فشل التعليم بالمغرب و ضياع الشباب .. هل يمكن مداواة الجسد والدماغ مريض؟
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( التّعليم بالمغرب )
الثلاثاء 19 أبريل 2016 – 17:58:49
إذن ما هي أسباب هذا الفشل التربوي ؟ وما هي نتائجه ؟وأي علاقة للمشاكل الاجتماعية ببلادنا بواقع التعليم بها ؟وكيف يمكن للأسرة أن تلعب دور المكمّل في النظام التربوي ؟وما هو سر نجاح الأنظمة التربوية المتطورة ؟وكيف يمكن استغلال التطور التكنولوجي في خلق نظام تربوي سليم ؟
إنّ حاجتنا للتربية اليوم أكبر من حاجتنا للتعليم، لأن هذا الأخير مرتبط أشد الارتباط بتلقين المعلومة التي أصبحت بفضل التطور التكنولوجي والمعلوماتي والتواصلي متوفرة للجميع، وأصبحت لا تتعدى نقرة فأرة، لذا وجب تجاوز هده المقررات الطويلة والمملّة المثقلة بمعلومات لا يحتاجها تلميذ القرن الحادي والعشرين المعتمد في تواصله على رسائل قصيرة ومختصرة تجدها في غالب الأحيان لا تتجاوز ثلاث أو أربع كلمات تحمل هدفه ومبتغاه،و لذلك نجد غيابا لقناة التواصل بين الأستاذ وتلاميذه، هذا الأستاذ المكره على إكمال المقرر الطويل المليء بمقدمات تشوش انتباه التلميذ عن هدف الدرس، فنجد أن أكثر من 60% من التلاميذ يكونون شاردي الذهن داخل القسم ،هذا كله يؤدي إلى قصور في التواصل والتعبير عند الغالبية العظمى من التلاميذ.
من جهة أخرى، أضحت إشكالية الهُوية تطرح ذاتها من خلال الانتقال الذي يعيشه هؤلاء الشباب بفكرهم ومخيلتهم بين عالمين، عالم واقعي مفروض ومعلوماته متجاوزة ومستهلكة والوصول إليها ممل ،وعالم آخر افتراضي بسيط وسهل الولوج ويحصلون فيه على المعلومة دون أدنى جهد، والخطير في الأمر أنه عالم يستطيعون فيه تكوين صور عن ذواتهم كما يتخيلونها، لذا نجد هؤلاء الشباب يطرحون سؤال” من نحن “؟ وهو السؤال الهوياتي الذي يحاول إنزال صورهم النرجسية التي كونت في عالمهم الافتراضي إلى أرض الواقع، مما يؤدي بدون شك إلى التصادم مع الواقع ومحاولة فرض الذات بالقوة وهنا نصبح أمام ظواهر اجتماعية شاذة تتميز بالعنف والتطرف بكل أشكاله .

