نماذج نسائية مشرقة .. مغربياتٌ يُقْبِلْنَ على حفظ كتاب الله
جريدة طنجة – حسن أشرف ( هسبريس )
الإثنين 11 أبريل 2016 – 16:05:52
نماذج نسائية باهرة تلك التي سطرتها نساء مغربيات، من جميع الفئات الاجتماعية والمستويات الدراسية والثقافية، أميات ومتعلمات وطبيبات، معاقات وكفيفات وسليمات البدن، بإقبالهن على حفظ القرآن الكريم كاملا، وقد بذلن كل الجهد لاستظهار جميع الأحزاب الستين.
ولا تقف ظاهرة الإقبال على حفظ القرآن عند حدود استظهار آياته وسوره عن ظهر قلب فحسب، بل تعدى الأمر في أحايين كثيرة إلى حد أن المرأة التي حفظت كتاب الله تتجاوز ذلك لتقوم بتحفيظه أيضا لأخريات، ومنهن سيدات أميات لم يجلسن يوما على مقاعد الدراسة.
الحاجة نُفيسة، التي تقطن في حي حسان الرباطي، استطاعت قبل فترة قصيرة أن تكمل حفظ القرآن كاملا، بعد أن حفظت منه الجزء الأوفر، فشمرت عن ساعدها، ووضعت انشغالات أسرتها جانبا، لتحقق هدفها المنشود بحفظ كتاب الله كاملا، وهو ما تأتى لها بعد جهد وصمود.
وتؤكد نفيسة، التي تفرغت لحفظ كتاب الله بعد أن رعت أبناءها وأدت أدوراها العائلية والتربوية داخل أسرتها، بأن حفظ القرآن الكريم كاملا ليس بالأمر العسير على من يمتلك الإرادة لتحقيق ذلك، فهو ميسر على من يسر الله له ذلك، موضحة بأن حفظ القرآن رهين بأخذه على يد شيخ متمكن.
طامو سيّدة أخرى تنحدر من مدينة وزان لم يسبق لها أن جلست على مقاعد الدراسة من قبل، لأسباب اجتماعية وأسرية، قالت لجريدة هسبريس إنها تسعى جاهدة لحفظ القرآن الكريم، بل إنها تمكنت من حفظ أحزاب عديدة بفضل عصاميتها، وتتمنى لو تحفظ الكتاب الله قبل أن توافيها المنية.
نماذج مشرقة أخرى في مجال حفظ القرآن تضمنها كتاب سابق للصحافية حبيبة أوغانيم، أوردت فيه قصص أميات ومعاقات وكفيفات يعتبرن “أمثلة حية ونماذج مشرقة لنساء مغربيات ركبن قطار التحدي رغم كل الصعوبات، وتمكن من نيل صفة الحافظات لكتاب الله”.
ومن تلك النماذج النسائية امرأة فقدت بصرها في سن الرابعة من عمرها، لكن ذلك لم يمنعها من مدارسة القرآن الكريم، وحفظه على يد أساتذة هذا العلم، فحفظته وهي في ريعان شبابها، قبل أن تصبح مُحفظة للقرآن لنساء أخريات، وهو ما تفوقت فيه أيضا نساء أميات نذرن حياتهن لهذا الغرض.
بولوز: عمارة القلوب والعقول
ويقول الدكتور محمد بولوز، الباحث في العلوم الشرعية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في تصريحات لهسبريس، إن ظاهرة الإقبال على كتاب الله تلاوة وتجويدا وحفظا من طرف المرأة المغربية شرف لبلادنا، وتصحيح عملي للصورة النمطية التي يراد إلصاقها بها”.
وتابع بولوز بأن المرأة في المغرب الأقصى باتت تتفوق في إقبالها على دروس محو الأمية والعناية بالقرآن الكريم، وخُصوصا في المدن، حيث لا يمكن أن يقارن حالهن وإقبالهن بحال الرجال، وبرهنت أن صحوتها مشفوعة بالعناية بعمارة القلوب والعقول التي يوفرها كلام الله لمن أقبل عليه واعتنى به”.
وشدّدَ الواعظ الدّيني بمساجد الرباط على أن تلك العمارة لن تنتج في آخر المطاف إلا صلاحا وإصلاحا للمرأة والأسرة والمجتمع، وخصوصا إذا أضيفت إلى تلاوة القرآن الكريم وحفظه، تدبره وحسن تفهمه والاجتهاد في تنزيله وتطبيق ما يمكن من أحكامه وآدابه والدعوة إليه”.
ولفتَ المُتحدّث إلى أن المرأة حَبـَاهَــا الله بعاطفة قويّة إذا توجّهت إلى أمر تتوجه إليه بكل كيـانهـــا، وتعطيه جميع اهتمامها، فتبدع فيه غاية الإبـداع”، مبرزا أن “ما يحسب لسياسة إعادة هيكلة المجال الديني بالمغرب أنها أدخلت المرأة عنصرا فاعلا فيه؛ عالمة وواعظة ومرشدة وقارئة وحافظة”.
واستطرد بولوز بأنه بذلك تمّ القطع مع الإقصاء والتَّهميش اللذين عانَت منهما المرأة طيلة عُصـــور انحطاط المسلمين، وأعادت الـــربط مع عصورنا الزاهرة، بدءًا من أمهات المؤمنين، وعلى رأسهن العالمة الفقيهة المُجتهدة عائشة رضي الله عنها، إلى جانب فاطمة الفهرية في المغرب”.
وأشار الباحث إلى نهضة العناية بالقرآن الكريم في قرطبة بالأندلس حيث كان في حي واحد من أحيائها أكثر من 190 امرأة يكتبن المَصاحف بأيديهن وينشرنه حيث لم يكن ثمة طباعة، ولا وسائل النشر التي عرفت فيما بعد”، ليخلص إلى أن “المرء يَفخر بـــإنجازات المرأة المغربية في مجال العناية بالقرآن الكريم”…