الجرائم الالكترونية .. تشهير و سب و قذف و تحريض .. عندما يبدأ العنف في الأذهان قبل أن يصل الى الأبدان
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( الجرائم الالكترونية )
الثلاثاء 26 أبريل 2016 – 10:46:10
تعتبر ظـاهرة التّشهير عبر الإنترنت من أبرز سلبيات الشبكة العنكبوتية، فلقد كثرت المهازل التي يتداولها (خفافيش الإنترنت) عن أفراد من المجتمع، بغرض التشهير بهم، وهز صورتهم أمام الآخرين، وأصبح كل من لديه حقد أو ثأر على أحد المسؤولين أو أحد مشاهير الكتاب، أو الدعاة أو الإعلاميين يستخدمه كخميرة دسمة لدسائس وأكاذيب يعجنها أحدهم بماء الكذب والبهتان، ويخبزها بأفران المنتديات على الملأ، ثم يوزعها زاعماً أن صنيعه هذا من باب النصيحة والغيرة العامة على الأخلاق والدين!
كما شملت هذه الظاهرة أيضًا نشر معلومات شديدة الخصوصية عن الأفراد والمؤسسات، أو نشر ما يدعي أنه أسرار شركة ما، واتهام بعض الشخصيات المعروفة، أو نشر قصص عنهم تحتمل الصدق أو الكذب، أو فضح ممارسة مسؤول أو إدارة ما، أو نشر هواتف أو عناوين البعض والتشنيع عليهم، وقد يصل ذلك إلى ما في حكم قذف المحصنات الغافلات.
يرى علم النفس أن الشخصية التي تشهر بزملاء العمل أو بمنافسين أو بشخصيات عامة هي شخصية ناقمة على المجتمع، تعمل ضد القيم الاجتماعية والأخلاقية، لأنها تعاني من بعض العقد النفسية التي ربما تكونت منذ الطفولة نتيجة أساليب تربوية خاطئة أدت إلى الشعور بالنقص والدونية أمام الآخرين، وبأنها أقل منهم جهدا وخبرة وعملا وإخلاصا، و بالتالي يعتقد الشخص المشهّر أنه لو فعل ذلك وشهر بغيره أو بمنافسه استطاع أن يكسب الأصوات ، ولا يعلم أنه بذلك يكون قد خسر نفسه لأنه بهذا العمل شوه سمعة وسيرة من يشهر بهم وقد يكونوا أبرياء، وبالتالي فهناك ضرورة لإيجاد واستحداث مواد تربوية في المدارس مثلا «التربية الاجتماعية» حيث يتم عن طريقها إيصال الرسائل الهادفة للتلاميذ، لاسيما في ظل القصور الواضح في أدوار الأسرة التربوية والاجتماعية داخل المجتمع الذي قد يكون له دورا في انتشار مثل هذه الظواهر السلبية.
واكب تطور المجتمعات البشرية عبر التاريخ تطورا في نوع الجرائم التي تعانيها هذه المجتمعات، الأمر الذي كان يدعو إلى تبني التشريعات والقوانين التي تحد من الآثار السلبية لهذه الجرائم على الفرد والمجتمع، وإن كانت العقود الأخيرة من عمر البشرية تعتبر عصراً فرضت فيه التكنولوجيا نفسها وبكل أشكالها على الجميع، فقد فتحت هذه التكنولوجيا باباً جديداً لأنواع لم تكن معهودة من الجرائم، جرائم قد يغيب عن العيان مشهد مرتكبها، بل ويغيب حتى الجاني عن مكان الضحية، جرائم عابرة للقارات، سلاح المجرم فيها خبرة تكنولوجية عالية يوظفها في خدمة أهداف غير مشروعة، بعيداً عن أي نوع من الرقابة، مستهدفاً مصالح الأفراد والمؤسسات والدول، مستغلاً قدرته على إتلاف الأدلة ليحاول الهرب من العقاب، لينتقل عبر الشبكة إلى مكان آخر في العالم يمارس فيه جرائمه الإلكترونية .
وإن كان المجرم القائم بالجريمة الإلكترونية يستطيع أن يبقى مخفياً حتى عن أقرب الناس إليه لأنه لا يحمل مواصفات المجرم التقليدي، الأمر الذي يعقّد من مهمة متعقّبي هذا النوع من الجرائم، ويتطلب أن يكون مطبقو العدالة في مجال محاربة هذا النوع من الجرائم على معرفة علمية عالية، متابعين لكل جديد في عالم التقنية، ليستطيعوا حماية المجتمع من هذا الخطر الدائم، و من هؤلاء المرضى النفسيين .

