الذكرى الأولى لرحيل المرحوم العلامة الموسوعي الدكتور عبد الهادي التازي (4)
جريدة طنجة – محمد وطاش (الذكرى الأولى لرحيل العلامة عبد الهادي التازي “4” )
الأحد 01 ماي 2016 – 15:58:31
•في اليوم ثاني من أبريل/نيسان من سنة 2015 فَقدت الأمّـة عَلَمـًا من أعلامها الأفذاذ، فقدت الفقيه المؤرخ” عميد المؤرخين المغاربة“، المترجم المحقق، الدبلوماسي الرحالة،العضو بأكاديمية المملكة المغربية، والعضو بمجمع اللغة العربية، العلامة الموسوعي، الدكتور عبد الهادي التازي .عام يدور على رحيل روح مرشدنا على جناح ملاك الموت إلى دار البقاء ملبية نداء ربها:”ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية،فادخلي في عبادي وادخلي جنتي”.
وتزكية لوَشائج المَحبّة الأزلية الــرّابطة بين مُهجتنا ورُوح الفقيد العزيز، ارتـأينا أن نستحضر -في الذكرى الأولى لرحيله إلى دار البقاء – بــاقة من الرسائل العطرة التي بعث بها إلينا رحمه الله، في مناسبات معينة،دعمًا و تشجيعًا وتعقيبًا على بعض ما نشرناه من مقالات عبر سلسلة حلقات ضمن ركن” نبش في الذاكرة…” بجريدتي طنجة و الشمال ؛ وهي رسائل لطيفة لاتخلو من متعة وفائدة.. كما كان سعادته لا يتقاعس عن مراسلتنا ولو كان على سفر أوحل به سقم ،حيث راسلنا رحمه الله من أرض الكنانة في أوج ربيعها،وكذا بعد عودته من مسقط (عمان )وإثرعدد من الرحلات العلمية قادته إلى بعض بلدان الخليج، كما راسلنا – رحمه الله- وهو طريح الفراش بالمستشفى العسكري بالرباط.
و إنّه لشَرَفٌ عَظيم أن يحظى شخصنا المتواضع بصفة “النباش” من لدن هذا الرجل العظيم الذي ستظل محبته متجذرة في أعماق وجداننا إلى يوم تحشرفيه أجسادنا، فتتعانق بفرحة اللقاء بعد حرقة فراق ولوعة اشياق أرواحنا.
فَقِراءة مُمْتعة ومُفيدَة.
مرشدنا الفقيد العزيزكان قارئا محققا مدققا يدرك مواطن القوة والضعف في أي نسق معرفي، مخطوطا كان أم منطوقا ،ولايتوانى في إحاطة المتلقي بما خفي عنه من غميس أفكارودقيق معلومات،قلما تعثرعليها بين دفتي كتاب؛ومثيل ذلك ما سنقف عليه في الرسالة التالية:
كما وافانا ،عزيزنا ومرشدنا الدكتورعبد الهادي التازي،رحمه الله، ،برسالة تنويروتشجيع – كان لها كسابقاتها – بالغ الأثرفي نفوسنا،لما تضمنته من مشاعررقيقة وفوائد رائقة، أشعت في دواخلنا ما نكنه من محبة لهذا الرجل العظيم ،قاهر عوادي الزمان بإيمان قوي،ووطنية صادقة ؛حباه الباري تعالى شخصية متواضعة أنيقة،ورحابة صدرعميقة،وزاده فضلا إحاطته بثقافة موسوعية عريقة ،ورؤى مستقبلية دقيقة ،ولباقة دبلوماسية …طحنت شوكها وأتت أكلها في بلدان شقيقة وأخرى صديقة.
ولنا شرف أن نحظى،في هذا المقام، بصفة”الفتاش”من لدن عزيزنا التازي،لتنضاف إلى ميزة”النباش”التي خصنا بها سعادته آنفا،وكلتاهما شهادتان فخريتان تعتز بهما جريدتنا باسم أحد أفراد أسرتها ،ألا وهووطاش(النباش /الفتاش).
وكعربون على مانكنه لمرشدنا الجليل من بالغ مودة وكبيرمحبة ، نورد نص هذه الرسالة :
وتعزيـزًا لفَحْـوى هذه الرسالة بما تضمنته من معلومات تاريخية سجلنا ورقة حمراء في حق هذا المخلوق المضطهد المهضوم الحقوق اخترنا لها عنوانا شاملا كاملا كتكميلة لما يذكره كولان في معجمه، هو ذا نصها :
ما لم يذكره” كولان” مما لحق “بوعبـولة “من أذى صبيان وشبقية فتيان وجشع باعة ألبان..
