عمال النظافة .. فئة لا تنتمي إلى البشر أو هم فئة من أدنى مراتب البشر؟؟؟ أكرموهم يكرمكم الله
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (الصورة : لوحة فنية للفنانة “منى السادلي” )
الثلاثاء 15 مارس 2016 – 11:15:09
أردنا في هذا التقرير بسط جوانب من الوضع العمالي لهذه الفئة الكادحة التي زيادة على وضعها المهني الشبيه بوضع العبيد والأقنان في زمن ولى، تلاحقهم وصمة عار في كل مكان، فالكثير يناديهم ب “الزبالين” مما يضاعف معاناتهم اليومية ويعمق الشعور بانسداد الآفاق أمامهم نحو انفراج ممكن.
ماهي تمثلاتنا لعمال النظافة؟ – هل نعي حقا أهمية دورهم في حياتنا؟ – ماهي ظروف عملهم وماهي المخاطر التي تهدد صحتهم وحياتهم؟..
في اليابان من قلة الأدب والاحترام مناداة “نجوم النظافة” بعمال النظافة، فبالأحرى أن تنادي عليه كما هو الحال عندنا في المغرب “الزبال” “الزبالة جمع الزبال” “مول الزبل”، أما اليابانيون ونظرا لوعيهم العميق لوظيفة صناع النظافة في صحة وسلامة البيئة الحياتية يسمونهم “مهندسو الصحة والنظافة”، إضافة إلى امتلاكهم كل شروط الحياة الكريمة من راتب محترم و سكن محترم ونظرة اجتماعية جد محترمة، ناهيك أن اليابانيين يتعلمون في مدارسهم وهم صغار كيف ينظمون نفاياتهم ويفرزون موادها وتفريغها من السوائل قبل وضعها في الأكياس لكونها تسبب الرائحة الكريهة ويخصصون يوما معينا لنفايات معينة كالنفايات الورقية، وخلاصة القول إن النظام أساس الحياة في اليابان.
قد يقول قائل لامجال للمقارنة بين المغرب واليابان، وهذا كلام فارغ من المعنى وتكرار لمقولات العجز والإحباط، أما التفكير المؤسس على مقتضيات العقل فيدفعنا إلى استلهام واستيراد التجارب الكونية المشرقة، خصوصا أن المغرب يزخر بالكفاءات من الموارد البشرية فقط يجب استثمارها وتأهيلها وتحفيزها وتقديرها.
إذا كان صناع النظافة في اليابان يحظون بكل شروط الحياة الكريمة، فإن نظرائهم في المغرب على النقيض من ذلك، يعيشون ظروفا قاسية بدءا من طريقة الحصول على منصب في قطاع النظافة إما بالرشوة أو الزبونية زد على ذلك هزالة الراتب مما يجعل معظمهم يقصدون مؤسسات القروض التي تجهز على رواتبهم تباعا وما يترتب على هذا من أزمات اقتصادية واجتماعية ونفسية، وهو وضع سيستمر في إطار التدبير المفوض مع الشركات الأجنبية التي استبشر بها الكثير من عمال النظافة في البداية، ظنا منهم أنها ستعاملهم بمقاييس أوربية، لكن دار لقمان ظلت على حالها، وتفاقمت معاناة عمال النظافة، سيما وأن النفايات المغربية تكاثرت مع الانفجار الديمغرافي وما رافقه من غياب ثقافة تدبير المواطن لفضلاته والتخلص منها بطريقة عشوائية في أوقات غير مضبوطة ولا منظمة،نفايات شهيرة بروائحها الكريهة سوائلها العفنة وزجاجها المكسور، وهو ما يتسبب في جروح متفاوتة الخطورة وأمراض معدية لأصحاب “مهنة المتاعب”، وتزداد الخطورة عندما يتعلق الأمر بجمع نفايات المستشفيات والمراكز الصحية ومخلفات المرضى من حقن وضمادات مستعملة وأدوية منتهية الصلاحية ومواد كيماوية، مع عدم التزويد المنتظم للعمال بالقفازات والملابس الواقية من الإصابة بالتلوث، وعدم توفر مقر العمل على رشاشات ومواد منظفة لاستحمام عمال النظافة بعد الانتهاء من العمل.
