الأمهات العازبات بالمغرب….نساء يقفن أمام عدالة مجتمع لا يرحم…..
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( الأمهات العازبات )
الثلاثاء 10 ماي 2016 – 12:37:06
اختلفت قصصهن لكن المرارة واحدة والألم واحد، يتمنين لو تعود عجلة الزمن للخلف ولو لبرهة من أجل محو عار وخطيئة حولت حياتهن إلى جحيم، بل ألقت ببعضهن إلى الشارع بعدما كن ينعمن بالدفء العائلي، لكن غدر الزمان ومكائده حوَّلهن إلى أمهات، ولكن ليس كباقي الأمهات اللائي دخلن المستشفيات ووضعن حملهن ومن حولِهن أفراد العائلة يباركن ويقدمن الهدايا، بل أمهات قدم لهن عشاقهن باسم الصداقة والحب والزواج والأحلام الوردية المزيفة هدية مسمومة تتمثل في طفل بدون نسب وبدون هوية.
باسم الصداقة والحب والزواج فتيات استسلمن في لحظة ضعف لذئاب بشرية بدل أن يطرقوا باب الحلال من خلال طرق الأبواب الأبوية، تصيدوا في غفلة فتيات ليحولن حياتهن إلى جحيم فدخلن عالم الأمهات وهن لازلن في مرحلة العزوبية، ورحل هؤلاء الوحوش تاركين ضحاياهم يواصلن طريقهن نحو الجحيم الأبدي وهن يحملن عارا يلاحقهن أينما يحللن وأينما يرتحلن، مع أن الله غفور رحيم بعباده . الا أن العباد يتخذون من القسوة عملتهم في الحياة.
بدايتها سلام فكلام فحب فلقاء فحمل غير شرعي فمصيبة وطامة تقع على رأس فتاة في ريعان شبابها، لا تدري كيف تدس عارها، فلا تجد ملجأ ولا معينا في مجتمع لا يرحم، تتساءل في لحظة ضعف أخرى في حديث مع النفس والهوى ، هل تعود به إلى البيت وتواجه عدالة منزلية أحكامها قاسية لا تتسامح مع قضايا الشرف؟ و في مجتمع لا يرحم خطيئة كهذه، أم تدسه أوتدس نفسها في التراب وتقع في خطيئة أكبر من خطيئتها، فيساورها الانتحار أو الإجهاض والتخلي عن فلذة كبدها.
الأم العازبة شابة كسائر الشابات، كانت تحلم بـتأسيس أسرة عمادها الصلاح، وعمودها التوازن، أسسها التربية، وأساسها الأخلاق، لكن الأقدار غيرت مسار هؤلاء النسوة ومشوارهن، تتعدد القصص وتتنوع الحكايات، وتبقى المعاناة السمة الأبرز والعنوان الأساس، ترفل قصص الأمهات العازبات بكثير من الأسى والحزن وتطفح بالحسرة والندامة، حالة تكفي لتنسحب على باقي الحالات.
أمال دخلت عالم الأمهات العازبات بسبب لعنة اسمها”الحب”
” إني نادمة” بهذه العبارة بدأت “أمال” سرد قصتها المحزنة والأليمة وقلبها يتقطع حسرة وندما على ما ارتكبته من جرم في حق نفسها، وفي حق عائلتها باسم لعنة اسمها الحب، ذلك الحب الذي ساقها لعالم الأمهات العازبات، أمال جمعتها زمالة مع أحد أصدقائها في أحد محالّ الحلويات، سرعان ما تطورت إلى حب تبادله الطرفان، لايهم أيهما كان صادقا، كانت حينها الفتاة أمال في سن العشرينن تقاسمت مع زميلها أياما جميلة حسب قولها، تبادلا فيها أسمى كلمات الحب التي تفوح رومانسية، وتعبق حنانا، وطبعا هذا ديدن الشباب في محاولة تصيد الفتيات، صدقته أمال وتعاملت معه بعفوية وبراءة، ولم يجل في خاطرها يوما أن فارس أحلامها الموعود سيغدر بها، وهو الذي وعدها بالزواج وإقامة عرس الملوك حسب قوله، فوقعت أمال في مصيدته وباعته عواطفها، في المقابل كان فارسها الموعود يبع لها الأوهام، ويتحين الفرصة المواتية لينقض عليها كما تنقض الوحوش البرية على ضحاياها، ليت أمال باعت عواطفها للرجل فحسب، بل في لحظة ضعف باعت جسدها للفارس الموعود الذي بدل أن يطرق دار أمال ويفتح أبواب الحلال طرق أبواب الشر وفتح أبواب الجحيم في وجها .
