مفعول ومجهود بالمختار وأعوانه ومستشاريه. أتذكرون حكاية البارابولات ؟ !… وكما لو أن كل هذه الإجراءات لا تكفي، فقد تقدمت الحكومة للبرلمان بمشروع قانون يتضمن عقوبات حبسية في حق التلاميذ الذين يتم ضبطهم في حالة غش. لجنة التعليم والاتصال بمجلس النواب أجلت النظر في هذا القانون واعترضت على الاقتصار على معاقبة التلاميذ، بينما «سلسلة الغش » تتعدى التلاميذ إلى «جهات أخرى » قال عنها بلمختار إنها «شبكات منظمة تعمل خارج المؤسسات التعليمية .» كما طالب أعضاء هذه اللجنة بتعميم القانون ليشمل جميع المتدخلين في العملية منذ مراحلها الأولى إلى ساعة الإعلان عن النتائج.
ولم تكتف وزارة التربية والتعليم بكل هذا الزخم من الإجراءات التنظيمية والزجرية، فابتكرت إجراء إضافيا جديدا عبر إجبار المترشحين جميعهم، «أحرارا وممدرسين » على الإدلاء بالتزام مصادق عليه ويحمل الأختام و »التنابير » المعتمدة في قانون العقود والالتزامات، يقرون بواسطته باطلاعهم الاطلاع التام «الكاشف على غالب الأحوال » على التوجيهات المنظمة للامتحانات وأيضا على العقوبات المترتبة عن مخالفتها إن قصدا أو بغير قصد…. ومعلوم أن مجلس النواب سبق له أن تدارس مجموعة من مشاريع قوانين تهم مسألة الغش في الامتحانات، وما يواجه الغشاشين من عقوبات حبسية وغرامات مالية في حالة ما إذا ثبتت في حقهم واحدة من «جرائم الغش » كما حددها القانون ،وهي عديدة ومتنوعة، على اعتبار أنها «تزييف » وسرقة وخداع وكذب وخيانة ، إلى آخره ….
وإلى جانب كل ذلك ، تم تداول أخبار مفادها أن «مراكز الاعتكاف » الشهيرة، زودت بكاميرات مراقبة «متطورة جدا » لقطع الطريق عن كل محاولة «تسريب » يمكن أن تربك العملية . كما قيل إن لجانا أمنية
انتقلت إلى المراكز الإعتكافية للتأكد إلى جانب لجان من الوزارة ومن الأكاديميات، من أن كل الترتيبات الاحترازية اللازمة، قد تم اتخاذها لتفادي فضيحة العام الماضي والتي لا زالت «لغزا » محيرا بالنسبة للوزارة ولأولياء التلاميذ وللمترشحين أنفسهم، من نجح منهم ومن رسب، ومن كرر.

الأمر الذي لا لا يلتفت إليه إلا نادرا، هو أن الغش منتوج مغربي بامتياز، وأنه «صفة » لاصقة بمجتمعاتنا في الحواضر كما في البوادي. ومنذ «الزيوت المسمومة »، في مطلع الاستقلال، وإلى المستودعات
العشوائية التي اكتشفت، مؤخرا، في أكثر من مدينة وقرية، لتخزين وترويج دجاج عفن، وأسماك مجمدة فاسدة ولحم كلاب وحمير ونقائق و «بينشيطوس » فضلا عن أطنان من التمور الفاسدة و المواد الغذائية
المهربة الأخرى التي تعرض للبيع والاستهلاك، وهي فاسدة بعلم من يروجونها ويتاجرون بها.
الغش موجود أيضا داخل مختلف مرافق الحياة العامة. بين مرتش وفاسد ومراوغ وكذاب ومبتز ومتملص ومنافق ومخل بمسؤولياته التي يتقاضى عنها راتبا من مال الشعب.
في هذا الجو، ينمو أولادنا، يعيشون إلى جانبنا بيئة غش، يقرؤون معنا يوميا ما تنشره الصحافة من حالات الغش الفاضح، فيكبر معهم الشعور بأن الغش طبع من طباع مجتمعنا وحالة «عادية » من
أحوالنا…..فلم لا يغشون يوم يحتاجون إلى الغش لحل مشاكلهم، بنفس الأسلوب الذي يحل به الكبار مشاكلهم الكبيرة؟
أمور كثيرة يجب أن تتغير في أنفسنا ليتغير ما حولنا..