هده الأزمة لا يمكن حلها إلا عبر نظام تربوي يرعى المصالحة الذاتية للتلاميذ مع ذواتهم وتاريخهم ولغتهم وانتمائهم، وهذه المصالحة لن تأتي إلا عبر عمل الأطر التربوية على صقل شخصية الطفل مند أول يوم له بالمدرسة، عبر تعريفه بتاريخنا العربي الإسلامي الذي يزخر بشخصيات كاريزمية قيادية بدأ بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و عمر ابن الخطاب باني الحضارة الإسلامية العربية وُصولا لطارق بن زياد و يوسف بن تاشفين….. هذا التّعريف سيمكن من خلق مثلًا عليًا عند الأطفال، و بـالتّـــالي سوف يكون توجههم للمعارف توجها ذاتيا يضمن الصدق في تحصيل المعلومة ، كما سيضمن بناء سليما لشخصية التلميذ عبر اقتدائه بالأخلاق الحميدة لمثله الأعلى، وفي هذه الحالة سوف تكون أمتنا وشعبنا مطمئنة على مستقبل شبابها وازدهارها الثقافي وحفاظها على إرثها الثقافي، كما لا يجب وضع امتحانات أو مراقبة مستمرة في التعليم الابتدائي، لأن هذا النوع من النظام يحسّس التلاميذ بالطبقية، الشيء الذي يدفع بعضهم إلى الانطواء بعد فشلهم في أول اختبار كتابي مما يحدّ من إبداعهم و قدراتهم، وفي غالب الأحيان ما يدفنون مواهبهم إلى الأبد ويصبحون يؤمنون بالفشل كقاعدة ويصبح الإبداع والنجاح عندهم هو الاستثناء، لذا نجد أن أغلب الدول الأوربية اتخذت نفس النهج أي إلغاء الامتحانات بالسلك الابتدائي لحين وصول التلاميذ لسن 14 وعلى رأسهم فنلندا التي قامت أيضا بخفض ساعات الدراسة اليومية إلى 6 ساعات ودذلك احتراما لقدرة التحمل عند التلاميذ، لكن هذا الخيار غير ممكن في المغرب بحكم أن بلادنا تفتقر لمرافق تهم الشباب و تهتم بهم ، كدور الشباب ومعاهد الموسيقى ومركبات رياضية وثقافية يمكن أن تملأ وقت فراغ التلميذ وتساهم في تكوين شخصيته ومعارفه المجتمعية بدل من أن يكون وقت فراغ الشباب كله بالشارع ونحن نعلم نوع المعارف التي تأخذ منه، و بـالتــّالي وجب على الدولة أن تقوم بمجهُودات مُضاعفة لتطوير بنية تحتية حــاضنة للثقافة والعلوم والإبداع في مختلفِ المَجالات، لكي تكون المُحرّك الفِعلي لبنية فوقية قادرة على وضع أمتنا بين مصاف الأمم المتحضرة والرائدة في البحث العلمي والتكنولوجي.

يتوجَب اليوم على الوِزارة الوصية على التّعليم أن تَضعَ رُؤيـــة مستقبلية لتلاميذ الغد من حيث شخصيتهم لا معارفهم، وأن تحاول قدر الإمكان الولوج لعالم الشباب الافتراضي وتأطيرهم بطريقة لا تظهر لهم التحكم في حرياتهم كي لا تقع في خطأ صراع الأجيال وأن تتخلى عن هذه المقررات المليئة بالمعلومات المستهلكة أحيانا وفي أحيان أخرى معلومات أكبر من المستوى التعليمي للتلاميذ، وأن تتبنى مقاربة التدريس بالأهداف لكون كما أسلفنا الذكر أن القرن الحادي والعشرين عصر السرعة حيث أنه طبقا لدراسة أجراها باحثون ألمان فإن المعلومات والحقائق التي يحصل عليها الأشخاص خلال 4 سنوات من المدرسة تعادل نظيرتها خلال أسبوع واحد فقط من محرك البحث »غوغل« ومن هنا يظهر جليا أن رهان التعليم رهان متجاوز، بل الرهان الوحيد الفعلي والواقعي هو رهان التربية لتنشئة جيل المستقبل جيل يحمل عبء بناء الحضارة بكل مقوماتها الثقافية والعلمية وأن يكون جيلا معتزا بانتمائه وثقافته وتاريخه ولغته أي معتزا كل الاعتزاز بهويته ،أما بالنسبة لتكوين الأساتذة والمعلمين فعلى الدولة أن تـرعـى جـانبيـن مهمين الأول الجانب التكنولوجي بحيث يجب على الأستاذ أن يكون ملما بكل التطورات التكنولوجية وأن تكومن أول حصة له مع تلامذته حصة للتعارف وأن يعرفهم على بريده الإلكتروني وموقعه في الفيسبوك مثلا كي يكسر الحاجز النفسي بينه وبين تلاميذه وذلك لاقتناعهم بأن أستاذهم من نفس جيلهم اهتمامه من اهتمامهم وأن تكون صفحته هذه منبرا للإطلاع على شخصية كل واحد منهم بما فيها من إيجابيات أو سلبيات أما الجانب الثاني أن يكون الأستـاذ ملما أشد الإلمام بعلم النفس بل حبذا لو يخضع الأستاذ لفترة تدريب عند طبيب نفسي يتعلم من خلالها فن الإنصات لهموم الشخص وقراءة ما لا ينطق به اللسان ،بالإضافة إلى هدذا كله، يجب على الدولة أن تنشئ مراكز أسرية تعلم اللآباء كيفية التعامل مع الأبناء سواء كانوا أطفالا أو مراهقين وكيف يمكن أن نحبب لهم الدراسة والتحصيل و كيف نبني شخصياتهم العارفة والمسؤولة، لأن إصلاح التعليم هو عملية تشاركية وإدماجية لكل الأوساط.
