“نَخـــيلٌ مِنْ غـــيْرِ رُطَــب”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( آراء )
الجمعة 11 مارس 2016 – 18:39:46
لاشك أن الحسن الثاني لم يكن رجل سياسة فقط بل كان رجل دولة بارع، ولذلك فقد اهتدى، بفضل اطلاعه الواسع على العلوم القانونية و إدراكه الجيد للخصوصيات الاجتماعية لمملكته، إلى أن النظام القانوني الذي يجب إرساؤه بالمغرب يستحسن أن يكون على شاكلة النظام الجهوي الألماني الذي يوفر قاعدة قانونية و دستورية تُمارس من خلاله الشؤون العامة المحلية بصورة تتجاوز مفاهيم اللامركزية و عدم التركيز لتنتج مفهوما أكثر تقدمية اسمه “الجهوية”.
و رغم أن المغرب تعامل بحذر شديد مع مفهوم الجهوية منذ بداية اعتماده أوائل السبعينات ،من خلال “الجهات الاقتصادية”، إلا أنه ما انقطع، منذ عقود، عن تطوير البناء القانوني و النظري للجهوية المغربية، قبل أن يصل، في ظل أحكام الدستور الأخير، إلى وضع اسس جهوية أُريد لها أن تكون “موسعة”،بتعبير بعضهم، و “متقدمة” بحسب آخرين، و لا تُعلم في، واقـع الأمـر، طبيعـة هذا “التقدم” و لا حُـدود هـذا “التوسيع”.
و رغم أن البلد قطع أشواطا مستحسنة في تطوير قَـوانينه العامة و الخاصة على حدّ سَـواء، إلا ان مشكلة المغرب المغـرب ظلّت على الدوام ترتبط بمستوى الوعي الثقافي الذي يمتلكه القائمون على الإدارة الترابية و يُتيـح لهم “تصريف” سياسة الدولة إلى عملة مُيَسّرة للتداول بين الناس، وتحظى تبعا لذلك بثقتهم.
منذ مدة عرفت مدينة البوغاز نهضة عمرانية واكبتها صحوة اقتصادية قبل أن تعرف مشروعا ضخما أطلقه الملك محمد السادس و حمل اسم “طنجة الكبرى” ، وخلال ذلك كله تعاقب على إدارة المدينة و شؤونها البلدية أشخاص “ينتمون” لأحزاب مختلفة، كما عُيِّن على رأس ولايتها ولاة من مختلف الأجيال الإدارية، لكن أحدا من هؤلاء لم يُعِرْ ، وهو يقوم بترجمة المشروع، اهتماما يُذكر لمسألة الخصوصيات الثقافية و العمرانية التي يتحتم إدراكها و مراعاتها خلال تنفيذ الأشغال المدرجة على لائحة هذا المشروع المسمى ” طنجة الكبرى”
في الأيّـام المــاضية عبرت فعاليات محلية، سواء من خلال وسائل الإعلام الورقي أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن ملاحظاتها إزاء ما شرعت فيه السلطات المحلية بطنجة من غرس لأشجار النخيل على امتداد “البوليفار”، ويبدو أنها كانت ملاحظات “شائكة” نوعا ما، إلى درجة أُرْغِمت معها السلطة على التراجع عن مشروع تحويل طنجة، المرتبطة تاريخا و جغرافية، بالثقافة المتوسطية إلى “واحة” يؤثثها “النخيل” المستورد، من الداخل طبعا.
“حادث النخيل” كان مناسبة لإلقاء المزيد من الضوء على طريقة تفكير السلطة المحلية،التي تمثل سلطة المركز، فاتضح للناس أنها أبعد ما تكون عن ثقافة الجهوية البسيطة، وما بالك عن الجهوية المتقدمة، فالسلطة، وبغض الطرف عن الكلفة المالية الباهضة لمشروع “التنخيل”، لم تستحضر أبدا تل الخصوصيات المناخية و الطبيعية لمدينة “هرقل”، ولم تُعِرْ انتباها يُذكر لثقافة هذه الحاضرة العريقة، فبدل تعزيز هوية المدينة ذات الملامح المتوسطية و العمل على تبنيها و استثمارها في رسم معالم طنجة الكبرى، فإنها اتجهت من خلال هذا “التنخيل” إلى استحداث ثقافة صحراوية و غرسها مكان ثقافة أخرى لا تعاني أي شكل من أشكال القَحْل أو الضمور.
قد يبدو الأمر عاديا و أنه لا يعدو ونه خطأً “إداريا”، لنه في واقع الأمر خطأ جسيم يرتبط مصدره بالمنطق المركزي الذي مازالت تُدار به شؤون تنتمي إلى دائرة المحلي الثقافي، و قد يبدو الأمر اكثر فداحة إذا عُلِم مقدار المال العام الذي أنفق من أجل غرس أشجار تنتمي لفصيلة “نَخيل مِنْ غيْرِ رُطَـب”. “.