أمام هذه الظروف المأساوية تخوض شغيلة النظافة إضرابات متتالية، وهو ما أغرق المدن المغربية في مدن أخرى من النفايات، بمشاهدها البشعة تسبقها روائحها النتنة، وهذا ما جعلنا نستيقظ من سباتنا العميق، لنعترف سرا وعلانية بأهمية “نجوم النظافة” الذين يستحقون منا كل الشكر والثناء والاحترام والتقدير، واهتمام الدولة بهم وبأسرهم، كيف لا وهم “يميطون أذانا” وقماماتنا، و”إماطة الأذى عن الطريق صدقة” كما أخبرنا الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام الذي قال”النظافة من الإيمان”.
لن آتي بجديد ولن أجانب الصواب إذا قلت إن عمال التنظيف من أكثر الفئات إذا لم نقل أكثرها التي عانت على مدى عقود من ظلم فادح قاس ومن تهميش مستمر على جميع المستويات وكان مسكوتا عن كل ذلك من قبل الجميع حتى من قبل المعنيين بالأمر أنفسهم لأسباب عديدة معروفة بطبيعة الحال….. هم وخاصة عمال التنظيف مظلومون ومهمشون من قبل المجتمع ومن قبل الإدارة التي ينتمون إليها (البلدية والولاية ووزارة الداخلية) ومن قبل الحكومة على مدى أكثر من خمسين سنة، وحقوقهم مهضومة بالطول والعرض كأنهم فئة لا تنتمي إلى البشر أو هم فئة من أدنى مراتب البشر….. لا أحد عانى بالمغرب بقدر ما عانى هؤلاء الرجال الأفذاذ من الضيم والاعتداء على حقوقهم وإنسانيتهم وكرامتهم….
فالمجتمع بأغلب مكوناته ينظر إلى عمال النظافة نظرة دونية مليئة بالاحتقار والازدراء والسخرية والمهانة ويكاد ينبذهم وإن قبل بهم فعلى مضض، ويعتبر مهنتهم حقيرة ويضرب بها المثل في التفاهة واحتلال المراتب الدنيا في سلم الأعمال والمهن، وليس أدل على ذلك الاحتقار وتلك المهانة من إطلاق عبارة “الزبّال” على عامل النظافة، وإن هذه التسمية أو هذه الصفة تدل بكل تأكيد على حرص مطلقيها وإصرارهم على إهانة ذلك العامل والحط من شأنه وقيمته وضرب كرامته والدوس عليها….
عبارة “الزبّال” على وزن فعّال، وهي صيغة مبالغة شأنها شأن عبارات فلاّح ونجّار وحدّاد وغيرها، والمقصود من صيغة المبالغة الإكثار من الفعل والإنتاج المتصل بذلك الفعل، فالفلاح يكثر من عمل الفلاحة المؤدي إلى إنتاج الحبوب والخضر والغلال، والنجار يكثر من عمل النجارة المؤدي إلى إنتاج مواد مختلفة متصلة بهذا المجال، والحداد يكثر من عمل الحدادة المؤدي إلى إنتاج مواد مختلفة متصلة بهذا المجال، وقياسا على هذا فإن “الزبال” يكثر من “عمل الزبالة” إن صح التعبير المؤدي إلى إنتاج مواد متصلة بهذا المجال وكأن هذا العامل هو الذي ينتج الزبالة وكأنه هو الذي يلوث وينشر الأوساخ هنا وهناك، بينما هو يرضى لنفسه أن يرفع زبالة ينتجها غيره بكثرة، أضف إلى ذلك أن اشتقاق العبارة التي تطلق على عامل النظافة من كلمة “الزبلة” أو “الزبالة” يتضمن إهانة بالغة وأكيدة مع سبق الإضمار والترصد، وكان من الأجدر أن يسمى “المنظف” أو “النظاف” لأنه فعلا يقوم بهذا العمل النبيل…..
تحت حرارة الشمس يلوذ الجميع بالفرار، ويتوارى الناس تحت الأبنية والأشجار، هربا من أشعتها الحارقة، لكن هناك فئة لم تستسلم لتلك الحرارة بل واجهتها قسرا لا رغبة في المواجهة، تسلحت بمعدات العمل “كسكيطة ”
مع تزايد التلوث البيئي وعدم ايلاء النظافة ما تستحق من اهتمام، فإن قساوة عملهم لا تكمن فقط في طول المسافة التي يضطرون لكنسها، وانما كذلك في طبيعة وسائل التنظيف المتآكلة التي يستعملونها، فالعربات معظمها غير صالحة وعجلاتها معطوبة باستمرار وتفتقر الى المكانس، الأمر الذي يجبر بعضهم على استعمال سعف النخيل، فضلا عن أن المكانس المستعملة كلها من النوع الرديء.
