أطفال الشوارع آفة “طنجة الكبرى”
جريدة طنجة – سمية أمغار ( أطفال الشوارع)
الخميس 07 أبريل 2016 – 15:52:09
إعداد النصوص، شيء جميل، ولكن الواقع شيء آخر. هذا الواقع المُـؤلم بـل الكــارثي، يتَجلّـى في جَحـافلِ أولاد الشوارع الذين يَزحفــون على المُدُن الكبرى، كل يوم، وطنجة نمــوذج بـــامتياز لهذه الظاهرة، حيث يعيشون عيشة القطط والكلاب الضـــالة، يهيمون على وجوههم من الصباح إلى ساعات متأخرة من الليل، باحثين عن بقايا طعام بين قمامات أهل النعم، حالتهم يرثى لها قذارة ووسخا وهم يتجولون في الشوارع العامة أو بين طاولات المقاهي الرئيسية بحثا عن بقايا مشروب في كاس عفا عنها صاحبها، أو عقب سيجارة أخذ وطره منها مدخن مغادر، أو عن درهم يتصدق به عليهم إلى أن تتكون لهم ثروة من عشرين درهما يقدمونها “قربانا” لقنينة سيلسيون يظل الواحد منهم يشمها إلى أن “يدمج” دماغه ويتهلوس حسه، ويصير قادرا على كل المصائب !
ومن تلك المصائب ما نشاهده كل يوم، في أصباحنا وأمسائنا من حالات اعتداء وسرقة، ومضايقات للمارة، خاصة الفتيات والنساء منهم، واستعمال للسكاكين والسيوف مع الضرب والجرح والسب والشتم قصد الترهيب والترويع…..وما إلى ذلك من مظاهر “فتوة” مزيفة، ناتجة عن “التقرقب” و”الشم” والإدمان على ذلك، بغية إثبات الذات وفرض الوُجـــود على مجتمع يصرون على الانتقام منه بكل الوسائل، لأنهم يعتبرونه مسؤولا عن تشردهم وضياعهم، وفي هذا بعض من حقيقة، لآن الحكومات المغربية المتعاقبة، أساءت الاهتمام بالبـــادية، منذ الاستقلال، كما أساءت تقدير الأخطار الناتجة عن الهجرة إلى المدن، وتَنـامــي ظـاهــرة مدن الصفيح بجوار المدن الكبرى كطنجة، المسيّجَة بالقصدير من كل الجوانب والتي تنطلق منه، كل مساء جحافل الأطفال المتسكعين، يحاولون، بكل الوسائل، لفت الانتباه إليهم، وهم يعبرون ساحة فرنسا وشارع باستور وشارع محمد الخامس إلى ساحة الروداني، ذهابا وإيابا، على دراجات هوائية متهالكة، وبدون إنــارة، وهم يطلقون صيحات على طريقة الهنود الحمر في مواجهاتهم للرجال البيض، الغزاة، دون أن يوجد من يغير هذا المنكر من رجال ونساء الحال !
أطفال الشوارع يؤثثون جل مَنـاطـق المدينة حيث يتوفر الأمن والأمان لهم، وتتوفر الأجواء المسهلة لاصطياد الضحايا من بين المارة، أو لتحقيق حلم “الحريك” إلى الضفة الأخرى. فهم موجودون جماعات جماعات، بأبواب الفنادق، والمقاهي والمطاعم وفي الحدائق ومحطات القطار والمحطات البحرية والبنايات المهجورة حتى إذا لعب “الشم” بأدمغتهم، بحثوا عن مدخل عمارة أو عن ركن في الرصيف، للمبيت فوق لوحة كارطون يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ليفاجأ “المبكرون” من المواطنين القاصدين أعمالهم اليومية، بمنظرهم المؤثر وهم على ذلك الوضع اللا إنساني، بكل المقاييس.
أطفال الشوارع ظاهرة في تنام متسارع ومقلق في نفس الوقت، يرجع الباحثون أسبابها إلى عوامل اجتماعية متعدّدة، منها تفكك الأسرة، والفقر والهجرة من الأرياف إلى المدينة، وعجز الوالدين على توفير حاجيات الأسرة، والطرد المبكر من المدرسة والرغبة في الحريك، بحثا عن حياة أفضل في أوروبا، وغياب مؤسسات رعــاية الأطفال في وضعية الهشاشة بطاقة استيعاب واسعة، إلى غير ذلك من العوامل التي تساعد على اتّساع هذه الظاهرة التي لا تخلو من مخاطر بالنسبة لهؤلاء الأطفال.
