“العشبة” بين المصباح والجرار
جريدة طنجة – محمد العمراني ( نبتة الكيف )
الثلاثاء 12 أبريل 2016 – 10:51:21
الندوة راهنَ عليها منظموها للبحث عن بدائل لاستعمال نبتة الكيف، خاصة في المجالين الصناعي والطبي، وأيضا للبحث عن مخارج قانونية لعشرات الآلاف من المغاربة المتابعين قضائيا بتهمة زراعة الكيف والاتجار فيه…
وهو ما جَسّدته الخُـلاصـــات التي انتهت إليها، حيث رفــعَ المُشاركــون فيها توصيه إلى الملك محمد السادس تلتمس منه تكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للقيام بدارسة على أساس تشاوري لتحديد سياسة عمومية بديلة في مجال المخدرات، وذلك سعيا إلى تحقيق تنمية مستدامة من منظور التأهيل الاقتصادي والاجتماعي لمزارعي القنب الهندي، والذين هم في أغلبيتهم الساحقة من الفقراء، في أفق تقنين وضبط زراعة هذا المنتوج وتثمين استعماله في المجالات الطبية والصناعية.
كما رفعت الندوة متلمسا ثانيا للملك بتكليف المجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل إعداد مخرج قانوني وحقوقي لعشرات الآلاف من المزارعين لعشبة الكيف، المتابعين قضائيا بتهمة زراعة هاته النبتة المجرمة قانونا…
تنظيم هاته النّدوة التي اتخذت طابعا رسميا، بالنظر لنوعية الشخصيات الحاضرة، أربك حزب العدالة والتنمية، الغريم التقليدي لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي رأى في تنظيم هاته الندوة صفقة انتخابية ناجحة للجرار في حالة ما إذا عرفت توصياتها طريقها للتنفيذ…
ولذلك وبعدَ تردُد دامَ حوالي أسبوعين، خَرجــت قيــادة المصباح قبل ثلاثة أيّـام ببيـان نــاري، هاجمت فيها خلفيات تنظيم هاته النّدوة، مَلْحَمَة إلى أن رفع تجريم زراعة نبتة الكيف والاتجار فيها واستلاكها سيزيد حتما من انتشارها، ولن يعود بالنفع على الساكنة، بل سيؤدي إلى التمكين لشبكات الاتجار المحلي والدولي في المخدرات ضدا على مصلحة المواطنين وسمعة المغرب والتزاماته الدولية…
بلاغ المصباح أعلن رفض الحزب المطلق لما أسماها ب “المقاربات المشبوهة التي تروم رفع التحريم عن زارعة الكيف وترويجه واستهلاكه، لما فيه ذلك من خطورة مؤكدة على صحة المواطنين، وتماسكهم الاجتماعي…”..
واعتبر حزب بنكيران أن المعالجة الحقيقية لزراعة هاته النبتة “تتأسس على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمناطق المعنية بزارعة هذه المادة”، عبر تطوير البنيات التحتية لهاته المناطق وخلق أنشطة إنتاجية بديلة ومفيدة للساكنة، ومن شأنها تحسين ظروفها المعيشية…
طيب نحن أمام موقفين على حدي النقيض…
البام بادر إلى فتح نقاش بمشاركة هيئات ومؤسسات رسمية، وخلص إلى رفع ملتمس إلى الملك من أجل تكليف هيئات دستورية بإنجاز دراسات اقتصادية وقانونية لوضع مقترحات بديلة ومخارج قانونية…
في المقابل أصر حزب العدالة والتنمية القائد للحكومة على نسف مخطط البام، وقطع الطريق على أي محاولة لإخراج توصيات الندوة إلى حيز الوجود، مكتفيا بالدعوة إلى خلق أنشطة إنتاجية بديلة، وتحسين شروط عيش الساكنة، دون أن يقترح حلولا ملموسة…
وبين موقفي الحزبين المتناحرين انتخابيا ينتصب واقع لا يرتفع…
جل أقاليم شمال المملكة تعرف زراعة الكيف، والعالم كله يعلم أن المغرب أول مصدر للحشيش نحو أوروبا…
عشرات الآلاف من ساكنة هاته الأقاليم تعيش إقامة إجبارية، ومحرومة عمليا من ممارسة حقوقها في المواطنة بسبب المتابعات القضائية الصادرة في حقها بتهمة زراعة الكيف…
زراعة الكيف بالمغرب، بما لها من تعقيدات متشابكة، لم يعد يحتمل أن تتقاذفه الحسابات الانتخابية، ولم يعد مقبولا أن يتم تأجيله لأجل غير مسمى…
الحزب القائد للحكومة لا يمتلك الجرأة لفتح هذا الملف الشائك، وليس مقبولا منه أن يتحصن في موقع المهاجم لمبادرات الآخرين، بقدر ما يجب عليه أن يفتح نقاشا وطنيا لإيجاد المخارج المقبولة والواقعية لهاته الإشكالية…
وعلى الضفة الأخرى على الأصالة والمعاصرة أن يعطي ما يكفي من الثقة لباقي الفرقاء السياسيين على أنه لا يسعى لا يسعى إلى استغلال ورقة ملف الكيف لتحقيق اكتساح انتخابي…
وفي انتظار أن تتحصل القناعة لدى الغريمين اللذوذين سيبقى الكيف والاتجار في المخدرات أحد الأعطاب الكبرى التي تعيق تنمية اقتصادية واقعية بشمال المملكة، مثلما ستبقى عشرات الآلاف من الأسرة تؤدي فاتورة زراعة الكيف، في حين يستفيد كبار التجار من عائدات الاتجار الدولي في المخدرات و مراكمة الأموال الطائلة، مع ما يحمله الأمر من مخاطر الارتباط بين عصابات الاتجار الدولي في المخدرات والشبكات الإرهابية…