ولا يخفي عمال النظافة الخطورة الكامنة في نوعية الفضلات، فهي تحوي مواد سامة وأدوية منتهية الصلاحية وحقنا مستعملة ومواد كيماوية، وتدبيرها يتم بدون أن توفر للعمال وسائل وقاية مثل الكمامات والقفازات، مما يؤدي الى ظهور عدة أمراض في صفوفهم مثل الحساسية وأمراض الربو والتي تصيب الكلى والعيون وأمراض الجلد وأخرى مجهولة ومع ذلك لا ينعمون بأية حق ولا يستطيعون تأمين الأدوية.
ومقابل الجهد الكبير الذي يقدمه هؤلاء العمال يقول سائق شاحنة نظافة: «راتبي لا يطعم حتى كلبا عند أحد أثرياء مدينتنا». فراتب الواحد منهم لا يتعدى الألف درهم وأغلبهم يظل على هذه الحال الى حين التقاعد أو الموت. ومع ذلك فقد أدى استفحال ظاهرة البطالة ببعض العاطلين الحائزين شهادات في العلوم والآداب الى ممارسة هذه المهنة التي يحتقرها المجتمع.
وفي شرحهم لمجابهة متطلبات العيش، يقول منظفون: «بسبب العوز والدخل البائس، يضطر الكثير منا اما للنبش في القمامات المنزلية بحثا عن قطعة من الخبز او أحذية وملابس عتيقة اأو قنينات غير مكسرة أو قطع غيار».
ويلخص سائق شاحنة نظافة وضعهم بالقول: «كل هذا العذاب يلاحقنا طيلة حياتنا العملية، ومع ذلك يكون جزاؤنا وتكريم الدولة على عملنا ومجهودنا عند التقاعد بمبلغ لا يتجاوز 700 درهم».
إبراهيم، 50 عاما، أحد عمال النظافة، يستهل عمله بشارع من شوارع طنجة في الصباح الباكر، قبل أن ترسل الشمس أشعتها على المنازل، يقول: أجلس بين الحين والآخر تحت الظلال لألتقط أنفاسي من جولة عمل تبدأ في الصباح الباكر وتستمر حتى الثانية ظهرا، لأستعيد النشاط، لكني لم أعد قادرا على إنهاء الطريق الذي بدأته منذ 25 عاما، فالصحة لم تعد كما كانت، والأمراض كل يوم تحاصرني “ و لا يوجد علاج ، لكن ما باليد حيلة، لو توقفت عن العمل لن أجد لقمة العيش و لو لمغموسة بالتراب لي و لأولادي، و سوف أصبر لعل الله يجد لي مخرجا مو يعوضني علةى الأيام الصعبة التي عشتها و أعيشها “.
حياة أخرى يعيشها إبراهيم ، قضى نصفها في التجول بين شوارع المدينةى، ينتقل من مكان إلى آخر حسب رؤية رؤسائه، “أغلب شوارع طنجة أنا حفظتها، حفظت أشكال الأزقة، وعرفت الشوارع التي أجد فيها أناسا محترمين ، و أخرى أعاني فيها من جبروت العباد ، ويتابع: “مبقيت باغي والو من الدنيا غير الستر، كلشي كيغلى و الرواتب هي هي ، كنعيش مثل الحيوانات و أقل ، لكن الحمد لله”
و يضيف: “كنظف زبالة الناس و فالآخر كيسبوني ، بحال الى أنا ماشي بنادنم بحالهم ” لكن ماكنرد على حتا واحد الا بحسبي الله و نعم الوكيل”، ويكمل: “الناس أنواع وأشكال، منهم اللي كيرمي ازبل من البالكون، و كاين لي كيرميوها فوجهنا بلا حياء بلا حشمة ” .
ويروي أحد عمال النظافة الصعوبات التي يواجهونها أثناء تأدية عملهم قائلاً «أعمل من الساعة الثانية بعد منتصف الليل إلى الساعة الثامنة صباحاً، ثم يقوم أحد الزملاء بتسلم العمل عني لفترة الظهيرة، ومن أهم واجباتي وطاقم عملي المرور على حاويات القمامة الكبيرة وإفراغها في السيارة المخصصة لذلك، وهو عمل شاق يحتاج إلى كثير من الصبر وتحمل الروائح الكريهة، بالإضافة إلى التركيز ومعرفة التعامل مع مكان الحاوية وعدم إلحاق الضرر بالسيارات المتوقفة قربها، ونحاول قدر المستطاع عدم إزعاج أحد والعمل بصمت، لكن صوت محرك السيارة وارتطام الحاوية بالرافعة صوت لابد منه»، وعن تعامل الناس معه قال «هناك تناقض كبير في شكل التعامل، فمن الناس من يتعاون معنا ويساعدنا بيده أحياناً، ومنهم من يتعامل معنا بطريقة خشنة جداً ويشعرنا بالدونية، مع أنه لا ذنب لنا سوى اختيارنا هذه المهنة».
