أهمية الأمن و الاستقرار في حياة الإنسان
جريدة طنجة – عمر محمد قرباش ( آراء )
الخميس 21 أبريل 2016 – 11:05:00
فمما لاشك فيه أن بالأمن تستقر الحياة ، ويأمن الناس على حياتهم ، ويستقيم معاشهم ، و يأمنوا على أموالهم وأعراضهم ويتوجهون إلى العلم والعمل ، والتحصيل والإنتاج في سائر مناحي الحياة ، لذلك كله جعل الإسلام الأمن من أهم المقاصد الشرعية التي يسعى إليها ، فكان غاية عظمى وهدفًا أسمى ، لا يجوز بأي وسيلة من الوسائل خدشه ، فضلًا عن التعرض له وزعزعته. فعن سَلَمَة بْن عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِيهِ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا } يعني : من جمع الله له بين عافية بدنه ، وأمن قلبه حيث توجه ، وكفاف عيشه بقوت يومه ، وسلامة أهله ، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها ، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها ، بأن يصرفها في طاعة المنعم ، لا في معصية ، قال الحجاج بن يوسف لخريم الناعم : ما النعمة ؟ قال : الأمن ، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش .
إنّ نعمةَ الأمن و الاستقرار عظيمة لا يعرف قدرها ومنزلتها وآثارها إلا من افتقدها ، ولو قلب الإنسان النظر في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة ، لرأى العجب العجاب من اختلال الأمن و عدم الاستقرار في بعض بلاد المسلمين المجاورة ، وفي أمكان عديدة فقدت هذه الدول أمنها أو بعض أمنها ، فصار الواحد منهم لا يأمن على دينه ولا يأمن على ماله ، ولا يأمن على دمه بل و لا يأمن على عرضه ، والأمن له آثاره العظيمة ، إذا استتب في البلد أمن الناس على دينهم وعلى دمائهم ، وعلى أموالهم و أعراضهم ، وبالمقابل إذا اختل الأمن فقد بعض الناس دينهم ولم يتمكنوا من إظهار شعائر دينهم ولم يأمنوا على أموالهم ودمائهم وأعراضهم .
فتمام النعمة السعي إلى استمرارها واستقرارها وذلكم بشكر الله تعالى عليها والقيام بحقوقه حق القيام ، واستعمال نعمه في طاعته واجتناب نواهيه ، فإنه بالشكر تدوم النعم ، قال تعالى: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) .
فدوام نعمة الأمن والاستقرار التي يظفر بها الإنسان ، لا تكون إلا بالإيمان والابتعاد عن العصيان ، و لقد أوضح القرأن الكريم أهمية الأمن الذي حرص الإسلام على تحقيقه في حياة الإنسان الذي يكون مصدر طمأنينته و استقراره و سكينته ، فقارن الأمن بالإيمان ، فلا أمن بدون إيمان ، لأنه يبعث الطمأنينة في النفس و يبعد عنها الهم و القلق و الاضطراب ، فتوحيد الخالق و إخلاص التوحيد له ، يثمر الأمن النفسي و الأمن الروحي ، فالموحد تراه أمنا إذا خاف الناس ، هادئا مطمئنا إذا اضطرب الناس ، فالعلاقة بين الأمن و الإيمان ، و الصلاح و الاطمئنان ، جاءت واضحة جلية في كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، و في ذلك يقول الحق سبحانه في سورة الأنعام ” الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ” ، والمقصود بالظلم كما بينه الله في آيات أخرى في وصية لقمان لابنه ” يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ” وفسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في مواضع عدة ، فبين أن الإيمان و التوحيد هما أعظم أسباب الأمن و الطمأنينة ، وجعل الله الأمن قرينا لأهل الإيمان في الدنيا والآخرة ، بالتزامهم أحكامه وإقامة شرعه على الوجه الأكمل ، ففي الحياة الدنيا قال تعالى ” (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)” ، وفي الآخرة قال عن المؤمنين ” مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ “. و تؤكد السنة هذا المقصود ففي الحديث ” أشرف الإيمان أن يأمنك الناس ” ، و تبين أن من صفات المؤمن الأمن كما في الحديث ” المؤمن من أمنه الناس على دمائهم و أموالهم ” .
و الكفر بنعم الله و عصيان أوامره من بواعث الخوف و عدم الاستقرار ، فقد ضرب الله مثلا بقرية كان الأمن و الاطمئنان يعم في أرجائها فكفرت بأنعم الله عليها ، فبدل كفايتها بالجوع ، و أمنها بالخوف فقال سبحانه : ” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ” ، و يكون الابتلاء سببا في سلب نعمة الأمن أحيانا قال تعالى : ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ” أرأيتم إلى قول الله تعالى ” بشيء من الخوف ” فكيف لو بلانا بالخوف كله ، نعوذ بالله من ذلك .
فالأمن والأمان و الاستقرار و الاطمئنان ، يبدأ بالإيمان بالله رباً وخالقاً ورازقاً وحافظاً ، وبالإتباع لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم والعمل بما جاء في كتاب ربه وفي سنته من توجيهات وإرشادات ، وبيان لحقيقة خلق الإنسان وتصوره للكون والحياة وما بعدها ، فيدرك المؤمن أن هذا الكون يسير وفق نظام وأن هناك إله يدبر أمره وأن حياته ليست ملك له.. بل هي ملك لخالقها – سبحانه – الذي بيده الأمر والنهي والضر والنفع والحياة والموت ، وما عليه إلا الاستقامة على دين الله في كل أحواله ، فيجد الأمن النفسي والراحة حتى وإن كان يعيش في ظل أمواج الفتن والابتلاءات والفقر والحاجة فيدفع ذلك بالأسباب ويرضى بأقدار الله..
قال بعض الصالحين: مساكين أهل الدنيا! خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل له : وما هو؟ قال: معرفة الله – عز وجل – والأنس به . و سُئل حاتم الأصم: علام بنيت أمرك في الحياة ” أي كيف بنيت حياتك وما سبب سعادتك واطمئنانك”؟ قال على أربع خصال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فأنا مشغول به ، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره ، وعلمت أني لا أخلو من عين الله – عز وجل – حيث كنت ، فأنا أستحي منه ، قال تعالى ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)..
إن المتتبع لآيات كتاب الله ، و المتأمل لمراشده و هداه ، يجد أن الأمن و الاستقرار ثمرة من ثمار الهداية ، و الاضطراب و القلق نتيجة مؤكدة من نتائج الضلال و الغواية ، فالإنسان إن لم يتوفر له الطمأنينة النفسية ، والسعادة القلبية وانشراح الصدر، لا يستلذ بعيش وإن كان غنيًا ، ولا يهنأ بثوب وإن كان فاخرًا ، ولا يهنأ بمركب ولو كان فارهًا ، هذه فِطْرَةُ الله -جل وعلا- التي فَطَرَ الناس عليها ، فلا تظن أن هذا المال وهذا المتاع وهذا الجاه وهذه الشهرة وهذه المناصب تعيد للنفس طمأنينتها ، وتعيد للقلب انشراحه ، أو تعيد للإنسان السعادة -وإن كان هذا جزء قليل من أجزاء السعادة لا ننكره- إلا إن راحة القلب ، وانشراح الصدر، وطمأنينة النفس ، لا تتحقق إلا في ظلال الإيمان بالله عز وجل ، و اتباع سبيله السوي ، أما من تنكب طريقه ، و جاد عن هديه فلا أمن ولا أمان ، ولا استقرار و لا اطمئنان . .