لقد فشلنا في التّعليم، وحينما وَقعت الكارثة عَمّت آثـــــارها كل القطاعات وسقطت كل القِيم ونبت في الوطن من لا وطنية له ولا دين ولا ملة له، فـــانتشرَ الجَـــراد في كل مكان وأتى على كل شيء
انهيــــار التعليم و البطالة بعد التعليم و ضياع الشباب المتعلم .

إن أغلب الدول المتقدمة في العالم سمت لمراتب متقدمة بسمو أنظمتها التربوية ودلك لإيمانها الراسخ بأن أكبر تنمية هي تنمية العقول وأن أكبر استثمار هو استثمار في البشرية فكيف يمكن تصور مشروع مجتمعي تنموي ونظامنا التربوي غائب ؟ أهل يمكن مداواة الجسد والدماغ مريض ؟
لا تمر من حي أو زقاق في طنجة و في المغرب عامة إلا وتجد الشبــــاب المغلوب على أمره يتسكع ويجلس أمام أبــــواب المساكن ، فلا تطرق منزلا إلا وعَثرت به عن شاب عـاطـــل عن العمل من بعد ما كدّ واجتهد و بـــالعامية ” حفى عينيه مع الدفاتر والمقـــررات ” فتكون الوجهة الشارع… المدرسة رقم واحد في جامعة النسيان …جامعة التخرج النهائي وبشهادة مدمن …الجامعة التي ترفع شعار “نسى أخويا راه الدنيا هذه ” .
للأسف شباب يضيع في الطرقات و بلاد حائرة، فمن سيحمل مشعل الرُقي ، ومن سيحرر سبتة ومليلية ، ومن سيتصدى لأطماع الجيران والحُساد في التوسع…فــــالشباب بالمغرب أصبح إمًا مُدمنا أو متشدّدًا … إما فكر مُنحل أو فِكر متطرف ، إلاّ من رَحِمَ ربّــك.
واقعنا مُرُ وكَئيب …حشيش ومُخدرات …قرقــــوبي ومسكرات …ماحية و معجون…لـــواط وسهرات واللائحة طويلة جدا ، عبــــارات أصبحت عادية داخل مجتمعنا المضحك، الذي يفتقد لأبسط صور التعقل والاعتدال، شباب لا حول له ولا قوةن تتلاعب به موجات الحقد والتطرف من جهة وأفكار موسادية من جهة أخرى لينتج لنا في النهاية إما قنبلة بشرية أو فردا يعيش في عالم غير عالمنا يجلس معك كهيئة فقط بدون تفكير …
إنّنــــا الآن وبتواجد إرادة ملكية صادقة في التغيير يجب علينا وكشباب متعقل أن نقوم بأدوارنا الحقيقية ، هذا ان استحت الوزارات الوصية و عملت عملها الحقيقي، تجب المشاركة في إخراج البلاد من ورطتها ومساعدة شبابها على تغيير منظوره التافه والمتحجر للأمور من قبيل الإرهاب والمخدرات والهجرة السرية …والانخراط جميعا في بناء مغرب الغد …المغرب القوي بشبابه قبل شيابه الكاتمين على أنفسنا على رؤوس الأحزاب المغربية.

