الغائب الحاضر … العربي اليعقوبي…في أربعينيته…. تتجلى معالم الوفاء و العرفان
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( العربي اليعقوبي.. )
الثلاثاء 24 ماي 2016 – 12:52:38
و بمُناسَبــة الاحتفاء بـأربعينية الــرَّاحل العـربــي اليعقـوبـــي، احتضَنَ بيت الصحافة آخر عرض مسرحي تم إعداده بمنزل الفقيد العربي بحي مرشان تحت إشرافه المعنوي “شكون احنا؟”، مع محمد الشوبي، رقية بنحدو، خديجة عدلي و بلعيد أكريديس، مسرحية “شكون حنا”، امتازت بنمط جديد بالمسرح، و التي مزجت بين العرض السينمائي و المسرحي في آن واحد، عالج من خلالها المؤلف و المخرج، قضية الطبقة الكادحة من خلال توظيف بعض المشاهد التي تسرد معاناة المواطنَ البسيط، أمام جبروت أصحاب السلطة و المال، و بين هذا و ذاك، يتوهُ بطلا المسرحية السينمائية في دهاليز الحياة، باحِثَيْنِ عن ذواتهما وسط بحرٍ مليئٍ بالقروش.

في الشطر الثاني من الاحتفال التأبيني للراحل العربي اليعقوبي عرض بالخزانة السينمائية لطنجة (سينما الريف)، الفيلم القصير «ليلة العرض» لمحمد العبداوي والفيلم الوثائقي «العـربي اليعقـوبــي : حب الفن والحياة» لإدريس اشويكة، هذا الفيلم للمؤلف ميراني الناجي والمخرج إدريس اشويكة، سيناريو بلعيد أكريديس، تشخيص محمد الشوبي ، رقية بنحدو ، بمشاركة خديجة عدلي وأكرديس.
لقد كانَ الفن والحياة من بين أكثر ما دافع عنه الفنان اليعقوبي طيلة حياته، كما جاء في الفيلم الوثائقي “حب الفن والحياة”، حيث أدى فيه دور البطولة ، لنغوص من خلاله في بحر حياته و مرسى سعادته و ألمه ، ألمه الذي لم يفارقه حتى آخر لحظة في حياته ، تدني أوضاعه المالية و حالته الصحية ، جعله يعيش حزنه بكبرياء وأمل.
آخر محطات الاحتفال التأبيني الذي نظمه أصدقاء الراحل، كان يوم الأحد 15 ماي مساء بالزاوية الكتانية، حفل عشاء تأبيني تكريما للراحل ، تم خلاله تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم وابتهالات وأذكار وأمداح نبوية وأوراد الطريقة الكتانية وقراءة جماعية للقرآن الكريم .

و في كلمة تأبينية للأستاذ الكاتب و الصحفي خالد مشبال ، عن الراحل العربي اليعقوبي، كان فيها تساؤلات واضحة عن البكاء و الرثاء و هل يكفي الكلام عن عزيز غادرنا إلى الأبد؟، كلمته طبعها الوفاء ففتح كتاب ذكرياته مع الراحل ولا أظهر منه إلا صفحة من صفحاته الكثيرة، كان صديقا حميما حنونا، كريما، طيبا سموحا، طموحا حالما، متفائلا، محبا للشعر والأدب والفن، محبا للحياة بكل شهواتها و ملذاتها، و كانت روحه مولعة بحب الله ، فمن بعض ملامح حياة الراحل ، كان عند اقتراب شهر رمضان، يرتمي في حضن الله و يحضّر للشهر الكريم تحضيرا تطبعه الروحانيات و الصفاء النفسي ، و كان رحمة الله عليه طيبا إلى أقصى الحدود يسمو عن دنايا الدنيا فيرتقي أعلى درجات الإنسانية، متسامحا مع الأصدقاء متعاليا على أخطاء الآخرين، ابتسامة وعناق بالأحضان، ينجلي الليل، تذوب الخلافات فيعود زورق الأخوة إلى منبع المحبة.
بعد مدة ستتأقلم أزقة مرشان الحي الذي رأى فيه النور ، ويتأقلم بائعو السجائر بالتقسيط ومقاهي الساحات العمومية الشهيرة بطنجة مع غياب العربي اليعقوبي،وبالتأكيد ستتذكر طنجة بأكملها قامة الرجل الذي ظل وفيا لمبادئه وحريصا على مظهره : زي جميل تزينه قطعة ثوب حريري وحذاء أبيض أو أسود ولحية مهذبة وشارب على طريقة شكسبير وقبعة جميلة وعكاز إنجليزي وعبق عطر منعش.
هذا التأبين الذي دام على مدى يومين كاملين، من أصدقاء أوفياء،هو شكل للتعبير عن العرفان والوفاء لهذا الراحل الكبير الذي ترك لنا ما نتلقاه حباً في قلوبنا وأسماعنا ووجداننا ونفوسنا.
هكذا في حضرة الموت، نستعيد دائماً تساؤلات الوجود، ما أكبرها وأجلّها! هل نحن ماضون إلى الفناء؟ أم إنها الحياة تعيد تشكيل ذاتها، لتكون أكثر نضارة وبهاءً وجمالاً؟ هل أحلامنا ماضية إلى الفراغ، أم إنها تتوالد في فضاء من السرمد أرواحنا؟ هل يخطف الموت الجليل بريقها، أم يجعل لها أجنحة ترفرف في جنات الخلود؟ إنها حكمة الخالق العظيم.