يجدها البعض مكسباً سهلاً لا يتطلب جهداً من أجل الإنجاز، ويراها آخرون تسلية ومتعة أثناء تصفح صفحات “اليوتيوب” أو أحد مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يراها المتخصصون جريمة تنتهك حقوق المشاهير وتستغل أسماءهم من أجل الكسب المادي السهل، وتلطخ سمعتهم وتتجرأ عليهم بطريقة مستفزة و منافية للأخلاق والقانون.
جريمة التشهير الإلكتروني التي انتشرت بالمغرب مؤخراً بطريقة سريعة، يزيد عددها و عدد المعجبين بها حسب طريقة ترويجها، يذهب ضحيتها من كتبوا أسماءهم بالخط العريض على صفحات الجرائد والمجلات، ويستغل مرتكب الجريمة شهرة أسمائهم من أجل جلب الكثير من المشاهدات، لتزيد نسبة الربح.
اعتبرت الكثير من الدول “التشهير الإلكتروني” جريمة في حق مواطنيها، ونصت على عقوبات في حق مرتكبيه، حتى وإن عارضت ذلك بعض المنظمات الحقوقية كـ “هيومن رايتس” باعتباره جزءا من حرية الرأي و التعبير، و الذي اعتبرتها كل القوانين الدولية أنها جرائم تستحق العقاب الشديد للحد منها قبل أن تتحول الى ممارسات همجية كسائر الممارسات التي بات الانسان يسلكها طريقا من أجل افراغ ما في قلبه و نفسيته من حقد و غل على المجتمع بأفراده و مؤسساته.
أهمية تقنينه جـاءت من تأثيره على الواقع المعاش للمتضررين منه، حيث استطاعت التغيرات التي تتصل بالجرائم الالكترونية التأثير على السياسة الجنائية في العديد من الدول، وبدأت تظهر التعديلات على القوانين و تطرح النقاشات بقوة في هذا الصدد.
وقد تابـعَ المغرب هذه التطورات، وجرّم هذه الأفعال ، وحاول جعلها مؤطرة بنصوص قانونية، سواء تعلق الأمر بالجنائية منها أو بقانون حماية المعلومات الخاصة، وما يمكن استنتاجه بهذا الصدد حسب الأستاذ محمد رقوش، محامي بهيئة الرباط، أن تواتر القضايا المتعلقة بالعالم الإلكتروني في السنوات الأخيرة بكثرة على المحاكم المغربية من تشهير وقذف عبر الانترنيت، هو ما دفع بالمشرع المغربي للتفكير بوضع قوانين بهذا الخصوص كي لا يسود الفراغ و تتفشى الفوضى”.

و بالنسبة للأحكام التي يواجهها مرتكبو هذه الجرائم، فهناك أحكام تكون سالبة للحرية عندما تكون أضرارها كبيرة، كانتهاك الحرمة أو التشهير أو نشر صور تمس بالحياة الخاصة، بينما هناك قضايا اكتفت فيها المحاكم بإدانة المتهمين بعقوبات موقوفة التنفيذ.
لا بد لمقاطع الفيديو ذات الحمولة التشهيرية من تأثير ولو بسيط على صورة الشخص المستهدف في ذهنية المجتمع ، و لا أدل على ذلك من التعليقات السلبية التي ترافقها، و في هذا الصدد يرى رشيد جرموني المتخصص في علم الاجتماع، أننا حاليا نعيش في زمن الصورة، والصورة تتداول أكثر من أي شيء آخر، وتصل إلى أكبر عدد من الناس، بشتى فئاتهم ومكانتهم ومجالاتهم وبيئاتهم ، والصورة هي التي تحسم المعارك حاليا، في عالم السياسة والاقتصاد والبيئة والاجتماع والثقافة.
وعن استعمال الدّين والتَّركيز عليه في كل الفيديـوهـــات التي تمس سمعة المشاهير، فيرى جرموني أن استعمال الدّين في هذه الحالات له عدة تفسيرات، أولها ضعف التكوين الفكري والمنطق الاستدلالي والاقناعي والنقدي عند من يستعمل الدين في هذه المعارك، فبكل بساطة عندما يخالفه الآخر في الرأي أو السلوك أو في القول، يمر مباشرة للاحتماء بالدين ، وهذا راجع إلى وجود حالة من الخواء المعرفي في قضايا الدين.