عامل النظافة يعامل معاملة سيئة جدا من قبل أفراد المجتمع فيُسب ويُشتم في السر والعلن، وتتجهم وتعبس الوجوه أمامه، ولا تمتد الأيدي لمصافحته ترفعا عليه وتكبرا واحتقارا وخوفا من يديه الملوثتين، وإن امتدت الأيدي لمصافحته فعلى مضض وبتقزز، ولا يُوجه إليه الكلام، وإن وقع ذلك فللسخرية منه ولتقريعه وتأنيبه وتحميله مسؤولية كيس فضلات مرمي على الطريق لم يقع رفعه….
وعامل النظافة يعامل معاملة سيئة جدا من قبل رؤسائه في العمل الكبير منهم والصغير، ولا يمكن له أن يدافع عن نفسه وعن حقوقه وعن كرامته لأنه إن فعل فالطرد من العمل يكون في انتظاره وكأنه سيطرد من الجنة الموعودة، وفي أفضل الحالات سيعيش “التمرميد”…..
أما عن وضعية عامل النظافة الإدارية فحدث ولا حرج، فلا تُسوى هذا الوضعية ولا يتمتع بالترسيم في العمل إلى أن “يتقاعد” ويخرج كما دخل “يدو على راسو”، بل يغادر العمل في صحة متدهورة مصابا بعدة أمراض وبعد أن يصبح عاجزا عن الاضطلاع بدوره، ويجد نفسه مضطرا إلى التسول ليضمن قوت يومه وقوت أفراد عائلته على الرغم من أنه كان أمضى أكثر من عشرين عاما في العمل لأنه بطبيعة الحال لا يتمتع بتغطية اجتماعية ولا صحية إلا القليل منهم يتوفر لديهم دفتر علاج مجاني، وعامل النظافة يحصل أثناء العمل على راتب شهري هو عبارة عن “فتفوتة” لا تكفي مسؤولا كبيرا لشرب قهوة .
مئات القصص والحكايات ، ترويها ملامح الوجوه وهزالة الأبدان التي أتعبتها الأيام، وأوجعتها تصريحات المسؤولين عن مهنة لم يختاروها لأنفسهم، وإنما فرضتها عليهم صعوبات الحياة من أجل لقمة عيش كريمة، عمال النظافة، التى قدست مهنتهم دول وشيدت لهم التماثيل في الميادين العامة، احتراما لهم وتقديرا لعملهم، وتأكيدا على أن تقييم البشر لا يكون بما يمتهنون، وإنما بإتقانهم لأعمالهم.
يجب تكريم “نجوم النظافة” وانخراط الجميع في التعريف بأهمية أدوارهم من إعلام ومؤسسات تعليمية ومساجد وندوات، بل إنهم يستحقون أوسمة ملكية والتفاتة ، وهنا أستحضر “الحاج محمد” الذي قارب السبعين ومازال ينظف حيه ، والجميل أن نجد شيخا مسنا مثله مازال يعمل في خريف عمره بكل همة ونشاط حفاظا على نظافة الحي في وقت يملأ الشباب المقاهي و يتسكعون بلا وجهة، والأجمل أن “الحاج محمد” يعمل متطوعا وليس موظفا في قطاع النظافة، وهو يقول لنا بعمله اليومي الجدي وبعزيمة فولاذية لاتلين، أن نظافة المغرب مسؤولية المغاربة جميعا.
على المسؤولين اعادة الاعتبار لهذه الفئة العريضة من المجتمع ، فان كانت هنالك ميزانيات لدعم الجمعيات و المؤسسات الخاصة و غيرها ، فعلى الجهات المسؤولة من مجلس حضري ومجلس جهة أن يقدموا دعما حقيقيا لهؤلاء العمال و أن يكرموهم ليكرمهم الله ، فالمال هو في الأول و في الأخير مال الشعب و مال الله ، فلا تعطوا لأنفسكم الحق بتعويض و دعم من يحلو لكم ، عمال النظافة ثم عمال النظافة ثم عمال النظافة …