مكانة المرأة في ظل الإسلام
جريدة طنجة – عمر محمد قرباش ( المراة و الإسلام )
الجمعة 18 مارس 2016 – 19:49:15
” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، وحرص حرصاً عظيماً لم يكن معهوداً من قبل ، فجعل لها حقوقا ً، ورتب لها أحكاماً ، قال ﷺ -صلى الله عليه وسلم-: ” إنّما النّساء شقائق الرّجــال “.
لقد جاءَ الإسلامُ ليُكرّمَ المرأة وليرفع من شَأنها بعد أن عاشت حياة العبودية والذل والمهانة ، بل والتصفية والإقصاء ليس من مركز اجتماعي أو مكانة سياسية ؛ بل من الحياة!. بل لم تجد المرأة الراحة والسعادة والكرامة في أعظم حضارات الدنيا ، حتى جاء الإسلام فأنقذها من هذا الوضع وكرمها ، وضمن لها حقوقها ، وجعلها مساوية للرجل في كثير من الواجبات الدينية ، قال تعالى ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَـٰتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } . وكفل لها حياة كريمة ، حياةً مِلؤها الحفاوةُ والتكريم من أوَّل يوم تقدُم فيه إلى هذه الحياة ، ومُرورًا بكل حال من أحوال حياتها. فرعى حقَّها طفلةً ، وحثَّ على الإحسان إليها ، فقد قال ﷺ -صلى الله عليه وسلم-: ” مَن عال جاريتين حتى تبلُغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين” وضمّ أصابعه ، أي دين أعظم من هذا الدين ؟ وأي تكريم أعلى وأجل من هذا التكريم ؟ فقد جعل الإسلام الجنة ومرافقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها مقابل قيام الرجل بتربيتها ورعايتها وحسن التعامل معها. بل رعى حقَّ المرأة أُمًّا، فدعا إلى إكرامها إكرامًا خاصًّا ، وحثَّ على العناية بها ، قال تعالى (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰاهُ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰنًا) . بل جعل [حقَّ] الأمّ في البرّ آكَدَ من حقِّ الوالد ، جاء رجل إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ، من أبرّ؟ قال: “أمّك”، قال: ثم من؟ قال: “أمّك”، قال: ثم من؟ قال: “أمّك”، قال: ثم من؟ قال: “أبوك”. ورعى حقَّ المرأة زوجةً ، وجعل لها حقوقًا عظيمة على زوجها ، من المعاشرة بالمعروف والإحسان والرفق بها والإكرام ، قال ﷺ -صلى الله عليه وسلم-: “ألا واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن عوان عندكم”. وفي حديثٍ آخر أنه قال: ” أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا ، وخيارُكم خياركم لنسائه “. ورعى حقَّ المرأة أختًا وعمَّةً وخالةً ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “لا يكون لأحد ثلاثُ بنات أو أخوات فيُحسن إليهن إلا دخل الجنة”. وفي حال كونِها أجنبيةً فقد حثَّ على عونها ومساعدتها ورعايتها ، ففي الصحيح قال –عليه الصلاة والسلام-: ” السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللَّهِ أَو الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ “.
وأثبت لها ذِمَّة ماليَّة مستقلَّة تمامًا كالرجل ؛ فلها أن تبيع وتشتري ، وتستأجر وتؤجِّر، وتوكل وتهب ، ولا حجْر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة . فقد منحها هذا الحق ابتداء ، وبدون طلب منها و ذلك تمشيا مع نظرته العامة إلى تكريم الانسان جملة ، و إلى تكريم شقي النفس الواحدة ، وكفل لها حق التعبير عن أخذ رأيها واستشارتها في أهم شيء في حياتها وهو الزواج ، لقد جاءت امرأة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- تقول : يا رسول الله ، إن أبي يريد أن يزوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته ، فجعل النبي ﷺ -عليه الصلاة والسلام- الأمر إليها ، فقالت: أجزْتُ ما فعل أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء. ومن ذلك عدم أخْذ صداقها ، امتثالا لأمر الله تعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) ، فالصداق من حقوقهن الخاصة ليس لأحد فيه حق إلا بطيب نفس منها، قال تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) .
و من هنا كانت المساواة في حق التملك و حق الكسب بين الرجال و النساء من ناحية المبدأ العام ، ” و قد سوى الاسلام كذلك بين الرجل و المرأة أمام القانون ، وفي جميع الحقوق المدنية سواء في ذلك المرأة المتزوجة و غير المتزوجة .
فالزواج في الاسلام يختلف عن الزواج في معظم أمم الغرب المسيحي ، في أنه لا يفقد المرأة اسمها و لا شخصيتها المدنية ، ولا أهليتها في التعاقد ، ولا حقها في التملك .
بل تظل المرأة بعد زواجها محتفظة باسمها واسم أسرتها ، و بكامل حقوقها المدنية ، وبأهليتها في تحمل الالتزامات ، وإجراء مختلف العقود … و محتفظة بحقها في التملك تملكا مستقلا عن غيرها ، فللمرأة المتزوجة في الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة ، وثروتها الخاصة المستقلة عن شخصية زوجها و ثروته . “
و هي إنسان مسؤول كالرجل تماما عن أعماله الجنائية في الدنيا ، ثم يجزى عليها في الآخرة ، و لن يغني عنها أبوها أو أخوها أو زوجها ، قال تعالى ” الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ” ، وقال تعالى “والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما ” .
