“عــــالْية بمْـواليها”
جريدة طنجة – محمد العطـلاتي ( آراء )
الجمعة 22 أبريل 2016 – 13:34:54
هكذا تكوّنت لدى الجمهور المغربي قَنـــاعة ثـــابتة مفادها أن المصالح، كيفما كانت طبيعتها، لا تُقْضى إلا من خلال تَقَفي عبر مِحور جُغرافي يدعى الرباط – البيضاء، سواء انت المصلحة المراد قضاؤُها إدارية مرفقية أو تجارية اقتصادية، فعلى المرء حتمــًا ركوب أدوات النقل و تجشم أعباء السفر، إذا كان راغبا في نيل وَطر من الأوطار، و أذكر في بـــاب امتعاض النّـاس من بيروقراطية المخزن و انغـــلاق فكره داخل دائرة المركزية المتحجرة أن واحدًا ممن بَحثـــوا في “فوائد المركزية”، من بـــاب السخرية، لم يستبعد أن تثمر اجتهادات السلطة من خلال “فقهائها” عن ضرورة أخذ مصالح الوقاية المدنية بالأقاليم إذنا من الرباط قبل التحرك لإخماد سعير قد يكون شبَّ في حي من احياء قضاء فيكيك!
رغم “الإصلاحات” السياسية الدستورية و القانونية التي انخرطَ فيها البلد منذ مدّة و انتهت بمشروع ما عُـــرِف لدى النـــاس ب”الجهوية المتقدمة”، رغم ذلك، فعن عقلية الجميع ظلت “تنهل” المركزية، ذلك المَعين الـذي يبدو انه قد اشرف على مرحلة الجفاف و “الاحتباس النظري”، وبسبب هذه العقلية المركزية انتشرت لدى الجمهور ثقافة تمجيد “المركز” و تهميش “المحيط”، وساد الاعتقاد بأن الثقافة و العلوم، كما الرياضة، لا يمكن أن تنشأ و تنمو إلا إذا وُلِدت في المركز أو حضيت برعياته !
مظاهر “المركزية” في خطـاب عامة النـــاس قد تكون منطقية أو مقبولة بصورة من الصور، لكن المظاهر ذاتها قد تعكس خَلَــلاً فــي منظومة المؤسسات المجتمعية عندما تصدر من خلال وسائط إعلامية، ويتساهل الجميع في الانتباه إلى خطورتها و التصدي لها بالأدوات النظرية الملائمة.
قبل إجـــراء مباراة في كرة القدم بين فريق طنجة و ضيفه البيضاوي، اجرى أحد المنشطين بإذاعة متخصصة في أخبار الرياضة اتصالا هاتفيا بمدرب الفريق الطنجاوي، وذلك عبر برنامج إذاعي، لأخذ فكرة عن رؤية المدرب نحو المباراة المنتظرة، ومن باب “المجاملة” فإن مخرج الحلقة بث على الأثير أغنية شمالية “تغازل” عروس الشمال طنجة العــــالية، لكن أحد ضيوف البرنامج احتّـجَ على الامر و طالب المخرج، من باب “الهَـــزل الجــــدي”، بــــإذاعة أغنية تذكر بأمجاد الدار البيضاء، ورغم الإيضـــاح الذي قدمه الصحفي صاحب البرنامج و أن الأغنية لا تدخل في باب الإخـلال بتكافُؤ الفرص، إلا أن الضيف الذي لم يقتنع بما ذُر على مسامعه من بيــانـات، تلقى الرد الملائم من المدرب عبد الحق بنشيخة، و يبدو أن “جعفر المركزي” قد فُــوجئَ عند سَماعهِ الإطار الجزائري ينبهه إلى أن “المركز” دائم الظهور، و ان ليس له الحق في منافسة “المحيط” المغبون الذي لا تتاح له فرصة الظهور إلا في نادر الأوقات.
“البيضاوي” الذي قدمه صاحب البرنامج كخبير في مناصرة “الوداد” و كعالم كرة، توقع،من باب “الحكرة” على المحيط، أن يُهْزَم الفريق الطنجي الأول أمام “الفريق الأحمر”، فقط لأنه يمثل “المركز”، بينما اكتفى مدرب البوغــــاز بالقول إنه يُحضِّرُ فريقه لخوض مقابلة لا يُهزم فيها.
من سخرية الأقدار أن الفريق “البيضاوي” بدا يوم المباراة شارد الذهن و في حالة ذهول تام أمام مهارة اللاعبين و أناقة الجمهور التي زينت درجات الملعب.
لقد أثبتت الوقائع الاجتماعية المتتالية أن العلاقة بين جهات البلد الواحد لم يُقدَّر لها أن تتخلص من النظرة المتعالية للمركز تجاه باقي جهات و أقاليم المملكة، لكن التعدد الثقافي، الذي كان على الدوام محل رقابة دائمة تمنعه من الحرية و الحق في المساواة مع باقي المكونات، ان له الفضل في دحض نظرية تفوق المركز على محيطه،و هكذا لقن الفريق الطنجاوي لغريمه البيضاوي ثلاثة دروس في الضيافة و التنظيم و الكرة، قبل أن يملأ شباكه بثلاثة أهداف، فقط ليتذكر الناس أن طنجة فعلا عالية و “عالية بمواليها”.