وأكّدَ جرموني أن لهذه الطرق في التشهير أضراراً مجتمعية خــاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ردود الأفعال القوية التي تسبّبها في مُجتمعنا، فهي تُـرسِّـخ ثقـافـــة التقليد والاستسلام والتشهير المَجـانـي، وتـوقــف ملكة العقل وقدرته على المحاججة، وخطر هذا النوع يتمثل أيضـًا في وُجــود حـــالات من العنف والعنف المضاد الذي يوّلد استقطابات حـــادة، وقد يتطور الأمر لنوع من الحرب الكلامية التي نحن في غنى عنها في مغرب اليوم، حسب تعبيره، لينتهي المتحدث ذاته بالقول إن “العنف يبدأ في الأذهان قبل أن يصل إلى الأبدان”.
و قد تمَّ في السنوات الأخيرة احداث مكاتب تابعة للشرطة الوطنية ،مهمتها تتبع وترصد ومن ثمة اقتفاء أثر مرتكبي الجرائم الالكترونية سواء منها تلك المتعلقة بالهاتف النقال أو بالحاسوب المتصل مباشرة بالشبكة العنكبوتية الأنترنيت،بحيث أن هذه المكاتب تعتمد على تقنية المراقبة الالكترونية المعتمدة على برنامج الترصد الخاص بنظام ” ipadress” الخ….، الا أنه ومع التطور التكنلوجي اللامحدود الذي تعرفه مختلف دول العالم التي توحد فيما بينها تحديات العولمة المفرطة ،فان معظم الحلول المتوصل اليها في مَجــال مكـــافحة الجريمة الالكترونية تظل جد محدودة الأمر الذي يتطلب معه وضع ترسـانـة قـانــــونية مرنة يمكن تطويعها مع التغيرات الدَّولية المتغيرة والمرتبطة مباشرة بعوامل الثورة التكنلوجية ، و خلق شبكات معلوماتية دولية موحدة تكون مهمتها التتبع والترصد الدوليين لمظاهر الجريمة الالكترونية ومن ثمة ايجــــاد حلول كفيلة بمواجهتها، مع ضرورة ربط سوق التكنلوجيا المغربية بنظيرتها الدولية لا لشيء الاَّ من أجلِ الاستفادة المستمرة من التجارب الأجنبية الاحترازية في هذا المجال ولمالا عقد شراكات دولية ثنائية أو متعددة الأطراف بهدف تبادل الخبرات الأجنبية في مجال مكافحة الجرم الالكتروني، و ضـــرورة خلـق مَـحـاكــم توكل اليها مهمّـة النظـر في القَضـايـــا المتعلقة بــــالجرائم الالكترونية، ووضع اليات حديثة للمراقبة عن بعد مجهزة بنظام ” ipadress” يعهد اليها بمهمة المراقبة المستمرة للتطبيقات المعلوماتية الالكترونية، والحرص على تكوين أطر وكفاءات بشرية قادرة على مكافحة الجريمة الالكترونية وذلك بخلق وحدات للتكوين الجامعي والتقني في هذا المجال، و ضمان مواكبة الشركات المعلوماتية الوطنية للمستجدات الخاصة بتتبع الجرم الالكتروني الأمر الذي لا يمكن أن يتم تحقيقه الا عبر تكوين أطرها تكوينا مستمرا يتماشى وتطور الوسائط التكنلوجية الالكترونية.
ان المغرب مُطالب بنهج جُهود كبيرة في مَجالات مُكافحة الجريمة الالكترونية مما يعني بأن الحاجة ملحة الى تكوين موارد بشرية مختصة في المجال و تـــزويدها بالموارد المالية واللوجستية الكفيلة بتوفير الأجواء الملائمة للقيام بمهامها أحسن قيام، فالتعدي على الناس بالتشهير و السب و القذف لم يعد مقبولا في مغرب اليوم ، و لسنا بحاجة للتفنن في الجرائم ، فيكفينا ما وصلنا اليه الى حد الآن من جرائم باتت تقشعر لها الأبدان من قتل للأصول و زنا المحارم و اغتصاب للأطفال و الشباب و الشيب .