صـــورة مأساة الشباب ومعاناتهم وضياعهم ، تنسجها خيوط مشاكل وتجاوزات أسرية، بألوان القمع والجهل والفقر، أطفال وشباب يصارعون الواقع، سلاحهم المخدرات الحقيرة، يفرشون الأرض ويلتحفون السماء، وينتظرون المساعدة كما ينتظر الضمان في الصحاري ما يجلبه الإناء من قعر البئر.
أصبحنا كثيرًا ما نلاحظ تواجُد أطفال وشَبــاب بـوجـــوه بائسة متسخة، وملابس بالية، وتمتمة بكلمات غير مفهومة، تعبر عن اعتراض ورفض للعالم كله، استعطاف واستجداء بهدف الوصول الى صدقة قليلة، وأظافر طويلة تجمع من الأوساخ ما جادت به سنوات الضياع، وتقاسيم وجوه تختزل قصصا وحكايات وتجارب، تحمل من المآسي والظلم والإقصاء ما تلخصه عبارات “أطفال الشوارع” أو”الأطفال المتشردين”، و هم لو كانوا وجدوا الرعايوة الأسرية و التعليمية لما كانوا بهذ الحال.
استحضر هنا مقولة السيدة نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد” الشباب المغربي ضائع بين المساجد و القرقوبي”.
لماذا فَشل التعليم بالمغرب ؟
إن الجواب عن هذا السؤال يقتضي محاكمة خمسين سنة من التعليم في المغرب وكل من أشرف عليه من قريب أو بعيد، وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن توضع النقط على حروفها، وتتم تسمية الأشياء بأسمائها ووضع تقيم شامل لهذه المرحلة التي قادت الشعب المغربي إلى الكارثة التي يمكن تشبيهها بتبعات كارثة إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما.. إن المجتمع المغربي سيعاني لسنوات طويلة من فشل التعليم، فقد أفسدنا شعبا بكامله وقدناه إلى جهنم وإلى الخراب.. فشلت المدرسة وفشلت الاعدادية وفشلت الثانوية وفشلت الجامعة، وصار كل شيء يباع ويشترى..
كنا ننتظر، كما ينتظر جميع المغاربة، وكما قال الخبراء بالميدان، أن توضع إستراتيجية تبنى على دراسة عميقة لأسباب ومسببات فشل التعليم في المغرب، ثم بعد ذلك يتم الشروع في تطبيق الاقتراحات والحلول التي تجعل نصب أعينها خصوصية المجتمع المغربي في إطار مدة زمنية محددة ومضبوطة. هذا هو ما كان ينتظره ولا يزال ينتظره المغاربة. لكن يبدو أن الأمور تسير إلى وجهة «طاحت الصمعا علقو الحجام».
إنَّ فشلَ التّعليم لا يمكن أن نرجعه إلى طرف واحد أو اثنين، إن هناك أطرافا كثيرة تتحمل المسؤولية، وأعتقد أن من يقوم بخرجة هنا أو هناك كمن يحارب طواحين الهواء.. إن الأمر يحتاج إلى وضوح وليس إلى تسويق صور وكلام لا معنى له، فهذا القطاع هو روح المجتمع، وعلى ذلك كانت عيون الدول المتحضرة عليه ولم تتركه لقمة في يد المضاربين والسماسرة والمزايدين عليه سياسيــًا.
لا يعقل أن ندخل في خَمسينية أخرى بدون أن تكون لنا خطة واضحة ووصفة ناجعة لإصلاح ما يمكن إصلاحه في مدة محددة، تخضع للتقييم بعد ذلك.
إن مُعالجةَ مُشكل التّعليم تحتاج إلى شَجــاعة وإلى نقد ذاتي صريح حد السيف وإلى روح وطنية تسع ما بين السماء والأرض وليس إلى تسويق كلام لحظيّ يذهب كما يذهب الغبار مع الريح…