من هذه المخاطر، التعرض للاغتصاب وللاستغلال الجنسي وللتوظيف في ترويج المخدرات، وتعاطي السرقة التي يعتبرونها مفتاح العيش والاسترزاق بالنسبة لمعظمهم، ثم يتدرج هؤلاء الأطفال في عوالم الجريمة، لينتظموا في عصابات إجرامية على قدر كبير من الخطورة، وهو ما تطلع علينا به كل صباح ومساء، جُل الصُحُف الــوَطنية الكبرى.
يحدث هذا، والمغرب يفاوض من أجل إطلاق قمر صناعي جديد، ومن أجل إنشاء مفاعلات نووية، والمغرب يطلق المبادرات تلو المبادرات من أجل التنمية، على كل الجبهات، فكيف سنحقق هذه التنمية في ظل نوع من التهديد المستمر والمتنامي لظاهرة أطفال الشوارع الذين سيصبحون شباب الشوارع ثم رجال الشوارع في صيرورة حتمية قد تعيق طموح المغاربة المشروع إلى التنمية المنشودة. ذلك أن مُخطّط طنجة الكبرى، على سبيل المثال، لا يتم بالبنايات والشوارع والطرق والموانئ والمطارات، ولا ببث أشجار النخيل في كل شارع وزاوية، بل بتنمية الإنسان الذي هو غاية كل مجهود لتحسين إطار الحياة.
وليس أطفال الشوارع هو الهم الوحيد التي تشتكي منه مدينة طنجة، في غيبة تامة عن أي اهتمام من السلطات المحلية، بل إن ظاهرة أخرى أصبحت تـُؤرق مُوـاطني هذه المدينة، ولا من ينتبه ! … الأمر يتعلق بالمعتوهين والمَجــانين والمرضى النفسانيين ، من الذكور والإناث، الذين يزحفون على هذه المدينة من جهات أخرى، يتجلى ذلك من لهجتهم وهم يردّدُونَ كَلامـًَا غير مفهوم وبصوت عال، وهم يتهددون المارة ورواد المقاهي في الشوارع الرَّئيسية، وهم يقومون بحركات غريبة كتلك الفتاة التي تعري نصفها الأسفل كلما مرّت أمام مفاهي البوليفار، أو تلك التي “تبصق” في وجه المارة، خاصة النساء، وهي تتهدد وتتوعد، أو تلك الأخرى التي كانت تتسول في البداية قبل أن تتحول إلى مخلوق عنيف، تتهجم على المارة ولا تتأخر في توجيه صفعة لمن نظر إليها أوتوقف للتطلع إليها….ورجال عديدون يبعث منظرهم الرعب في نفوس المارة وجلهم في حالات غريبة، غير عادية، يتفوهون بكلام غير مفهوم ويتهددون كل من جره سوء حظ إلى طريقهم.
وخلال الأسبوع الماضي، حلت فتاة بها خبل، بساحة فارو، واصطحبت معها قنينة ماء وصندوق صغير من صابون التصبين، وشرعت في غسل شعرها على حائط الجلوس بتلك الساحة كما لو كانت في حمام شعبي، في الوقت الذي كان يوجد بهذه الساحة أعداد من السياح يلتقطون صورا بانورامية للبحر وللمدافع الأثرية الموجودة بالساحة، والظاهر أن منظر الفتاة المذكورة وقد تجمع حولها العديد من أطفال الشوارع كل “مطبق” خنشة بلاستيك بهاما تيسر من السيلسيون” على أنفه، في منظر مؤفف، اثار الرعب بين السياح الذين سارعوا إلى مغادرة المكان دون الاستمتاع بجمال منظر البحر وميناء المدينة حيث كانت ترسو الباخرة السياحية الكبرى التي أقلتهم إلى طنجة.
أطفال الشوارع و المعتوهون، آفة “طنجة الكبرى” التي قد “تجازف” بالمستقبل، إذا لم تتخذ تدابير عاجلة، قويّة وفَعــّالة، لتخليص المدينة منها…