أضـواء على أحـيـاء طنجـة القديمـة (8)
جريدة طنجة – محمد العربي بن رحمون ( كتاب : نظرات طنجة إلى الماضي.لمؤلفه الصايغ )
الأربعاء 11 ماي 2016 – 12:31:55
•منذ أكثر من قـرن، هذا الحيز الضيق الذي يدعي السوق الداخل رغم تفاهته في الظاهر، كان قلب طنجة النابض وروحها. ففي وسطه ومحيطه تنعكس كل ارتدادات الحياة الإنسانية، روح طنجـة في كليتها موجودة هناك في هذا المربع الصاخـب والملـون.
فهو الملتقى المركزي لوسط العديد من الأحياء المتاخمة له، حيث فيه تتجمع التيارات المضادة الآتية من كل الأحياء المجاورة، حتى صار السوق الداخل بدون منازع النواة الصلبة بالنسبة للمدينة، فهو بمثابة مركز تجاري وسوق يعج بالحركة والحيوية ومنتدى تتلاحق فيه قضايا مختلفة ومتنوعة ومكان المرور والترفيه والاجتماعات. الحياة في المقاهي والنوادي والكازينوهات تنساب مع كل ما يمكن أن يعطيه الفضاء من فوائد وفـرص. في هذه الساحة نسجت الأيام والأعوام ماض مثير ومعقـد لمدينة يتذكرها كل هؤلاء الذين يجيدون لعبة الذاكـرة.
السوق الداخل في الماضي يتميز بطبيعته المغربية المحضة التي تجلت في حمي الحركة الصادرة عن باعة ورواد للسوق القرويين يفرشون الأرض بجميع أنواع المنتوجات، وحافظ هذا المكان على خاصيته النموذجية، حتى أثناء المدة الطويلة للاحتلال البرتغالي والبريطاني ابتداء من القرن الخامس عشر إلى القرن السابع عشر. الإنجليز كانوا يجدون فيه بوفرة جميع ما يحتاجون إليه من فواكه وخضر وتوابل إلى أن أطلقوا عليه إسم MARKET PLACE، وبعد مغادرتهم طنجة سنة 1684 وجد فرسان السلطان مولاي اسماعيل في هذا الحيز الضيق والمتميز مكان للترويح على النفس، وفي الآن نفسه مكان للتسويق والراحـة.
وفي غضون سنة 1880 بقي المكان كما كان سوق أهلي مفتوح، يتميز بصخبه الغريب وفندق يناسب زمانه – الحمير والبغال- بدورها احتلت حيز من المكان لأهميتها في حمل المنتوجات والسلع والبضائع الآتية من البادية إلى داخل هذا السوق المحاط بالأسـوار.
إلا أن الحقبة المهمة والتاريخية لهذا السوق، ستبدأ بعد زيارة السلطان مولاي الحسن في شتمبر سنة 1889 وخصوصا بعد مجيء بعض الأوروبيين حيث سيعرف هذا الفناء الصغير تغيير كبير في مظهره البدائي وسيتحول عبر الأيام الموالية إلى مكان أكثر شعبية في المدينة وستزداد أهميته عبر السنين والأعوام.
يتـبـع