اللّي بغَى يقَرّي اولادُه ….
جريدة طنجة – عزيز گنوني ( التّعليمُ بـالمغرب)
الجمعة 08 مارس 2016 – 18:31:50
الأمر يتعلق بمقولة الوزير “الإسلامي” الداودي، عُضـــو الأمانة العامة لحزب بنكيران خلال أشغال منتدى الباحثين لجهة تافيلالت: “ اللي بغى يقري اولاده، يدير يده في جيبه“.
كلام الوزير واضح منتهى الوضوح، وما كان يحتاج إلى بيان أو تبيان…وهو، أصلا، بالعامية التي يفهمها العرب والأمازيغ وأهل الصحراء واليهود، المعنيين بلغات الدستور، وهو أيضا كلام يأتي في سياق “بالونات” تجريب، تطلق من هنا وهناك، بين فينة وأخرى، يراد منها إعداد الناس لمفاجآت قد تكون صادمة جدا. وفيها، أيضا، تندرج المطالبة بإلغاء مجانية التعليم الجامعي….وفي إطارها، كذلك، تدخل تصريحات حفيظ العلمي الأخيرة لجريدة “الأخبار” والتي سنعود إليها لاحقا.
هل نحتاج إلى معجم الخليل أو القاموس المحيط لنفهم كلام الوزير الداودي الذي لم يجرؤ عليه لا من سبق ولا من لحق من المسؤولين عن التعليم في بلادنا، لخطورته على أصول وشروط التعاقد بين الدولة والشعب، وبالتالي، فإن اختلال شرط واحد من هذه الشروط يلغي التعاقد من أساسه، “وتلك هي المسألة” !…..
وكان طبيعيا أن تتحرك آليات الإعلام التقليدي والمعلوماتي للتشهير ب”خلفيات” تصريح الوزير والتشنيع بها واعتبار أنها تبشر بإفلاس التعليم الوطني ، ستين عاما بعد الاستقلال، وخمس سنوات فقط، بعد وصول “البيجيدي” للحكم ( ! )……
ولقد سارع الوزير الداودي إلى استدراك الوضع، فأصدرت وزارته بيانا “اتهمت” فيه، كعادة حزب العدالة والتنمية، “بعض المنابر الإعلامية” بالترويج، بهتانا، لعبارة “اللي بغى يقري ولاده يدير يده في جيبه”، التي فاه بها الوزير في لقاء علم وخبرة، على أنها “دعوة إلى خوصصة التعليم، والحال أنها كانت تخص رؤساء الجهات في معرض دعوتهم إلى المساهمة في تمويل الجامعات !… ولم تكن تعني آباء وأولياء التلاميذ “وتم بترها من سياقها الأصلي بغية شد انتباه القارئ وتغليطه”، بسوء نية طبعا !…..
ماشي !…..
الوزير الداودي ، لم يحد عمن سبقوه إلى كراسي الحكم وإلى”تصريحات” مثيرة، كقولته هذه، التي نحسبها له وعليه، حين اتهم وسائل الإعلام “بسوء النية” في التعامل مع مداخلته “التاريخية” بجهة تافيلالت….بل وأكد في بيانه أننا “فهمناه غلطا” كما نفهم غلطا العديد من “التصريحات الوزارية، التي نعمد، “غالبـًا بسوء نية،” إلى “بترها من سياقها” من أجل شد انتباه القارئ و “تغليطه” ….
والحال أن القـارئَ المغربي أذكى من أن يَفهم خطآ كلام وزراء اعتاد على سَماعهم واكتسب لذلك مناعة قوية ضدّ ما يخترق سمعه من كلام كثيرا ما لا يقر في القلب ولا يصدقه العمل……
الوزير الداودي توجه بقولته المثيرة إلى الأشخاص: “اللي” ـ بغى يقري اولاده يدير يده في جيبه ـ . وكلمة “اللي” اسم مـوصــول مبهم للمفرد المذكر ولا يتم إلا بجملة صلة بضمير يعود على الاسم الموصول، من أجل الوصول إلى معنى مفهوم. . . ولو كان الوزير يقصد رؤساء الجهات، لكان يجمل به استعمال الجمع : “الذين”، للرُؤساء ، و”التي” للجهات. أما الصيغة التي استعملها الوزير، فإنها تدل بصراحة وبدون حاجة لتأويل، على الشخص المذكر العاقل، وهي دعوة صريحة إلى “الدفع” مقابل تعلم الأبناء….لأن الأمر لا يتعلق بأبناء رؤساء الجماعات ، بل بأبناء الشعب بصيغة المطلق….
