موعظة تاريخية
جريدة طنجة – عبد السلام مفرج ( آراء)
الأربعاء 02 مارس 2016 – 11:39:55
لقد ثبتَ بالاتّفاق أن حاضرَ طنجة استقبلت حقبة جديدة من تاريخها الأزلي السّحيق فجر الفتح الأول الذي قاده موطد الإسلام بها عقبة بن نافع عندما زحف بجيشه عليها وما أعقب لقاءه بحاكمها النصراني ( الكونت يوايان ) سنة 62 هجرية . ثم جاء دور الفتح الثاني من نصيب القائد أولى لتحركاته و إدارته العسكرية ، حيث وضع فيها رهائن المصامدة تحت الحراسة سنة 88 هجرية بعد أن عين طارق بن زياد واليا عليها ، في انتظار تدبير فتح الأندلس سنة 92 هجرية ، ليكون الحدث الفارق بامتياز في خريطة المنطقة آنذاك . في سياق هذه الظروف كان من حسن الحظ طنجة أن تتحول – بالتدريج – إلى أول ( مركز استقطابي ) لتعليم مبادئ الدين الإسلامي وهي لا تزال حديثة عهد بانتشاره ، حيث أنزل بها هذان الرجلان ( موسى و طارق ) سبعة وعشرين ألفا من العرب , وإثنى عشر ألفا من البربر وأمورهم أن يعلموا البربر القران و الفقه .
لكن سرعان ما هبت على المنطقة رياح الأحداث و التقلبات ، تقلد فيها ( حنظلة بن صفوان الكلبي ) ولاية شمال إفريقيا ( المغربية ) ممثلا للخلفية الأموي هشام بن عبد الملك بن مروان ، فجاء القيروان سنة 124 هجرية ، والمغرب ساحة مضطربة بفتنة الخوارج الصفوية، فكان أن تغلب على ( ثوار هوارة ) الخارجين عن الدولة , ووجه ( حسام بن ضرار الكلبي ) واليا من قبله على الأندلس ، استقام أمره بها حينا من الدهر قبل أن يثور عليه ( الصميل بن حاتم الكلبي ) ويخلعه .
وتكشّفَ لنا بعض الحفريات النادرة في تاريخ هذه ( المرحلة الاستثنائية ) عن بعض الوثائق المواكبة لأهم الأحداث و الشخصيات , خصوصا بعدما دب الخلل في أوصال الخلافة الإسلامية بالمشرق وخفت صوتها تبعا لتداعيات الفتن الدائرة بين ( بني أمية) في خريف حكمهم , وبين ( بني العباس ) الصاعدين على أنقاضهم , تدهورت معه شؤون الولاية بطنجة و المغرب امتدادا لما يجري , رغم بروز بعض أصوات الإصلاح والتهدئة على طريق استتباب الآمن بكافة أشكاله , ولو كان المدخل هو ( الأمن الروحي ) على الأقل دون سواه .
ففي مجلس حضره صفوة من العلماء بعث بهم الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز إلى إفريقيا لتفقيه أهلها في الدين ,كتبت رسالة خاصة تهم أهل طنجة إبان ثورة الخوارج بها خطها بيده حنظلة بن صفوان من مقر ولايته بالقيروان سنة 124 هجرية , وجاء نصها محفوظا بأمانة تاريخية كالاتي :
” بسم الله الرحمن الرحيم
من حنظلة بن صفوان إلى جميع أهل طنجة
أما بعد، فان أهل العلم بالله و بكتابه و سنة نبيه محمد ﷺ ،قالوا انه يرجع جميع ما أنزل الله عز و جل إلى عشر آيات : آمرة , وزاجرة , ومبشرة , ومنذرة , ومخبرة , محكمة , ومتشابهة , وحلال , وحرام , وأمثال .
فأمره بالمعروف , وزاجرة عن المنكر ومبشر بالجنة , ومنذر بالنار , ومخبرة بخبر الأولين و الآخرين , و حلال أمر أن يؤتى وحرام أمر أن يجتنبه , وأمثال واعظة .
فمن يطع الآمرة وتزجره الزاجرة ، فقد استبشرَ بالمُبشرة وأنذرته المنذرة ، ومن يحلّل الحلال ويحرم الحرام ، ويرو العلم فيما اختلف فيه الناس إلى الله , مع طاعة واضحة ونية صالحة , فقد أفلح و أنجح وحيي حياة الدنيا و الآخرة.
و “السلام عليكم ورحمة الله “