وضمن لها حق التعليم والتفقه في الدين بضوابط الشرع وآدابه ، فقد قالت النساء للنبي ﷺ -صلى الله عليه وسلم-: غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا يوماً من نفسك ، فوعدهن يوماً. قال العيني: “أي: عيِّنْ لنا يوماً من الأيام نسمع العلم ونتعلم أمور الدين”.
فالإسلام أراد من تشريع هذه الحقوق وغيرها وتأكيدها في حق المرأة تكريماً لها وصيانةً لحقوقها ودفعاً للقيام بواجبها في هذه الحياة ، فواجبها عظيم ودورها كبير، فيكفي أنها نصف المجتمع ، وأنها المربية للنصف الآخر، إلى جانب دورها تجاه دينها ومجتمعها وبيتها وأسرتها.
ومن ينظر في تاريخ الإسلام يجد دورها وأثرها وتضحياتها ، فأول مَن آمن برسالة محمد ﷺ -صلى الله عليه وسلم- في هذا الكون امرأة هي خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، وأول شهيدة كانت سمية أم عمار.. وأراد الإسلام من تشريع هذه الحقوق وغيرها وتأكيدها في حق المرأة لتكون مثالاً للطهر والعفاف ؛ فتكون زوجة صالحة ، وأما واعية لدورها وواجبها. كما أراد أن يجعل منها شخصية ذات قيمة في المجتمع وذات هدف وذات غاية نبيلة. فلم يرد منها في يومٍ من الأيام أن تكون وسيلة رخيصة لنشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة كما أراد لها الغرب وبعض منافقي هذه الأمة الذين زينوا لها الحرية بالتفسخ والانحلال الخلقي ومحاربة الحجاب والدعوة إلى الاختلاط مع الرجل في كل ميادين الحياة دون ضوابط أو حدود ، واستخدموها كسلعة تجارية لكسب المال ، وهدموا بذلك الأسرة والسكينة في كثير من المجتمعات ، وصدروا هذه الحياة البئيسة إلى بلاد المسلمين باسم حقوق المرأة وحريتها. وتبناها رويبضة القوم وضعاف النفوس ومرضى القلوب ، فقد وحدّوا جهودهم وشحذوا ألسنتَهم وبَرَوا أقلامهم ، وعقدُوا المؤتمرات والندوات وسطَّروا المقالات ، وامتطوا صهوات الهيئات لتحقيق مآربهم، وصدق الله إذ يقول (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) .
في ظل هذا الضجيج الإعلامي حول المرأة وحقوقها المزعومة من قبل الحداثيين والمتعلمنين ومنظمات حقوق المرأة وغيرها، يحق لنا أن نتساءل: هل استطاعت هذه الحضارة المادية أن تجلب للمرأة الراحة والسعادة ؟ وهل استطاعت أن تأخذ حقوقها التي تكفل لها الحياة الإنسانية الكاملة؟. كلا! فقد زادت تعاستها وزاد شقاؤها ، وأخرجت من الصباح الباكر تزاحم الرجال في المصانع و المعامل و أورش الحدادة والنجارة. بل تطرد البنت من المنزل بعد سن الثامنة عشرة لكي تبدأ في العمل لنيل لقمة العيش، وإذا ما رغبت في البقاء في المنزل فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها وثمن طعامها وغسيل ملابسها! وفي الإسلام؛ الأب والأخ والابن والخال والعم والجد والأرحام كلهم مسخرون لخدمتها ولتوفير طلباتها. وإن كان هناك من ظلم للمرأة في مجتمعاتنا وتعدٍّ على حقوقها فإنه يتمثل في عدم تربيتها وتعليمها أمور حياتها ودينها وفق ضوابط الدين وآداب الشرع. ومن هذا الظلم عدم العدل بينها وبين ضرتها، فما إن يتزوج كثير من الرجال بأخرى حتى يبدأ الظلم والحيف والإهمال ، ومن هذا الظلم والتعدي على الحقوق تعرضها للعنف ، كالضرب وغيره من قبل بعض الأزواج ، والهجر دون وجه حق ، والله -عز وجل- لم يأمر بذلك؛ بل أمر بالإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان. وإن من أعظم صور ظلم المرأة أن يُلبَّس عليها الحق بالباطل ويستبدل الحسن بالقبيح , وتصور لها الحياة والعفة بالرجعية والتطرف على حين يصور لها السفور والاختلاط بالمدنية والانفتاح والتحضر.
فليقم الآباء والأزواج وليقم المجتمع بحق المرأة كما أمر الله ورسوله ؛ حتى تكون أداة بناء وتطوير لهذا المجتمع ، وهي مدرسة عظيمة إذا أحسن إعدادها وتربيتها وقامت بواجبها وأدركت مسؤوليتها.
الأم مدرسةٌ إذا أَعْدَدتَّها *** أَعْدَدتَّ شَعْبَاً طَيِّبَ الْأَعْراقِ