..
ثمّ ما حَمَل الوزير على استعمال هذه العبارة ، ما دام يزعم أنه إنّمـــا كان يحاول استمالة رؤساء الجهات للتبرع للجامعات من فيء ما أعطـــاهم الله. كان بإمكانه، طبعا، أن يوجه لهم خطابا واضحا ما دام مراده “جمع الطاميم” من الجهات، لفائدة الجامعات، لأنها تساهم في التنمية عبر التكوين، وهذا صحيح ومفهوم ومعلوم، وقد بادرت جهة طنجة إلى شراكة من هذا القبيل مع جامعة عبد المالك السعدي…,وإذن، فما الحاجة إلى “الجملة الشرطية” التي روعت المغاربة وأثارت حفيظتهم ورأوا فيها انقضاضا على حقوق الشعب والأمة في تعليم وطني عمومي ، هو أصلا مكلف جدا بالنسبة لتسعين في المائة من المغاربة، رغم “مجانيته” النسبية.
وبينما عمد الوزير الداودي إلى تبيين خلفيات تصريحاته المربكة والمحيرة، انبرت للا مولاتي أمينة ماء العينين، البرلمانية عن العدالة والتنمية، للدفاع عن زميلها في الحزب، لتؤكّد ، على تدوينتها الفيسبوكية، وهي عضو في المجلس الأعلى للتربية والتكوين، أنه لا يوجد ما يهدّد مجانية التعليم بالمغرب، وأن المَغـاربة، للأســف الشديد، لا يَقـــرؤون الوثـائــق الهامـة التي تحكم مصائرهم ويفضلون قراءة عناوين صحافية لا يبذل أصحابها في معظم الأحيان مجهودا في البحث والتحري والتحقيق…..
ماشي أيضا !…
الناس، ياللا مولاتي، ملوا من خطب ووجوه وحتّى أصوات الوزراء ومن وعودهم الوردية بينما الواقع غير ما يذكرون وما يعدون، حتى بات البعض منا يعقب عن خطاب وزير أو مسؤول متسائلا، عن أي بلد يتحدث ؟ أما أن يفضل المغاربــة أخبــار الصُحُف فهذا دليل على أن أهل البلد يثقـــون في وسائل الإعلام الوطنية وفي جدّية نساء ورجال الإعلام الوطني الذين تتهمهم النائبة البرلمانية بعدم بذل أي مجهود في البحث والتحري….والحال أن الحكومة احتجَزت لسنوات مشروع قـانـــون الحق في الوصول إلى المعلومة ولم تفرج عنه إلا بعد أن أغرقته في الاستثناءات التي أفقدته الكثير من مقوماته بالرغم من أن الوزير موبديع اعتبر أنه يتفوق على القوانين المماثلة في كل من الدانمارك وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ويعادل قوانين كندا وسويسرا واليابان وبريطانيا العظمى.
وإنّي لأشُك في أن يجد الوزير “الحركي”، الكثير ممن يُصدقونه في ُمقارنتهِ هذه، من بين الممارسين لمِهنة الصحـافة في المغرب.
وبينما كنا ننتظر أن “تنطفئ هذه الجَمرة”، تحرك في الاتّجاه المعاكس، حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، لمن لا يعرفونه بعد، فصرح لجريدة “الأخبار” أنه معخوصصو التعليم والصحة ومع المطالبين برفع يد الدولة عن هذين القطاعين. لأن إمكانيات الدولة لم تعد تتحمل. وأن على المغاربة أن يعلموا أنه إذا لم “يتدخل” الخواص في التعليم والصحة، فإن الإفلاس سيكون مصير هذين القطاعين. وأضاف، “وهما في الطريق إلى الإفلاس، أصلا” !!!!……
هل “يجب” أن نضحك أم نبكي ؟ ! …