أضـواء على أحـيـاء طنجـة القديمـة (9)
جريدة طنجة – محمد العربي بن رحمون ( كتاب : نظرات طنجة إلى الماضي.لمؤلفه الصايغ )
الخميس 19 ماي 2016 – 10:47:54
•منذُ أكثر من قـرن، هذا الحَيز الضيق الذي يُدعى السـوق الداخـل رغـمَ تَفـاهتهِ في الظاهر، كان قلب طنجة النابض و روحها. ففي وَسطهِ ومحيطه تنعكس كُـل ارتدادات الحياة الإنسانية، روح طنجـة في كليتها مـوجــودة هنـاك في هذا المربع الصاخـب والملوّن.
ابتكار جديد أبهرَ النَّـاس وأصابهم الذُهول لما رَأوا حيث لم تصدق أعينهم ما رَأت من اكتِشاف جميل لم يكن في الحسبان. إنّها حِقبة جديدة تبتدئ ومعها يَنطلقُ حي سوق الداخل يستمد مَعـاييره وقيمه التــأسيسية ومنها أنمــاط التواصُل الجديدة بفضل الثورة العلمية التي عرفتها أوروبا في ذلك الزمان.
الأرض التي كانت تكتسيها تربة صلبة تحوّلت إلى حَجَر بجــانب حجر وأفــرزت على هذا الشكل طريق جديدة مُستدقة وشيئـًا ما زلقة، فَضلاً عن ظُهـــور في فجر هذا القرن بنـايـــات جديدة حيث الحياة الأوروبية بدأت تلقي بظلالها على هذا الحي، مما جعل البيوت الخشبية المخصصة للأهالي تغيب عن الأنظار وحل محلها مقاهي محاطة برصيف بمسافة غير بعيدة عن أول مكتب بريد إسباني Correo Espagnol المفتوح منذ 1881 بالقرب من دار المفوضية الإسبانية Legation Espagnol بناية أثارت الإعجاب في زمانهـا.
بعد سنة 1910 ستفتح مقاهي جديدة أبوابها لتحول السوق الداخل إلى مكان أكثر إشراقا ونورانية، حيث ليله مليء بالحركة. حقيقة لقد أصبح السوق الداخل عبارة عن مقهى واسع جزء من المقهى في الوسط وجزء آخر في الزوايا والباقي على الأطراف، يعطي الانطباع بأن المكان له نبل وأبهة، مما سيجعل منه نقطة ذات أهمية حيوية وأكثر جاذبية في علاقته مع المدينة.
ولا يمكن الحديث عن تاريخ سوق الداخل كمرآة للحياة اليومية الماضية، دون الحديث عن مقاهيه المتواجدة بكل جوانبه، فهي بدون منازع روح سوق الداخل كما هذا السوق بدوره قلب مدينة طنجة العتيقة. فمقهى البريد بقرب زنقة البريد يعد من المقاهي الأوائل التي فتحت أبوابها في بداية القرن واستمرت طيلة المدة الموالية وبجوارها نلاحظ واجهات المحلات التجارية تعتليها علامات مغرية وتحمل أسماء
مثيرة للذكريات، مثل مقهى سنطرال (تجمع في أنشطتها بين جوق موسيقى إسباني وجوق أندلسي) مقهى إسبانيا، مقهى ومطعم فوينطيس، مقهى الأمم، حلويات بيلو مقهى طنجيس، مقهى لابورس. وكانت تتردد على هذه المقاهي شخصيات من المشاهير منهم من يأتي إلى طنجة كزائر عابر لاستعراض مواهبه ومنهم من فضل الاستقرار بها إلى الأبد، حبسته نزواتها وسحر جمالها.

في رصيف هاته المقاهي، كانت تناقش قضايا وطنية وأحداث دولية، بالإضافة إلى الأخبار الجميلة والمسيئة والتعليقات الهادئة عليها وما تنطوي عليه من أبعاد وثيقة الصلة برؤيتهم للعالم الذي كان يتحرك من حولهم في اتجاهات السلم والحرب.
وعلى المستوى المحلي، كانت هناك نشرات محلية تنشر القصص الشائعة في المدينة منها ما هو حقيقي ومنها ما هو خيالي، بالإضافة إلى ردود الأفعال الفردية والجماعية لها علاقة بالأفراح والأحزان والإحباطات، هذا الجو المفعم بالحرارة الإنسانية، كان يجد انعكاساته وصداه في هاته المقاهي، الأمر الذي جعل المرور من السوق الداخل إلزامي، إما لإثبات الذات أو الحصول على ما هو جديد..
يتـبـع














