لك الله ياطنجة…
جريدة طنجة – محمد العمراني ( حوادث مميتة تُخيّم على طنجة)
الثلاثاء 19 أبريل 2016 – 12:01:23
سُــؤال يفرض نفسه مع توالي الأخبار المفجعة، إذ لا يكاد يمر يوم دون تسجيل حادث مأساوي، تقشعر له الأبدان…
ففي أقل من أسبوع شهدت طنجة أربع حوادث مميتة، القاسم المشترك بينها هو أن طنجة تعيش على وقع تحولات اجتماعية واقتصادية متسارعة ومتناقضة، أثرت من دون شك على سلوك الساكنة…
إبن لا يتردد في توجيه طعنات قاتلة لوالده في واضحة النهار وأمام الملأ، وعند التقصي عن ظروف الشاب المتورط في جريمة قتل ضد الأصول، ستجده مدمنا للأقراص المهلوسة، ويعيش علاقة متوترة داخل الأسرة، زادت من تدهور حالته النفسية…
الجريمة الثانية: شاب في ريعان شبابه، (24 سنة)، قام ببرودة نفس بنحر نفسه، عبر قطع الوريد وترك نفسه ينزف وحيدا داخل غرفته حتى فارق الحياة..
التحري عن دوافع الجريمة أفضى إلى كون الشاب يعاني من البطالة، وانسداد الأفاق أمامه، حتى اسودت الدنيا في وجه، ولم يعد هناك من مخرج أمامه سوى الانتحار…
هكذا بكل بساطة يقرر شاب في مقتبل العمر وضع حد لحياته بهاته الطريقة المروعة، فقط لأنه فقد الثقة في نفسه، وفقد الأمل في مستقبل يضمن له العيش بكرامة…
الجريمة الثالثة: حارس سيارات يستغل ثقة مالكة سيارة رباعية الدفع، ويقرر استغلال فرصة حصوله على المفاتيح، وهو في حالة سكر طافح، ليطلق العنان لنفسه من أجل التنفيس عن مكبوتات ظلت حبيسة صدره، والنتيجة تعرفونها جميعا:
التسبب في مصرع حارس سيّــارات تدخل لوقف جماحه، وإصابة طفل بإصـابـــات خطيرة، لازال يرقد تحت تأثيرها في العناية المركزة، وسيدة بجروح متفاوتة الخطورة..
الجاني صاحب سوابق بتهمة هتك عرض قاصر، ومدمن على تعاطي المخدرات، وشرب الكحول…
الجريمة الرابعة: زوج يجهز على شريكة حياته، وأم أطفاله، عبر خنقها حتى الموت، ثم بكل برودة دم ينقل طفليه إلى عائلته بمكناس، ويسلم نفسه للدرك…
سبب ارتكاب الجريمة شكه في زوجته بكونها تخونه مع رجل آخر!..
انتبهوا جيدا: قرر تصفيتها لمجرد الشك، ولو ضبطها متلبسة، لالتمسنا له العذر، ولقلنا أنها جريمة دفاع عن الشرف!..
القاتل يشتغل في مياوما في قطاع البناء، ويعيش ظروفا قاهرة، زادت من توتير علاقته الزوجية…
قد لا يبدو أي رابط بين الجرائم الأربع، لكن القاسم المشترك بينها هو الطريقة العنيفة والصادمة في إزهاق الأرواح…
هذا العنف الذي ارتكبت به جرائم القتل يؤشر على أن فئات عريضة من ساكنة المدينة صارت تعيش تحت وطأة حياة قاسية…
يجب الاعتراف أن مدينة طنجة، بسبب التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، التي تعرفها منذ حوالي عقدين من الزمن، أصبحت مثل وحش كاسر، يفرض سطوته على الجميع…
طنجة لم تكن مؤهلة لكل هاته المشاريع المهيكلة الكبرى، من المركب المينانئ طنجة المتوسط إلى المصنع العملاق رونو – نيسان…
انفجار غير مسبوق في النمو الاقتصادي، استقطاب استثمارات ضخمة، رواج تجاري غير مسبوق…
كل ذلك جعل من طنجة مدينة جاذبة للهجرة الداخلية، آلاف المواطنين يفدون عليها كل شهر، في غياب بنيات تحتية توفر شروط استقبال تضمن العيش الكريم لهؤلاء الوافدين…
غير أن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم منذ حوالي خمس سنوات، كانت ضربة قاصمة أصابت طنجة في مقتل…
تسريح آلاف العمال، توقف المشاريع العقارية الكبرى، التي كانت تمتص عشرات الآلاف من اليد العاملة…
والنتيجة جيش عرمرم من العاطلين..
أحزمة من العشوائيات تفتقد للحد الأدنى من البنيات التحتية تضمن مقومات العيش الكريم…
أضف إليها عجز المسؤولين على تدبير شؤون المدينة، من مختلف مسؤولياتهم، انتدابية كانت، أم ترابية، وحتى أمنية، عن ابتداع بعض التدابير والإجراءات الكفيلة بالتخفيف من حدة النتائج الكارثية للأزمة الاقتصادية الخانقة، خاصة وأن هناك إهدار للإمكانيات المالية في مشاريع لا تنتج الثروة، ناهيك عن فشل ذريع لجهاز الأمن في لجم تفشي الجريمة…
طنجة اليوم تئن تحت وطأة أزمة خانقة، واستقرارها صار مهددا، ومن يشكك في الأمر ما عليه سوى القيام بزيارة لمعظم الأحياء الهامشية، سيصدم لا محالة بواقع مفجع…
طنجة تتجه اليوم إلى منغلق لا يعلم أحد تداعياته إلا الله عز وجل…
هاته رسالة إنذار إلى من يهمهم أمر المدينة، وهم وحدهم من يتحملون تبعات نهجهم لسياسة الأذن الصماء….