المثل الشعبي “ارطب وياكل الشوك بحال بوعبولة”الذي علق عليه الدكتور عبد الهادي التازي -مشكورا-في متن الرسالةالمنشورة أعلاه،أيقظ ذاكرتي الطفولية لاستحضار بعض ما اختزنته من لحظات غابرة حول هذا المخلوق المشرد الذي يأكل الشوك ،ويتعرض لشتى أصناف العذاب والهوان والإبادة من لدن همجيين” دنجوانيين” قاصرين وراشدين،سعيا لتحقيق أغراض رخيصة ونزوات خسيسة.
ولمزيد من الإيضاح ،وإن كان “شرح الواضحات من المفضحات”كما يقول الفقهاء،فهذا الحيوان اللزج الذي ذكره “كولان” في معجم اللغة العامية المذكور،والذي يتخلى عن قوقعته،رغما عن أنفه- لكبر حجمه ،كان عادة ما يتعرض لأذى القوارض والطيور،وكذا لبطش بعض الصبيان الذين يلحقون به شر أذى ،حيث يزهقون روحه؛ومن اليافعين من كانوا يستعينون به في ممارسة العادة السرية عوض”البصاق” ،إذ يقومون بدعكه بقبضة اليد تيسيرا للعملية.
ففي ميعة الصبا – أواخر الستينيات -اقتنصت صدفة ، ب” أقشمير”فوق مرتفعات الحاجب، ثلة من التلاميذ المشاغبين ،وقد تواروا عن الأنظارخلف صخرة ،وبشكاراتهم حفنة من “بوعبولة”وهم على أهبة تنفيذ حكم الإعدام فيها شنقا بقبضات أيديهم إشباعا لرغبات مكبوتة.
وبلغ إلى علمي أن بعض البدويات اللعينات كن يقمن بدس “بوعبولة”/”بعلولة”كما ينطقها أهل الشمال،في قدور اللبن،حتى يطلق بزاقه، ويصبح اللبن “خاثرا”،فيكون عليه الإقبال.
وأخبرني أحد الزملاء أن شخصا بحي السواني بطنجة حباه الخالق ببنية بدنية قوية، إلا أنه كان مصابا بعلة-نتحفظ عن ذكرها لأسباب موضوعية-كان يجمع كميات من “بوعبولة”بالمقابرالمعشوشبة ويلتهمها حية، حتى شفي من علته ،ولقدعمر طويلا ،إلى أن لقي حتفه “مبعللا”.وتلحق صفة “بوعبولة”بالذكر الثقيل الظل”فلان مبعلل”وبالآنثى الخمولة”فلانة مْبعللة حتى للطرف”.
فلو ظل “بوعبولة” ملازما لقوقعته /سكنه،رغم شظف عيشه ،غير طامع في رزق غيره،لاحافظ على رشاقة قوامه واستقراره ،وما كان ليتعرض لأذى أهل زمانه،إناثه وذكوره.
كانت المراسلات بين النباش ومحبه التازي لاترتدي مسوح الرهبان ولاتخفي رؤوس أقلامها وراء كتبان النفاق والبهتان،بل كانت مضامينها صادقة صريحة واضحة المعالم والبنيان، ترشد الغافلين من بني الإنسان،وتعيد للنفس بعض الاتزان في عالم قاتم طغى فيه عمى الألوان.وهذا ما وطد أواصرالصداقة الأزلية بين النباش ومرشده عبر امتداد الزمان وانتشارالمكان،مثلما تعبرعنه هذه الرسالة المشعة نورمحبة من أعماق الوجدان:
هذه نماذج من الرسائل الرفيعة التي وافانا بها مرشدنا الدكتور عبدالهاي التازي في مناسبات معينةإرتأينا أن ننشربعضها ضمن هذا الركن تزكية لروابط المحبة التي تربطنا بفقيدنا العزيزدون أن يجمعنا سابق لقاء في هذه الدارالفانية،وإنما تعانقت أرواحنا على بياض صفحات جريدة طنجةالغراء؛ولايفوتني بالمناسبة أن أترحم على روح الدكتورة آمنة اللوه قيدومة الأديبات و الصحافيات المغربيات(حرم المرحوم إبرهيم الإلغي ،شقيق المرحوم المختار السوسي) و التي كانت تنشرمقالاتها المتميزة في جريدتنا،وهي صاحبة الفضل في اهتداء الدكتور عبدالهادي التازي إلى هذا المنبرالذي وجد فيه ضالته رحمه الله.كما لايفوتنا أن نشد بحرارة على يد حامل البشارة” محقق سيف النصر…” صديقنا الأديب الظريف السملالي عبد اللطيف المخلص/ الأمين للدكتورة آمنة اللوه تغمدها الله بواسع رحمته وبنى لها بيتا في جنته. وفي الختام نجدد تعازينا لأسرة الفقيد العزيزولمؤسسة عبدالهادي التازي المنيفة التي لنا شرف الانتماء إليها كشريك متميز.
(انتهى) .
الجزء الأول
الجزء الثاني
الجزء الرابع