يانخلُ
جريدة طنجة – عزيز گنوني (آراء )
الجمعة 23 مارس 2016 – 13:09:41
ذلك أنّه ما أن استقَرت أشجار النخيل على ساقها بحـافــــات الشوارع والطرق التي غَزتْها، حتى هب عليها طوفان الأمطار والريـــاح العــــاتية، التي لا يعرف عنها “الخواجة” شيئــًا، ونحسب ، نحن، لها ألف حساب، فجعلتها “أرضًا دكـًا”، ولولا ألطاف ربّـــانية، لكانت الخسائر غير الخسائر، والأضرار فوق ما حصل !
هجوم النخيل “المُبــــاغث” على طنجة، قُوبلَ بغَضب أهل المدينة ، ممن يعتقدون أن تلك الشجرة “المباركة” غريبة عن الحي الذي يبعد عن الصحراء الكبرى بما يفوق أربعة آلاف كيلومتر، ويعتبرون أن اقتلاع النخيل من موطنه الأصلي و “الزج” به في بيئة غير بيئته أمر غير صحي.
كيف جالت بخـاطرِ الولاية والجماعة فكرة تحويل مدينة طنجة إلى “واحة” صحراوية على مشارف أوروبا؟
الله أعلم ! … ولكن هذا الأمر يُذكرنا بـوالٍ سابق أمرَ بـإضفـــاء اللون الرملي الصحـــراوي على البنايات الرّسمية ومنها الخاصة، و لا تــــزال بناية الأمن بساحة 9 أبريل بساعتها الفخمة، شاهدة على تلك الحقبة التي شهدت أيضا ” “طرد” أموات طنجة من مقابرهم والإلقاء بهم في أماكن مجهولة، من أجل زرع بعض الوريدات البرية وإنشاء موقف عشوائي للسيارات، الأمر الذي اضطر الأعلام إلى خوض حملة شرح من أجل إقناع الحاكم بأمره، بخصوصيات كل منطقة من مناطق المغرب.
وهذا بالضبط، ما نجد صعوبه في إقناع كل وافد جديد على هذه المدينة التي عاشت مائتي سنة عاصمة دبلوماسية للمغرب، ما يفترض اختلاط سكانها المتواصل مع أجانب من مستوى رفيع، وانسجامهم مع ضيوفهم وتأقلمهم مع أنماط حياتهم واطلاعهم الواسع على لغاتهم وثقافاتهم…..
غضب أهل طنجة من “غطاء” النخيل لأهم شوارع مدينتهم، لم يكن سببه انخراط الحكام في تحقيق تنمية “مندمجة” وفق مخطط “اندماجي” فطنجة “اندمجت” حتى “دمجت” في النسيج الوطني منذ 1958، سنة اجتماع فضالة و”العهد الملكي” الذي أبقى لهذه المدينة على بعض من صلاحياتها في مجال التجارة والأعمال. الغضب كان نتيجة قيام المسؤولين بـ “اغتيال” أشجار رافقتنا في حياتنا منذ قرن من الزمان، وهي أشجار أصيلة وجميلة وكريمة ومعطاءة تملأ الرحب خضرة ونضارة وجمالا، واستبدالها بأشجار “غريبة” عن محيطنا ، تبدو عليها آثار الحزن والاكتئاب ، لما ألم بها من غبن النوى عن مواطنها الأصلية والزج بها في غير بيئتها الطبيعية !…
غضب طنجة ناتج أيضا عن “اقتلاع” زليج الأرصفة بالشوارع الرئيسية، واستبدالها بأكوام من الأحجار التي يردد الناس في شأنها الكثير من القصص والحكايات الغريبة، والتي تحتاج إلى خبرة كبيرة لتثبيتها بدقة فوق الأرصفة، حتى لا تصبح مصيدة للأكعب العالية لأحذية النساء، أو أداة سهلة الاقتلاع والاستعمال في أغراض لا علاقة لها بتوفير مماش لـ “الباسيو” العزيز على أهل طنجة !
ومع ذلك فأهل طنجة يعتبرون أن شجرة النخيل مباركة حيث ورد ذكرها في القرآن الكريم عشرين مرة وفي ست عشرة سورة، وهي شجرة سعفها صلا وخذوعها غماء وليفها رشاء ومزها اناء ورطبها غذاء، وهي الشجرة الوحيدة التي لا يتساقط ورقها، وتموت، كالإنسان، بقطع رؤوسها، ولكنها ابنة بيئتها لا تحيى إلا فيها وبها . ويقال فيها إن النخلة طلعت، ثم أبلحت، ثم أبسرت، ثم أزهت، ثم أمعت، ثم أرطبت، ثم أثمرت. وكلما اقتلعت وزج بها في غير محيطها بدت كئيبة حزينة وفيها قال الأمير عبد الرحمن الداخل في نخلة ألقي بها من ضفاف دجلة إلى قصر من قصور الأندلس :
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة *** تناءت بأرض الغرب عن بلد النخيل
فقلت: شبيهي في التغرب والنوى *** وطول التنائي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت غريبة *** فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي. .