تسترت أمال في البداية عن الأمر لكن بعد شهور حملت الفتاة فصارحت الرجل بالحقيقية، فما كان له إلا أن طلب منها أن تجهض حملها، فتوددت له أن لايتركها وحيدة تواجه المصيبة التي كان سببا فيها، بل وصارحته أن عائلتها ستقتلها إن علمت بالأمر، لكن هيهات …. الفارس غادر المكان وبعد أيام، غير مكان العمل وغير رقم هاتفه ليترك الفتاة أمال تواجه الجحيم أمام عائلة مرغت وجهها في التراب… حسب العادات و التقاليد ….، وأمام مجتمع لايرحم هذه الخطايا، بعدما علم أهل أمال بجريمتها وبخطيئتها حاولوا قتلها ففرت من البيت لتجد نفسها في الشارع، في النهار تمتهن التسول من أجل إعالة ابنها، وفي الليل تلجأ إلى العمارات التي لايغلق القاطنون بها أبوابها لتبيت بها وتنهض في الصباح الباكر لتغادر المكان حتى لايكتشف أمرها، تواصلت معاناة أمال لسنتين كاملتين لكن في آخر المطاف ساقت أمال لنفسها طريقا جديدا تعتمد فيه على نفسها، فقامت بتسجيل ابنها على اسمها بعدما التحقت بإحدى دور الرحمة وقامت بتكوين في فن الطبخ وعملت بأحد المطاعم ما مكنها من قضاء حوائج ابنها، وهي الآن تبحث عن مأوى يأويها ويجنبها التشرد من جديد”.
قصة أخرى لاتختلف عن قصة “أمال” من حيث المضمون فهي قصة للمعاناة ممزوجة بآلام الحسرة والندم على ذنب لايغفره المجتمع المغربي “المحافظ”، ولاترحمه القواعد والنصوص العائلية التي لاتتسامح مع قضايا “الشرف”.
خطيبها يدخلها عالم الأمهات العازبات
فتاة من شمال المغرب، رفضت ذكر اسمها، وقعت ضحية لشاب مغترب أوهمها بالزواج، لكن في آخر المطاف غرر بها، واقتنص فرصة الثقة التي وضعها فيه أهلها لينال مبتغاه ويغادر من حيث أتى لغير رجعة، تقول الفتاة وهي تسرد قصتها بمرارة “كان عمري آنذاك 21 سنة تعرفت على شاب مغترب جاء لمدينتي ليقضي عطلة الصيف، كان تعارفنا تعارفا عابرا في شاطئ البحر، لقد أغراه جمالي فانجذب إلي بسرعة وأعطاني رقم هاتفه بعدما عبر لي عن إعجابه بي، وقدم نفسه على أنه مغترب بإسبانيا، أنا من عائلة فقيرة، لقد روادتني الأحلام بأن الفرصة قد حانت لأعيش حياة الترف بجانب رجل في الضفة الأخرى، وأساعد عائلتي المعوزة، تقدم الرجل لخطبتي وأحضر عائلته لبيتنا البسيط وبعدما تمت خطبتنا كان يدعوني للخروج معه من أجل اقتناء حاجيات العرس، لأنه سيغادر المدينة ويعود إليها بعدما يحدد موعدا لزفافنا وأخذه لي إلى ديار الغربة، استغل الفرصة ليوقعني في شباكه وينال مني، وبعد ذلك ذهب ولم يعد على رغم محاولات الاتصال به وبعائلته، تحولت حياتي لجحيم لايطاق بعدما وجدت نفسي أحمل ابنته أو ابنه في أحشائي، فهربت من البيت وشرحت الأمر لأحدى صديقاتي التي أرشدتني لإحدى المختصات في مساعدة النساء المعنفات والمغتصبات بالجهة، التي ساعدتني باتصالها بأهلي، غير أن صدمتي كانت كبيرة بعدما رفضت عائلتي عودتي إلى البيت، غير أن المختصة ساعدتني في التواصل مع إحدى الجمعيات التي ساعدتني إلى غاية وضع حملي، كما أنها ساعدتني في إيجاد عمل أكفل به نفسي وابنتي التي لاتتحمل خطيئة أمها التي صدقت أوهام الرجل المغترب الذي رفض العودة والاعتراف بابنته.
قصص كثيرة لايمكن سردها في هذا الحيز الأبيض الضيق، لكن هذه كانت عينات من قصص مشابهة، اختلفت نهاياتها، لكن حتما تشترك في عدة نقاط كالمعاناة والألم النفسي الذي يكون سببه عذاب الضمير والإحساس بالذنب والندم بعد فوات الأوان وتضاف لكل هذه المآسي نظرة مجتمع لايرحم و لا يغفر .
الأمهات العازبات بين نظرة قاسية وإشفاق محدود
في محاولة منا لتقصي نظرة المجتمع حول الأمهات العازبات حاولنا أخذ عينات من آراء مختلفة من المجتمع، فكم كانت قاسية تلك الأحكام وكم كانت مؤلمة من الكثير من العينات التي رفضت تقبل الأمر، واعتبرته خطيئة كبرى لايجب التسامح معها لأنها تهدد التماسك الاجتماعي وتقوض لبنة الأسرة المغربية.
عبد القادر سألناه عن رأيه في الموضوع فقال “هؤلاء ارتكبن خطيئة ووقعن في فخ الفجور الذي كان سببه التقليد الأعمى ومحاكاة المسلسلات المكسيكية والتركية من خلال ربطهن لعلاقات غير شرعية مع الغرباء، واعتبر أن الظاهرة تنتشر بشكل ملفت خاصة بين طالبات الجامعات اللواتي يربطن علاقات غرامية مع غرباء، تنتهي في كثير من الأحيان بخطيئة كبرى وحمل غير شرعي تكون نهايته في كثير من الأحيان برمي المولود في القمامة أوالمقابر من أجل إخفاء الفضيحة”.
أما “حليمة” وهي طالبة من طنجة نظرتها تختلف عن نظرة عبد القادر، ففي نظرها أن الفتيات اللواتي وقعن في الفخ تنقسم بين فتيات وقعن في الفخ برضاهن وأخريات وقعن ضحية اغتصاب، ودعت لعدم وضع جميع الضحايا في سلة واحدة، وواصلت قائلة إن الفتيات ضحية الاغتصاب، أنا أشفق عليهن وأدعو المجتمع للنظر إليهن بعين الرحمة والشفقة لأن لاذنب لهن فيما وقعن فيه”.
أما رشيد فكان قاسيا جدا عندما اعتبر أن المناداة بتخصيص منحة لهؤلاء يعتبر تشجيعا على الفجور والبغاء، كما أكد أن الفتيات جلهن السبب فيما وقعن فيه بسبب رفضهن الزواج بعدما يتقدم شاب بسيط لخطبتهن، وفي المقابل تؤمن بالعلاقات الغرامية التي تنسجهن خارج الأسوار العائلية، فيدعن بيوت الحلال ليدخلن في الأخير بيوت الرذيلة ويتسببن في حمل شرعي ينتهي في كثير من الأحيان بحالات انتحار بعدما توصد الأبواب في وجه الفتاة التي لاتجد حلا لتدس عارها سوى الانتحار حسب قوله.
تبقى الأم العازبة محط أنظار المجتمع، يرمقها الناس بسخط وحنق، وتكون علاوة على هذا ينبوع التهم ومثار الشكوك والريب، لا يلتمس الناس لها الأعذار، ولا تغفر لها الأسرة الزلات والهنات، تبقى وحيدة تبحر في بحر الهموم، تكابد معاناة اجتماعية ، يحدث هذا في غياب إحصائيات رسمية عن عدد الأمهات العازبات التي تشير بعض التقارير أنها في تصاعد مستمر، و في تصاعد جنوني يدق ناقوس الخطر حول الظاهرة في غياب حلول ناجعة، تكون كفيلة بوقف هذه الظاهرة التي باتت تفكك الأسر المغربية يوما بعد يوم.